عفرين بوست ــ متابعة
أصدرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة يوم أمس الخميس 16/3/2023 تقريراً مطولاً حول واقع المناهج التعليمية في إقليم عفرين المحتل، وسياسة فرض التتريك مقابل فرض التضييق على اللغة الكرديّة. واستشهد التقرير بالمادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر قوة الاحتلال من القيام بتغييرات جوهرية في المؤسسات والقوانين القائمة في المناطق المحتلة استناداً إلى روح المادة 43 من لائحة لاهاي لعام 1907.
اللغة الكردية ومتنفس بين مرحلتي إنكار
ذكر التقرير عرضاً تاريخياً لواقع اللغة الكردية في وريا وقال: “لم تشهد سوريا المعاصرة منذ نشأتها أي اعتراف رسمي باللغة الكردية، وظلت ممنوعة من التداول الرسمي وحتى الشعبي أحياناً، ومُنع افتتاح معاهد أو مراكز لتدريسها. كما لوحق واعتقل من حاول تعليمها للأهالي أو أصدر منشورات بها. جاء الاستثناء الوحيد في فترة الانتداب الفرنسي (1920- 1946) إذ سمحت السلطات الفرنسية لمثقفين كرد بإصدار دوريات باللغة الكردية”.
وتابع “منذ جلاء القوات الفرنسية، استمرت هيمنة أفكار القومية العربية ومضت قدماً في مشاريع صهر المختلفين قومياً عبر دساتير اعتمدت لاحقاً إبان فترة الانقلابات العسكرية وأيضاً في عهد الوحدة مع مصر”.
وتوقف التقرير لدى ممارسات “الإدماج القسري” التي كانت في أشدّ أوجهها بعد عام 1963، في أعقاب الانقلاب العسكريّ، المعروف بـ” ثورة الثامن من آذار”، والذي قاده ضباط بعثيون. ولاحقاً طبعت أيديولوجيا الحزب الحاكم العديد من مواد دستور عام 1973، لاسيما المادة الأولى التي اشتملت على مصطلحات “عروبيّة”.
وأشار التقرير إلى أنّ المرة الأولى التي شهدت فيها سوريا وجود مناهج باللغة الكردية كانت بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة في آذار/مارس 2011. وفي عام 2014، أنشئت هيئة إقليمية حاكمة فيدرالية باسم (الإدارة الذاتية)، بناء على عقد اجتماعي، لتصبح اللغات الرسميّة في هذه المناطق، وخصوصاً في عفرين، هي الكردية والعربية والسريانيّة، مع ضمان حق كل مجتمعات منطقة عفرين في التعلم بلغاتها الأصلية. ثم أصدرت “الإدارة” نسخة منهاج باللغة الكردية للطلاب الكرد، ونسخة باللغة العربية للطلبة العرب. ولكنها واجهت انتقادات لاذعة إزاء بعض الأفكار التي تضمنتها المناهج، واتُهمت الإدارة بأدلجة بعض المواد.
بعد احتلال الجيش التركي والميليشيات التابعة له عفرين في آذار/مارس 2018، فرضت ما تسمى “الحكومة السورية المؤقتة” مناهج صادرة عن وزارة التربية في “الحكومة السورية المؤقتة”، وخصصت أربع حصص للغة التركية ومثلها للغة الكردية. ولاحقاً، تمّ تقليص نصاب اللغة الكرديّة لحصتين فقط وأحياناً حصة واحدة، وألغيت تماماً في بعض المدارس بحجة عدّم وجود كوادر لتدريسها.
فُرضت اللغة التركية على الكرد السوريين والمستوطنين العرب الوافدين من مناطق سورية أخرى، وتضمنت مناهج كتب اللغة التركية الحديث عن رموز وشخصيات قومية تركية وأخرى دينيّة غريبة عن البيئة المجتمعية السوريّة.
وكان من اللافت أيضاً، افتتاح سلطات الاحتلال التركية “كلية التربية” في مركز مدينة عفرين، أُتبعت بـ”جامعة غازي عنتاب” التركية بمرسوم رئاسي تركي وقّعه الرئيس أردوغان، وفقاً للمادة 30 الإضافية من قانون تنظيم مؤسسات التعليم العالي رقم 2809، والمادة 39 الإضافية من قانون التعليم العالي رقم 2547. إلا أنّ كلية التربية لم تفتتح قسماً للأدب الكرديّ لرفد المدارس بأساتذة أكاديميين.
