عفرين بوست ــ متابعة
أعلنت ما تسمى “اللجنة المشتركة لردَ الحقوق” إنهاء جميع أعمالها عبر بيان مقتضبٍ نشرتها على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك الثلاثاء 8/11/2022.
والحقيقة لم يكن المقصود بتشكيل لجنة ما يسمى “رد الحقوق والمظالم” أن تقوم بمهمتها فعليّاً، لأنّ كامل إقليم عفرين مستولى عليه من قبل سلطات الاحتلال وميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين، والغاية من تشكيل اللجنة مجرد الدعاية وتجميل الاحتلال، مقابل تقارير المنظمات الحقوقيّة والإعلاميّة.
حلّت نفسها بقرار تركيّ
قالت اللجنة في بيان حل نفسها: إنّها أنهت جميع أعمالها، ادّعت اللجنة أنّها عملت خلال عامين على حل لرد الحقوق وحل القضايا بشكل مباشر
وأضافت أنه “آن الأوان لتفعيل المؤسسات المدنية والعسكرية وذلك بعد اتفاق جميع قادة الفصائل العسكرية”. وأكدت في ختام بيانها. وختم البيان بالقول “نرجو من المواطنين تقديم الشكاوى للمؤسسات الرسميّة”. حسب البيان.
وجاء حل اللجنة تنفيذاً لمقررات اجتماع عقد في مدينة غازي عينتاب حضره ضباط من الجيش والاستخبارات التركية ومتزعمي الميليشيات الذين تلقوا جملة الأوامر التي ينبغي تنفيذها في إطار خطة مدتها حتى نهاية العام الحالي. وتضمنت مخرجات الاجتماع انسحاب مسلحي “هيئة تحرير الشام” من المنطقة، وتشكيل هيئة استشارية من قادة الفيالق الثلاثة مع الحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع، للتنسيق مع الجانب التركيّ وإدارة المنطقة.
كما تضمنت التعليمات إفراغ وإلغاء جميع حواجز المنطقة وتسليمها للشرطة العسكريّة، وتسليم جميع المعابر من أجل إدارتها من فريق عمل اقتصادي متفق عليه وتوحيدها مالياً في صندوق واحد. وحل جميع الأجهزة الأمنية ضمن الميليشيات وإنشاء جهاز أمنيّ موحد لكل المنطقة وإغلاق جميع السجون التابعة للميليشيات.
أعضاء اللجنة متورطون في الانتهاكات
يذكر أنَّ ما تسمى لجنة “رد الحقوق” قد تم الإعلان عن تشكيلها بموجب تعميم صادر عما تسمى “هيئة الأركان في وزارة الدفاع، التابعة للحكومة المؤقتة”، بتاريخ 24/10/2020، وتولت وسائل الإعلام الإخوانية ومن بينها قناة “حلب اليوم” مهمة الترويج لعملها. وكانت الغاية الأساسية لتشكيل اللجنة تجميل صورة الاحتلال التركيّ، بوجود لجان تقوم برد الممتلكات المستولى عليها من قبل الميليشيات إلى أصحابها من المواطنين الكرد.
بعد تشكيل اللجنة لم تتوقف عمليات البيع والشراء لممتلكات وعقارات أهالي عفرين الكرد، بل ازدادت، وبخاصة بالنسبة للمسلحين المرتزقة الذين يقدمون على تصفية ما في أيديهم قبل السفر للانضمام إلى جبهات القتال في أذربيجان وفق التعليمات التركيّة.
تكوّنت اللجنة من عدة ميليشيات عسكرية، هي: “السلطان مراد”، “الجبهة الشامية”، “جيش الإسلام”، “فرقة الحمزة”، “أحرار الشرقية”، “جيش الشرقية”، وانتدبت كل ميليشيا إلى اللجنة محامين وإداريين وعسكريين. وكان أعضاؤها أنفسهم ممن استولوا على ممتلكات الأهالي.
