عفرين بوست ــ متابعة
رصد التقرير الأسبوعي التوثيقي لحزب الوحدة الكرديّ (يكيتي) الذي صدر أمس السبت 11 فبراير، نتائج الزلزال الذي ضرب عفرين وتداعياته وسلوك السلطات الاحتلال التركي والميليشيات الإخوانية التابعة له والتي كانت استمراراً للانتهاكات المرتكبة في الإقليم الكردي المحتل.
الضحايا القتلى والجرحى
إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بإعاقات دائمة من سكّان المنطقة والمستقدمين إليها، أغلبهم في مدينة جنديرس، بلغ عدد الوفيات في المدينة /756/ حسب إحصائية “مجلس جنديرس المحلي- 9 شباط” وشابين من المستقدمين في بلدة ميدان أكبس؛ ووفق إحصائية خاصة بلغ عدد وفيات أبناء المنطقة حوالي /200/ (/1/ في ميدان أكبس، طفلين في شيه/شيخ الحديد، /8/ في مدينة عفرين القديمة، /7/ في قرية حمام، والبقية من أهالي جنديرس)؛ عدا الذين لازالوا تحت الأنقاض أو أوضاعهم الصحية خطرة. وكذلك عشرات الضحايا من أبناء المنطقة توفوا في مدن وبلدات تركية.
الدمار
لحقت أضرار جزئية بآلاف المنازل والمباني في عموم المنطقة، وتهدّمت عشرات المنازل في بلدات وقرى (شاديره، إسكان، مابتا/معبطلي، كُرّيه، ميدان أكبس، حمام، آنقله، سناره، شيه/شيخ الحديد، كاخره…) وفي مدينة عفرين، بينما كان الدمار الهائل من نصيب مدينة جنديرس المنكوبة (/257/ مبنى مدمّر بالكامل و /1100/ مبنى متضرر حسب إحصائية مجلس جنديرس المحلي)، وعدم صلاحية أكثر من 70% للسكن.
عمليات الإنقاذ والانتشال
في ظلّ أجواء شتوية قاسية، سارت عمليات الإنقاذ الناجين وانتشال الجثث ببطء ولازال، نظراً لضعف الإمكانات وعدم وجود معدّات ومستلزمات الدفاع المدنيّ ولحالات الكوارث لدى سلطات الاحتلال والمجالس المحلّية التابعة لها، إلا “الدفاع المدنيّ السوريّ – الخوذ البيضاء” الذي عمل منذ الساعات الأولى بإمكانات متواضعة، وبدءاً من اليوم الثاني شاركت فرق إنقاذ مرسلة من محافظة إدلب التي تُسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، وآليات تابعة لميليشيات “الجيش الوطنيّ”، وفريق تقنيّ من مصر في اليوم الثالث وآخر طبيّ إسباني باليوم الخامس؛ وأعلن الدفاع المدني مساء الجمعة 10/2/2023م انتهاء عمليات البحث والإنقاذ بعد /108/ ساعات من العمل وانتقل لمرحلة البحث والانتشال. وتم إدخال مجموعة من الآليات الثقيلة المرسلة من كردستان العراق اليوم إلى عفرين.
الإغاثة والمساعدات الإنسانية
بدءاً من اليوم الثاني بادر أهالي قرى وبلدات عفرين بجمع مساعدات عينيّة وغذائيّة وإرسال مجموعات رجال مرافقة إلى جنديرس لإعانة المتضررين، إضافة لمبادرات فردية، وباليوم الخامس دخلت قافلة مساعدات مرسلة من كردستان العراق إلى جنديرس، ووردت أنباء عن دخول قوافل أخرى، وهناك حاجة ماسّة وكبيرة لإيواء آلاف العوائل المتضررة وإمدادهم بمختلف مقومات الحياة اليوميّة.
تقاعس متعمد من سلطات الاحتلال وسرقات
لم تقم حكومة أنقرة بمسؤولياتها وواجباتها، باعتبارها دولة محتلّة لمنطقة عفرين وترفع علمها عليها، فكان حضورها صفراً، ولم تتعامل مع كارثة جنديرس كما تعاملت مع مدينتي ريحانية وقره خان التركيتين المجاورتين لها، لا سيّما كان بإمكانها- على نحوٍ عاجل- إرسال فريق مع المعدّات اللازمة على الأقل من بين أكثر من /25/ ألف فرق (بينها فرق دولية من حوالي 80 دولة) تعمل داخل أراضيها، باعتبار عمليات الإنقاذ لا تقبل التأخير. وهناك فارق كبير بين عمليات الإنقاذ في تركيا وجنديرس.
بل أجبرت استخباراتها “الحكومة السورية المؤقتة” والائتلاف السوري- الإخواني المعارض على عدم قبول قافلة مساعدات ومحروقات مرسلة من قبل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وهي متوقفة في معبر “أم جلود” – منبج منذ الأربعاء 8 فبراير بانتظار موافقة الطرف الآخر، حيث تبدي استعدادها لإرسال المزيد، بينما رئيس “الحكومة المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى الموالي لتركيا أعرب عن رفضه الصريح لاستقبال تلك المساعدات. ولا تزال معابر المنطقة مع شرقي الفرات والداخل السوري مغلقة.