حالياً، تعدّ الكردية لغة ثانوية في المناهج التعليمية بعد العربية والتركية والإنكليزية من جهة عدد الحصص، ومعاملتها مادةً غير مؤثرة في المعدل العام للدرجات، بسبب عدّها لغة اختيارية في امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية. والمفارقة المثيرة هي تفوق اللغة التركية (داخل أراضي الدولة السورية) وتقدمها من حيث الأهمية وعدد الحصص ونوعية المدرسين، فضلاً عن المكانة العلمية وأهميتها في التحصيل العلمي، على الكردية لغة السكان الأصليين.
ولّدت سياسة تهميش اللغة الكردية في عفرين، لدى المجتمع المحلّي الكردي الشعور بالظلم نتيجة حرمانهم من لغتهم الأم، وأعادت إلى أذهانهم عقوداً من التمييز، عدا عن مواجهة الطلبة الكرد حالياً تمييزاً بحقهم نتيجة استخدامهم اللغة الكردية في أحاديثهم الشخصية اليوميّة بين بعضهم، ومورس هذا التمييز عليهم من قبل كوادر المعلمين وأبناء المجتمع الجديد على السواء.
إهمال متعمد للغة الكرديّة
تأثر التعليم كثيراً في سوريا بظروف الصراع الدائر منذ 2011، وخرجت العديد من المدارس والمرافق التعليمية عن الخدمة سواء بسبب الدمار أو بسبب استخدامها لأغراض أخرى (كملاجئ أو مقرات عسكرية).
كذلك اضطر العديد من العاملين في حقل التعليم للنزوح أو الهجرة خارج البلاد. وتأثرت المناطق التي يتوزع فيها الكرد باضطرابات كبيرة في المنظومة التعليمية وخصوصاً منطقة عفرين التي شهدت في أقل من عشر سنوات عدّة إدارات فرضت رؤيتها الأيديولوجية من خلال المنظومة التعليمية دون الأخذ في الحسبان حقوق الطفل في التعليم. ولا تتوفّر أرقام رسمية عن عدد تلاميذ المدارس ولا طلبة الجامعات من أبناء منطقة عفرين ممن خسروا سنوات دراسية على خلفية الوضع المتقلب في هذه المنطقة.
اليوم، وبعد سيطرة تركيا والميليشيات المسلحة التابعة لها على عفرين، يواجه السكان المحليون إهمالاً متعمداً في مجال التعليم والتربية وخصوصاً من ناحية التدريس باللغة الأم لأبناء المنطقة من الكرد. وبحسب وصف منظمة العفو الدولية، قامت المجالس المحلية التابعة لوزارة الإدارة المحلّية في “الحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري” باستبدال المناهج التي كانت تدرس بالكردية، بمناهج أخرى، جعلت التركية لغة أساسية فيها إلى جانب العربية، وخصصت ساعات لتدريس الكردية للطلاب الكرد، رغم أنّ الكرد كانوا يشكّلون النسبة الساحقة (أكثر من 90%) من سكان منطقة عفرين قبل احتلالها.
ويعاني الطلاب الكرد في عفرين وريفها صعوبةً في فهم المنهاج الدراسي المعتمَد حالياً من قبل “الحكومة المؤقتة”، خصوصاً من ليست لديهم أي معرفة مسبقة باللغة العربية نطقاً وكتابة، وبعد أن اعتادوا على الدراسة بالكردية كلغة وحيدة للمناهج.