المدعو “محمد الخطيب” شرعي ميليشيا “الجبهعة الشامية” كان أحد أعضاء اللجنة، هدد باعتقال مواطنين كرديين مسنين بالاعتقال لدى مراجعتهما مكتب اللجنة في مدينة عفرين بفبركة تهمة “التعامل مع الإدارة السابقة” بهدف ثنيهما عن المطالبة بمنزلهما. وتوعّد بطرد الكرد في إقليم عفرين قائلاً “لوكان باستطاعتي والأمر بيدي لما تركت كرديّاً واحداً في عفرين كلها”، والخطيب هو عراب مشروع الاستيطان في جبل ليلون وقد أنشأ مزرعة خاصة به في المنطقة.
عضو آخر في اللجنة هو المدعو “أبو رحمو” وهو متزعم في ميليشيا “ملك شاه”، وينحدر من حمص، وهو مستولٍ على أكثر من عشرين منزلاً في حي عفرين القديمة ويستثمرها في الإيجار لصالحه،
عضو ثالث من اللجنة هو متزعم ميليشيا “الفرقة 23″ المنحلّة، المدعو “أبو سمير الكل” لم يشأ إخراج مستوطن من تل رفعت كونه ابن بلدته، علماً أنّه كان مسجوناً، وتم الإفراج عنه بعد دفعه رشوة ماليّة كبيرة “5 مليون دولار” لميليشيا “الجبهة الشامية” التي اعتقلته وحلّت الميليشيا التي كان يتزعمها.
إجراءات صوريّة ومماطلة
وفي كثير من الحالات عمدت اللجنة بعد تلقي الشكاوى إلى تنظيم عقود إيجار صورية بين المسلحين والمستوطنين المستولين على المنازل وأصحابها، وبذلك أضفت توصيفاً قانونيّاً على عمليات الاستيلاء فيما لم يلتزم المسلحون والمستوطنون بدفع بدل الإيجار وفق مقتضيات العقود رغم أنها كانت مبالغ بخسة.
وماطلت اللجنة في واحدة من أهم قضايا الاستيلاء على العقارات، والتي تخص أكثر من 130 عائلة كردية في ناحية بلبله، ولم تصدر قرار بإعادة منازلهم إليهم، فيما تم توطين أكثر من 600 عائلة تركمانيّة في الناحية من المستوطنين المستقدمين من محافظة حمص، بالإضافة إلى مستوطنين من بلدة حيان. ولم تحل اللجنة قضية رد المنازل والممتلكات لعشرات العوائل التي عادت إلى عفرين، الذين اُعتقل العديد من أفرادها رغم الترويج الإعلاميّ للعودة الآمنة.
تواطؤ مع المسلحين وفساد
ومن وجوه الفساد لدى اللجنة أنّها كانت متواطئة مع المسلحين وتعمد قبل كلّ زيارة لها لأيّ من القرى تبلغ الميليشيا المسيطرة عليها، وبدورهم يهدد المسلحون الأهالي من مغبة الادلاء بأيّة شهادة عن الانتهاكات والممتلكات المصادرة، وبذلك تنتهي معظم الزيارة بشكلٍ صوريّ، فيما يتم بنشر مقاطع مصورة للزيارة والترويج لحلِّ المشكلات.
وكانت اللجنة تُستقبل من قبل مسلحي الميليشيات بالولائم والتكريم، كما كان يفعل المدعو “الرائد هشام” في بلدة ميدان إكبس الذي كان يستقبل اللجنة بحفاوة بالغة بالولائم و”المناسف”. واقتصر لقاء اللجنة في زياراتها المتكررة للبلدة على المستوطنين غالباً. رغم أنّ الانتهاكات التي قام بها المدعو “هشام” وشريكه “صليل الخالدي” تجاوزت كلّ الحدود لدرجة أنّ البلدة تحولت إلى إمارة مستقلة.
