لم تتوقف انتهاكات وجرائم الاستخبارات التركية وميليشيات في سوريا عند البشر، بل تجاوزتها لتصل إلى الحجر والشجر، لتحوّل مناطق حرجية إلى أراضٍ قاحلة؛ بسبب سياسة الميليشيات الباحثة عن المكاسب المادية، دون الاكتراث بالطبيعة والغابات التي في تلك المناطق منذ مئات الأعوام.
وتستمر التعديات على الغابات الحرجية في إقليم عفرين السوري المحتل بعمليات التحطيب الجائر، والحرائق المفتعلة، التي تستهدف مواقع وعرة يصعب الوصول إليها لإطفاء الحرائق فيها، ويشهد فريق الإطفاء أنّ عمليات التحطيب كانت تجري بالتزامن مع الحريق في مواقع قريبة منه.
واندلعت يوم السبت الماضي حرائق واسعة في الأحراش قرب جبل قازقلي في قرية كفرصفرة بناحية جنديرس، وقال فريق الإطفاء: إنّ الحرائق مُفتعلة، وإنّهم قاموا بإخماد بداية الحريق الأول، لكنّهم فوجئوا بحريق ثانٍ، وشاهدوا رجلاً يتحرك قرب موقع الحريق، وتابعوا عملهم بإخماد بعض نقاط انتشار الحرائق في الوادي، إلا أنّهم لم يتمكنوا من الوصول إلى بعضها الآخر بسبب وعورة الأرض وانحدارها، واعتمدوا في عملهم على طريقة العزل لمنع انتشار الحريق.
وأشار فريق الإطفاء إلى أنّه في الوقت الذي تم فيه تصوير موقع الحريق كان صوت منشار قطع الأشجار يُسمع بوضوح، ولا يبعد سوى أمتار عن التجمع السكني الذي أقامته منظمة الإحسان للإغاثة والتنمية في موقع جبلي يعرف باسم “جايي شاوتي” القريب من جبل قازقلي قبل عامين، وفق ما نقل موقع “عفرين بوست”.
وكان لافتاً في الموقع نفسه وجود حرش لأشجار الصنوبر الضخمة مقطوعة بشكل كامل، وبعض الأشجار مقطوعة منذ زمن قصير، وبعد عودة فريق الإطفاء من موقع الحرائق شاهدوا عمالاً يقطعون الأشجار، وبالقرب منهم سيارة شاحنة صغيرة، وقد توقفوا عن القطع بمجرد وصولهم قربهم، ممّا دلّ على أنّ مصدر صوت المنشار كان من عندهم، واللافت أنّ نقطة حرس تابعة لميليشيا “سمرقند” كانت قريبة من مكان قطع الأشجار وموقع التجمع السكني، ممّا يشير إلى تورط مسلحي الميليشيات سواء بأعمال الحريق أو التحطيب، التي ارتفعت وتائرها وطالت مساحات واسعة من الغابات ومئات آلاف الأشجار خلال آب (أغسطس) الماضي.
وفي سياق متصل، نقلت مصادر أنّ ميليشيا “فيلق الشام” المسيطرة على المنطقة في ناحية راجو تتاجر بالأحراش والغابات الطبيعية، وقد سمحت للمدعو “أبو البراء”، المنحدر من حرستا بريف دمشق، بشراء مناطق معينة بقصد قطعها والاتجار بحطبها.
وقام “أبو البراء” بالدفع لميليشيا “فيلق الشام” مقابل السماح له بقطع أشجار البلوط والسنديان والزيتون البري والقطلب على أطراف قرى ميدان أكبس وسوركا وقره بابا قرب الحدود السورية التركية بناحية راجو.
ويعتمد المستوطن في عملية القطع الجائر على ورشة عمل مؤلفة من (8) عمال وسيارتين هونداي وثالثة سوزوكي، وينقل الحطب المقطوع إلى مدينة عفرين ويبيع الطن الواحد منه بمبلغ (140) دولاراً.
هذا، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية صور ومقاطع مصورة متعددة للمنطقة المحيطة ببحيرة سد ميدانكي، تظهر كيف تحولت الأحراش إلى تلال جرداء خالية من الأشجار نتيجة عمليات التحطيب المكثفة.
ووفقاً لبيان أصدره حزب الوحدة الديمقراطي الكردي، وصل “حفريات” نسخة منه، فإنّ “قادة الفصائل” التابعة لتركيا يمارسون عمليات قطع الأشجار بشكل منظم، ويُكلّف قسم من العناصر بعمليات القطع وفق مهمات رسمية صادرة عنهم، لتنقل الأشجار المقطوعة بعدها إلى مستودعات خاصة، ويتم بيعها لاحقاً وفق مناقصات سرّية، ليجنوا أرباحاً طائلة.
وأضاف الحزب أنّ نسبة التدهور في الغابات وصل إلى أكثر من 50%، وتُقدّر مساحاتها الإجمالية بـ: الطبيعية (18500) هكتار، والاصطناعية (21000) هكتار.
وتصاعدت وتيرة عمليات قطع الأشجار في الغابات الصنوبرية والحراجية في الشهر الأخير، ممّا يهدد الغطاء النباتي في الإقليم الكردي المحتل بالاندثار نهائياً، مع عدم وجود أيّ آليات مراقبة أو محاسبة، كون أنّ الميليشيات هي التي تنفذ القطع الجائر على نطاق واسع، أو تحمي المستوطنين الذين يقومون أيضاً بالقطع.
وقد قام نشطاء عبر موقع “تويتر” بتداول هاشتاغ ساخر “ثورة حتى آخر شجرة”، لتسليط الضوء على انتهاكات الميليشيات وقطع غابات بأكملها وتحويلها إلى مناطق قاحلة.
واستذكر النشطاء جميع ميليشيات ما يُسمّى بـ”الجيش الوطني السوري” ومتزعميها، الذين قطعوا مئات الآلاف من الهكتارات الحرجية تحت أعين الاستخبارات التركية لتنفيذ خططها.
وأضاف النشطاء أنّه قبل الغزو كانت السلطات التركية قد جرفت مساحات زراعية وحراجية واسعة، بعمق (200-500) متر، وبمحاذاة الشريط الحدودي بطول (150) كم، لبناء جدار إسمنتي عازل، وقامت آلياتها العسكرية أثناء العدوان على المنطقة بقلع آلاف الأشجار الحراجية والزيتون في العديد من المواقع، مثل “جبل بلال وجرقا، قرية درويش، قرية جيا”– ناحية راجو وقرى “حمام، مروانية فوقاني وتحتاني، آنقلة، أشكان غربي، خالتا”- ناحية جنديرس وقرى “قرمتلق، جقلا”- ناحية شيه/ شيخ الحديد، وبين قريتي كفرجنة ومتينا-ناحية شرّان، وفي جبل شيروا، بقصد إقامة قواعد عسكرية، وطالت الحرائق والقطع الجائر الواسع، هذا بالإضافة إلى الرعي الجائر لقطعان المواشي بين حقول الزيتون والأراضي الزراعية، لتتضرر بشكل كبير.
نقلاً عن موقع حفريات