3 مناهج دراسيّة مختلفة لأبناء عفرين في أقل من 10 سنوات:
أشار التقرير إلى أنّ عفرين تشكل حالة فريدة من عموم سوريا، بتوالي ثلاثة مناهج مختلفة ومتضاربة منذ بداية الحرب وهي:
ــ منهاج الحكومة السورية: الذي يتبنى إيديولوجيا حزب البعث، وذلاك منذ وصول البعث إلى السلطة عام 1963، ولم يكتفِ بجعل العربية اللغة الوحيدة بل عمد إلى بث أفكاره ورؤيته وصبغ النظام التعليمي بطابعه، عبر إنشاء منظمات طلابية (طلائع البعث، اتحاد شبيبة الثورة، الاتحاد الوطنيّ لطلبة سوريا)
ــ منهاج الإدارة الذاتية: تم ربط كلفة المؤسسات التعليمية بالجهاز التنظيمي للإدارة الذاتية وبالتالي بهيئة التربية والتعليم، ويتولى الإشراف على العلمية التعليمية “نظام التربية للمجتمع الديمقراطيّ”، ويقوم المبدأ الأساسي لهذا النظام على تعلم كل مكون بلغته الأم في السنوات الثلاثة الأولى، ثم إدخال لغة محلية من الصف الرابع، ثم تُدخل لغة أجنبيّة عالمية بدءاً من الصف السادس. وواجهت العملية التعليمية صعوبات من قبيل عدم توفر الدعم اللوجيستيّ والفنيّ وعدم توفر الموارد البشريّة التي تتولى تنفيذ الخطط التعليميّة، وواجهت بعض الانتقادات من الأهالي لجهة مضمونه وعدم الاعتراف الرسميّ.
ــ بعد الاحتلال التركيّ لعفرين:
بدأت عملية تفكيك هياكل الإدارة الذاتيّة وإلغاء أنظمتها وربط المنطقة بولاية هاتاي وتعيين والٍ تركيّ، وأُغلقت جميع المدارس والمؤسسات التعليمية ودمر العديد منها ونهبت محتويات العديد منها كالمعاهد والجامعة، وحُرم الطلاب من إكمال العام الدراسيّ، وبقي الآلاف مع أهاليهم في مناطق النزوح وارتاد قسم منهم مدارس تم تأسيسها على عجلٍ وبإمكانات متواضعة.
في عفرين أحدثت سلطات الاحتلال ما تسمى “مديرية التربية والتعليم في منطقة غصن الزيتون”، وتم إلغاء جميع المناهج المعمول بها، (الحكومة السورية والإدارة الذاتية) مع قطع الوعود أن تكون اللغة الكرديّة ضمن المناهج الدراسيّة، وتم إبعاد المعلمين من أبناء المجتمع المحلي الكرديّ وتعيين معلمين من المستوطنين وتفليق تهمة تعامل المدرسين الكرد مع الإدارة الذاتية السابقة وتقديمهم للمحاكمة.
اُستبدلت المناهج الكرديّة بمناهج عربية وأضيفت اللغة الكردية وأصبحت التركية لغة أساسيّة في كلّ المدارس، وجرت مراراً محاولة إلغاء اللغة الكرديّة بحجة عدم معرفة المستوطنين بها، فتم تقليص حصصها وإعطاء الأولوية للمواد الشرعية والدينيّة. وانخفض عدد المدارس من 324 إلى 204 مدرسة، وتفيد تقارير بتحويل عدد من المدارس إلى مقرات عسكرية تتبع للجيش التركيّ. ويبلغ عدد الطلاب 45 ألفاً، أكثر من 70% منهم من المستوطنين العرب والتركمان، في حين كانت نسبة الطلاب الكرد 95% قبل الاحتلال واللغة الكردية معتمدة في جميع المدارس.
يتبع معظم موظفي سلك التعليم مباشرة للحكومة التركيّة، ويعملون بإشراف منسقين أتراك، ففي كل ناحية منسق تركي هو المسؤول الأول والمشرف على المدارس، وجميع منسقي النواحي يتبعون للمنسق التركيّ في مدينة عفرين لتطبيق التعليمات القادمة من تركيا.
تعيّن السلطات التركية المدرسين من خلال مسابقات وتقدم لهم الرواتب من خلال وقف المعارف التركية، والتي من خلالها عملت وزارة التربية التركيّة على طبع الكتب المدرسية، وافتتحت كليات ومعاهد. وضمن هذا التوجه فُرضت اللغة التركية على المناهج في المناطق المحتلة سواء من خلال فرض تعليم اللغة التركية أو عدم الإشارة السلبية إلى الدولة التركية والعثمانية. ففي مادة اللغة التركية يتم تغيير المفاهيم والسلوكيات. فيما لا تتوفر لإمكانات تعليم اللغة الكرديّة ولا الكادر التدريسيّ المؤهل علمياً.