قضية أبو عمشة كانت تنافساً وليس لرد الحقوق
قضية المدعو محمد أبو جاسم/ أبو عمشة كانت إحدى أكبر القضايا التي تناولتها اللجنة، بسبب الضغط الذي مارسته ميليشيا “الجبهة الشاميّة” والتي أرادت إقصاء أبو عمشة من المشهد الفصائليّ مستغلة الانتهاكات التي مارستها ميليشيا “سليمان شاه” وأشقاء أبو عمشة ومسلحوه. ووصف حقوقيّ عضو باللجنة عفرين بأنها غابة، كما وصف بلدة شيه بأنها غوانتامو. وقال المدعو الشيخ أبو إسلام عضو اللجنة: “حقيقة ما شاهدناه وسمعناه من جرائم يذهل العقل”، وأضاف: “رأيت جرائم وتجاوزات في ناحية شيخ حديد المحتلة من قبل أبو عمشة وإخوته ما يشيّب الأطفال، وطبعا أقول محتلة من قبل أبو عمشة”، ووصف “أبو عمشة” بفساده المتكاثر بأنّه “كالسرطان وصل لمرحلة لا يصلح معه فيها إلا الاجتثاث من الجذور غير جزاء وفاقا لما جنت يداه، وسأسرد لكم بعض ما عاينته من وقائع على إجرامه هو وأخوته الأشرار”.
ولكن اللجنة نتيجة ضغوط مقابلة أعلنت في 6/12/2021 أن قامت بحل كلّ القضايا في ناحية شيه/ الشيخ حديد، وتحدى المدعو “أبو عمشة” وانتقم من كلّ المواطنين الذين أدلوا بشهاداتهم ضده أمام اللجنة، بل واستعاد كميات الزيت التي أعادتها اللجنة إلى الأهالي واقتحم مسلحو العمشات خيمة عزاء واعتدوا بالضرب على مواطنين شهدوا أمام اللجنة.
تقاعس متعمد
في 12 ديسمبر 2020، أقدم مسلحون من ميليشيا “أحرار الشرقية” التابعة للاحتلال التركي، على قطع عدد من أشجار الزيتون من حقل يقع بمحيط حي المحمودية العائدة لمواطن كرديّ في عفرين، وعندما قصد ما يسمى “لجنة رد المظالم” لرد حقوقه فأجابته: “الله يعوضك ارضَ بقضاء الله وقدره”. وكأنّ فعل المسلحين من قضاء الله.
كما لم تتخذ اللجنة أيّ إجراءات في مسألة السرقات المتكررة التي قام بها مسلحو ميليشيا الحمزات رغم أنّها وعدت، بتاريخ 3 أكتوبر 2022، بوضع حد للسرقات بالتعاون مع ميليشيا “الحمزات” المسيطرة على بلدة ماراته. وتجاهلت شكاوى أهالي قرية جوقه/ جويق بشأن سرقات مسلحي “الحمزات”.
نصر الحريري يزوّر الحقيقة
وانضم رئيس الائتلاف السوريّ- الإخواني المدعو نصر الحريري، إلى جوقة المبطلين لعمل اللجنة، وقال على إحدى شاشات الإعلام التابع لتنظيم الاخوان المسلمين، إنّ لجنة “رد الحقوق” سلّلت أكثر من 500 حالة استيلاء على عقارات في مدينة عفرين، مدعيا أنه تمت معالجة أكثر من 300 حالة منها، رغم حقيقة أنّ أغلب القضايا يتم حلها بطريقة صوريّة ولمجرد الدعاية.
بالمجمل فإنّ حلّ اللجنة نفسها لن يقدم أو يؤخر شيئاً بالنسبة للانتهاكات الكثيرة المرتكبة بحق أهالي عفرين الكرد، واللجنة في أصلها تشكيلها لم تكن بغاية رد الحقوق. ولا يمكن في منطقة محتلة تسمى زوراً “محررة” أن تُعادَ الحقوق إلى أصحابها، لأنّ أولى الحقوق هي إنهاءُ الاحتلال وسيطرة الميليشيات.