تقاعست الحكومة السورية عن القيام بواجباتها اتجاه منطقة عفرين، إن كان على الصعيد السياسي والدبلوماسي للضغط على الحكومة التركية لأجل فتح المعابر وتنظيم مساعدات دولية للمنطقة، أو إرسال مساعداتٍ إليها عن طريق منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا مثلما فعلت بتجهيز قوافل مساعدات لأجل إدخالها إلى محافظ إدلب ولكن “هيئة تحرير الشام” لم تستقبلها.
لم تصل إلى عفرين إلى الآن أية فرق ومعدّات خاصة بالكوارث أو مساعدات إغاثية دولية أو أممية، بينما وصلت إلى مناطق سيطرة النظام السوري الكثير منها.
إمكانات المشافي العامة والخاصة في عفرين بالأصل ضعيفة وغير كافية، وعملت بطاقة متدنية أثناء الكارثة.
شابَ العمل الإداري والإنقاذي والإغاثي الفوضى والارتجالية، وبقيت يد الميليشيات هي العليا، وتقاسمت ميليشيات “السلطان مراد، الحمزات، أحرار الشرقية” حارات جنديرس، وسرق المسلّحون أموال ومحتويات محلات ومنازل في عفرين وجنديرس وتلك المستخرجة من تحت الأنقاض، وتعامل بعضهم بعنصرية مع الكُـرد في جنديرس لدى توزيع المساعدات وأحياناً أثناء الإنقاذ ودفن الموتى.
وتقوم حواجز المسلّحين في مداخل جنديرس بسلب بعض المساعدات من السيارات القادمة إلى المدينة، ويوم الجمعة قُتل أحد المستقدمين برصاص عنصر من “الحمزات” بسبب الخلاف على المسروقات داخل جنديرس.
نصبت عوائل كثيرة من المستوطنين خيمها حول جنديرس وتدّعي أنها من منكوبيها كي تستحوذ على المساعدات، وفي مدينة عفرين اقتحمت مجموعات من المستقدمين مستودعاً لمساعدات مرسلة إلى جنديرس وسرقتها.
أما المنظمات والجمعيات العاملة في عفرين بأسماء خيرية وإنسانية خلال خمسة أعوامٍ خلت غائبة عن محنة جنديرس.
إلى الآن لم يتم إعلان مدينة جنديرس منطقة منكوبة من قبل سلطات الاحتلال التركي أو الائتلاف السوري- الإخواني المعارض وحكومتها المؤقتة، رغم أنها لم تقوم بواجبها وغير قادرة على إدارة الكارثة لوحدها.
المطلوب
– اعتبار مدينة جنديرس منطقة منكوبة، وشمولها بالقوانين الدولية المعنية بالكوارث والطوارئ.
– فتح المعابر إلى المنطقة من قبل مختلف الأطراف ورفع القيود عن تنقل المدنيين والبضائع والمواد الغذائية.
– إرسال فرق دولية وأممية عاجلة مع معدّات خاصة لاستكمال عمليات البحث والانتشال وإزالة الأنقاض، وكذلك تقديم مساعدات إغاثية وإنسانية للمنكوبين، وتقديم العون والخدمات الطبية للمرضى والمحتاجين.
– تشكيل لجان فنية متخصصة للكشف على المباني المتضررة وتحديد مدى صلاحيتها للسكن.
– تعويض المتضررين، والبدء بإعادة بناء ما تضرر من ممتلكات وبنى تحتية، وتقديم ما أمكن من سبل التنمية والخدمات ومقومات الحياة اليومية.
– تأسيس هيئة دفاع مدني وجهاز طوارئ في المنطقة ولو بالحد الأدنى من الإمكانات والمستلزمات والآليات والمعدّات لأجل مواجهة أية أزمات مستقبلية.
إن ما وقع من كارثة على شعوب المنطقة في تركيا وسوريا يعدّ حدثاً تاريخياً جللاً، يتوجب استخلاص العبر والدروس منه، أولها وضع حدٍ للنزاعات المسلّحة والتطرّف والإرهاب والاستبداد والقمع واحتلال أراضي الغير، وكذلك وقف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومختلف الانتهاكات المحدقة بكرامة الإنسان وحقوقه.
حريٌ بالحكومة التركية التي تخلّت عن عفرين في أصعب كوارثها وعن مسؤولياتها السياسية والقانونية سحب جيشها إلى الحدود الدولية وإنهاء احتلالها للمنطقة ووقف دعمها للميليشيات المرتزقة؛ كما يتوجب على جميع الأطراف السورية الالتزام بمضمون القرار الدولي /2254/ والتوجه نحو حلٍّ سياسي لأزمة بلدهم المستفحلة.
أما المجتمع الدولي والأمم المتحدة فمطالبون بتقديم مساعدات عاجلة والضغط باتجاه الحدّ من الصراعات على سوريا وإيجاد حلٍّ لمحنتها.