كل القرارات تأتي من مديريات التربية التركية سواء فيما يخص التوظيف أو العمل الإداري وحتى أيام العكل، مثل عيد الجمهورية التركية وعيد الطفل، بالمقابل تم إلغاء مناسبات عطل رسمية سوريّة، والجانب التركي يحدد الدوام والعطلة المدرسيّة.
الواقع الحالي للغة الكردية في عفرين:
فرضت تركيا بعد احتلال عفرين تعليم جميع المواد باللغة العربية وأعطت أهمية للمواد الدينية واللغة التركية، وافتتحت مدرسة ثانوية إسلامية تركية على غرار مدارس “إمام وخطيب”، وقام وقف الديانة التركيّ ممثلاً عن عن الرئاسة التركية ورئيس جامعة الزهراء بزيارة المنطقة لافتتاح مشاريع تعليمية دينية، وكذلك افتتاح دورات تعليمية وأنشطة عبر جمعيات ودارس خاصة منها جمعية “شباب الهدى” التي تروّج لأفكار العثمانية الجديدة تحت مسمى التنوير والإرشاد لتصحيح “معتقدات الأهالي وأفكارهم”.
أصدرت وزارة التربية التركية قراراً بتخصيص أربع حصص أسبوعية لكل من اللغة التركيّة والكرديّة، إلا أنه تم تخفيض نصاب اللغة الكردية إلى حصتين عمداً لإضعاف اللغة والثقافة الكرديّة بحجة عدم توفر الكادر التدريسيّ، وأصبحت اللغة الكردية اختيارية، بدون امتحان نهائيّ، ويتم التقليل من شأنها ومحاولة حذفها من المنهاج، ولا تدرس اللغة الكردية نهائياً في بعض النواحي بالمقابل تحظى اللغة التر كية بأهمية أكبر ويخصص لها أربع حصص أسبوعياً، وهي إجبارية وتدخل في المنهاج المقرر والنجاح والرسوب والمعدل العام وتمت زيادة حصص التربية الدينية الإسلامية لتصبح خمسة أسبوعياً، والاستمرار في استبعاد الكرد من المناصب الإداريّة في السلك التربويّ. ويرجع التقرير بحسب إحدى الشهادات ضعف الاهتمام والتقييد على اللغة الكردية إلى “الفراغ السياسيّ والإداريّ للقوى السياسيّة الكرديّة”.
ورغم نفي ما تسمى الحكومة المؤقتة قرار إلغاء تعليم اللغة الكردية في بيان رسميّ، إلا أنّ منظمة سوريون تفيد في تقريرها أنها راجعت موقع منهاج الحكومة الذي يحتوي جميع المواد الدراسية للمنهاج المعتمد ولم تجد مقررات اللغة الكردية ضمن الموقع. ولا توجد مادة اللغة الكرديّة في منهاج كلية التربية في جامعة عفرين.
التعليم وفق المناهج التركية “التتريك”:
تقول دراسة عنوانها “ثورة أردوغان في كتب المناهج التركية” إنّ مناهج التعليم في تركيا أدخلت الجهاد في الكتب المدرسيّة، حيث الاستشهاد في المعركة أمر طبيعيّ، وتولى العناية لتعليم الأهداف الدينية العرقية القومية لروح العثمانية والقومية التركية، ويصوّر الإسلام على أنه مسألة “سياسيّة”، وتُستخدم التكنولوجيا والعلم لتحقيق أهدافها ولا تحذّر الكتب المدرسية لدعمها الراديكالية المتأصلة في هذه تفسيرات الانبعاث التاريخيّ، وهناك تركيز على مفاهيم مثل الهيمنة التركية على العالم، والتركية أو العثمانية مثال النظام العالميّ. وبحسب المنهاج فالعالم التركيّ يمتد من البحر الأدرياتيكيّ إلى آسيا الوسطى، ويحوي المنهاج اللغة العثمانية التركية والعربية، وهناك إهمال للهوية الكردية واحتياجاتها الثقافية.
سعت تركيا إلى خنق الحقوق اللغوية للكرد عبر مؤسساتها السياسية والتعليمية، وصرحت علناً احتلال عفرين ورفعت علمها على المدارس والدوائر الإدارية والخدمية والساحات. وعملت على تنفيذ سياسة التتريك في المناطق التي تحتلها وتغيير هوية المنطقة وفرض الطابع التركيّ عليها وتغيير ديمغرافيتها وبخاصة في عفرين. ابتداءً من تغيير أسماء الشوارع والقرى إلى التركية ومنح الأهالي بطاقات تعريف تركية ورفع علمها على كافة المرافق والمراكز الخدميّة ودفع الأهالي للتعامل بالليرة التركيّة، إضافة لانتشار الشركات والمرافق التركية المختلفة بحجة تقديم الخدمات.
أنشأت سلطات الاحتلال مدرسة ثانوية دينية ترتبط بصورة وثيقة بالسياسة الإسلامية القومية وتفيد مصادر أنها تجنّد شباب عفرين، وصرحت مديرية الشؤون الدينية في أنقرة عام 2019 أنه تم تعيين خمسة مفتين دينيين و299 موظفاً دينيّاً في عفرين بغرض التلقين العقائدي، وأنشئت مؤسسات تعليمية دينية أخرى في عامي 2018 و2019، لتدريب رجال الدين في عفرين، بالتوازي مع تشديد قواعد الحجاب بشكل فضفاض في المدارس. وأجبرت الميليشيات الإسلامية المتشددة النساء على ارتداء الملابس السوداء وغطاء الوجه. وأصبحت جماعة شباب الهدى إحدى القوى الأساسية لتلقين الشباب، وفتحت العديد من المدارس بتفويض من مديرية الشؤون الدينيّة في أنقرة.
أدخلت اللغة التركية إلى المدارس بطريقة ثانوية، وأنشئت مدرسة باللغة التركية في راجو، ومدرسة إسلامية شبيهة بمدارس “إمام وخطيب”، إضافة إلى مدارس أخرى تمولها تركيا. وكان حظر اللغة الكردية الخطوة الأخيرة في مسار محاولات تغيير التركيبة السكانية في عفرين واضطر السكان المحليون لتعلم اللغة التركية، ويحتوي كتاب تعلم اللغة التركية الإشارات والرموز القومية التركيّة.
يتم الحديث في مادة اللغة التركية عن النشيد القومي والعلم التركي والثقافة التركية، وفي الجامعة تُلقى محاضرات لكتاب وأدباء أتراك. وتقوم العيد من المنظمات العاملة بالمنطقة والمراكز التي تدعمها تركيا بافتتاح دورات تعليم اللغة التركيّة في عفرين، وتولي اهتماماً بالغاً باللغة التركية مثل مركز “يونس إمرة”، وتستقطب دورات اللغة التركية فالشباب بشكلٍ خاصٍ، إضافة للكوادر التدريسية، وتقدم مبالغ مالية تحت مسمى “بدل حضور” يقدر بنحو 15 دولار عن كل يوم حضور وكذلك تنشط منظمة “الرواد”.
رأي قانوني وتوصيات:
كرست المادة 30 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 أن الطفل هو صاحب حق مستقل وليس مجرد أداة لتفضيلات الوالدين أو المجتمع أو الدولة وتؤكد المادة حق الطفل المنتمي لأقلية في الدولة بالتمتع وممارسة لغته وثقافته ودينه، ويجب أن تؤخذ مصلحته الفضلى في إنفاذ هذا الحق ويجب عدم تعريض هذا الحق لخطر الإلغاء أو التمييز المجحف بحجة المصلحة الفضلى للمجموعة التي قد لا ينتمي لها، والتي تمثل الأغلبية اللغوية مقابل الأقلية التي ينتمي إليها الطفل.
وتؤكد المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، الحق الجمعي لأفراد الأقليات في تمتعهم بثقافتهم ومجاهرتهم بدينهم واستخدام لغتهم.
واللغة المشار إليها في المادتين المذكورتين لا تكرس واجب الدولة بعدم التدخل أو منع المجموعات من هذه الحقوق بل تفرض عليها التزاماً إيجابياً باتخاذ الإجراءات المناسبة لاحترام وحماية وإنقاذ هذه الحقوق، والتأكيد على أن حق الأقليات باستخدام لغتهم هو حق قائم بذاته ويجب ألا يتم التعامل معه بشكل ضمني بحت في سياق حقوق أخرى مثل الحق في التعبير.
الارتباط وثيق بين الحق في اللغة والثقافة والحق بالبقاء كما ورد بالمادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل وما أكده إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية أو دينية ولغوية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 135/47 لعام 1992.
قانونياً فإن لجوء الجولة التركية والحكومة السورية المؤقتة والميليشيات التابعة لها بمحاولات تهميش اللغة الكردية وفرض اللغتين التركية والعربية على السكان الأصليين ومحاولات دمجهم وصهرهم قسرياً في بوتقة القوميتين العربية والتركية مرفوضة في القانون الدوليّ.
تنص المادتان 50و95 من اتفاقية جنيف الرابعة صراحة على واجب قوة الاحتلال في تيسير عمل كافة مؤسسات التعليم في المناطق المحتلة ومتابعة الأطفال واليافعين لدراستهم، ويستمر انطباق القانون الدولي لحقوق الإنسان في حالات النزاع المسلح والاحتلال منها، وأحكامه تستكمل أحكامَ القانون الدوليّ الإنسانيّ وتفسرها، واجب قوات الاحتلال في ضمان استمرار التعليم نابع من الحق المصان في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
الحق في التعليم والتمتع بالثقافة الخاصة بالأقليات مقترن بالتعليم بشكلٍ أساسيّ كما هو وراد في المادتين 28و29 من اتفاقية حقوق الطفل. وعلى دولة الاحتلال الامتثال لهذه الموجبات التي من ضمنها اتخاذ إجراءات لضمان إنفاذها. ولا يمكن التذرع بعدم وجود الكادر المؤهل لتدريس اللغة الكرديّة، وبفرض صحة هذه الحجة فمن واجب القوى المسيطرة خلق المناخ لتوفير الكفاءات بالمنطقة، خاصة مع وجود مؤسسات تعليمية مدعومة من الحكومة التركيّة كجامعة حلب الحرة وفروع جامعة غازي عينتاب في تلك المناطق.
حظرت المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة قوة الاحتلال من القيام بتغييرات جوهرية في المؤسسات والقوانين القائمة في المناطق المحتلة، استناداً إلى المادة 43 من لائحة لاهاي لعام 1907.
الدستور السوري الحالي لعام 2012 وهو نسخة من دستور 1973 لم يأت على ذكر حق مكونات الشعب السوري غير العربية ومنها الكرد، بالتحدث باللغة الأم واعتبرت المادة الرابعة منه أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية والوحيدة في البلاد، ما يتناقض مع مضمون المادة 33 الفقرة الثالثة وتنص على أنَّ المواطنين السوريين متساوون بالحقوق والواجبات. ونصّت المادة التاسعة من دستور 2012، بأن الدستور يكفل حماية التنوع الثقافيّ للمجتمع السوريّ بجميع مكوناته وروافده باعتباره تراثاً وطنيّاً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة الأراضي السورية.
ــ معالجة هذه الممارسات اللاالقانونية يتطلب من الحكومة التركية والميليشيات المسيطرة على الأرض الكف عن الممارسة العنصرية التي تؤدي إلى حرمان الشعب الكردي من التحدث بلغته الأم، واتخاذ التدابير الإيجابية لتمكين جميع المكونات بالمنطقة ومنهم الكرد في حماية هوياتها اللغوية والثقافية وتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز تلك الهويات المختلفة وضمان حصول هؤلاء وأبنائهم على فرص كافية لتعلم لغتهم الأم.
ــ ينبغي على الحكومة الحالية والحكومات القادمة تجريم الأفعال التي من شأنها حرمان الشعوب الأصلية والأقليات من التمتع بحقوقها اللغوية والثقافية، وهذا الأمر يجب أن يشمل كل الأراضي السوريّة واعتبار تلك الأفعال الرامية إلى صهر وتذويب القويمات واللغات الأخرى في بوتقة قومية أو لغوية واحدة جرائم يعاقب عليها القانون.
ــ ضرورة مخاطبة اللجنة الدستورية ولفت نظرها بأن من واجبها السعي الجاد لتضمين الدستور السوري الجديد ــ إن كُتب لهذه اللجنة كتابته ــ نصاً يقضي باعتبار اللغات الأخرى في سورية لغات رسمية إلى جانب اللغة العربية تمارس على الأقل في المناطق التي يشكل فيها المتحدثون بلغة ما من تلك اللغات أغلبية سكانية، وإلزام الحكومة باتخاذ التدبير اللازمة لتحقيق ذلك.