عفرين بوست ــ خاص
باتت مناطق الاحتلال التركي في الشمال السوري، وخصوصاً إقليم عفرين، الملاذ الآمن لتنظيم داعش، حيث قام بإعادة بترتيب صفوفه ومنها يخطط لتنفيذ عملياته في داخل وخارج سوريا، وهذا ما أكدته أيضاً دانا سترول، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، إذ قالت إن داعش إما هبط إلى مناطق صحراوية نائية أو أنهم يختبئون في شمال غرب سوريا، وذلك أثناء إعلانها عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، بغارة عبر طائرة مسيَّرة في ناحية جندريس بريف عفرين الغربي، بتاريخ 12 يوليو 2022.
ولا يمكن للميليشيات المنضوية في إطار ما يسمى “الجيش الوطني” أن تنفي بمجرد البيانات علاقتها الوثيقة مع تنظيم “داعش”، التي تكشفها تفاصيل دقيقة في السلوك والممارسة، أحدها نوع الخاتم الذي يضعونه في أيديهم إضافة إلى طريقة معاملتهم للمرأة، على أنّها سقط المتاع واتباع أسلوبٍ الخطف كشكلٍ مقنّعٍ للسبي.
خاتم داعش
تفيد المعلومات التي حصلت عليها “عفرين بوست” أن نسبة 70% من مسلحي ميليشيا “جيش الشرقية” يتختمون بنفس طريقة داعش، ويستخدمون الخواتم التي كان يتداولها عناصر داعش، وهي خواتم من الفضة مرصّعة بحجر أسود اللون وفي منتصفها عبارة “محمد رسول الله” بالخط الكوفي.
وأضاف المصدر أن وضع الخاتم له دلالة معينة، والمسلحون المختمون يمتلكون سطوةً على باقي العناصر، وأن أصحاب القرارات الهامة من بينهم، بالتنسيق مع المخابرات التركية، يًضاف إلى ذلك استخدام الكحل لعيونهم.
يُذكر أنّ ما يُعرف باسم “الطليعة المقاتلة” التابعة لتنظيم الاخوان كانت تتبع الأسلوب نفسه كشيفرة تواصل بين أعضائها.
ولا يُعرف تماماً مصدر هذه الخواتم، إلا أنّ لبسها أثار الشبهة وكان سبباً في اعتقال العديد من عناصر “داعش” في عددٍ من الدول، لكونها علامة فارقة تميّز عناصر “داعش”. ويُذكر في هذا السياق أنّ موقع روسيا اليوم نقل عن صحيفة يديعوت أحرنوت في 19/5/2015 أن السلطات الإسرائيلية ضبطت شحنة تشمل 120 خاتم، تحمل شعار “داعش” وعبارات مؤيدة للتنظيم أثناء محاولة تهريبها من تركيا إلى رام الله وكان مصدرها تركيا، ويومها كان داعش يسيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا.
داعش في عفرين
المعلومات حول وجود عناصر من “داعش” في عفرين تتجاوز التخمينات، إلى المعلومات المؤكدة، وبخاصة بعد اغتيال ما يسمى “والي بلاد الشام” المدعو “ماهر العكال” ومرافقه المدعو “منهل العكال” في قرية خالتان بناحية جنديرس.
تفيد معلومات “عفرين بوست” بوجود المئات من عناصر ومتزعمي داعش في مناطق مختلفة من عفرين المحتلة، ومختلف الميليشيات وبخاصة الميليشيات التي ينتمي أفرادها إلى المنطقة الشرقيّة من أمثال ميلشيات “أحرار الشرقية وجيش الشرقية وتجمع أبناء دير الزور والحمزات وغيرها.”
وقد ذكرت “عفرين بوست” في 9/3/2022، أنّ نحو 24 عنصراً من “داعش” بينهم 6 نساء معظمهم من الجنسية السوريّة جرى تهريبهم وتأمين وصولهم من قبل مسلحي ميليشيات “الجيش الوطني” إلى داخل الأراضي التركيّة، ومنها دخلوا إلى إدلب لينتهي بهم المطاف في كنف ميليشيات “جيش الشرقية” المسيطرة على أجزاء من مدينة جنديرس، وتم استقبالهم من قبل ميليشيا “جيش الشرقية” التي وفّرت لهم مساكن في المدينة وسط مخاوف الأهالي من تزايد عناصر “داعش”.
وأكدت تقارير العديد من المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإعلامية وصول عناصر “داعش” إلى عفرين” وحذرت من تبعات هذا الانتقال، وذكرت لوائح بأسماء من انتقلوا إلى المناطق المحتلة ضمن صفوف ميليشيات “الجيش الوطنيّ”.
اختطاف واغتصاب ومساومة
في الواقع لا يمكن لميليشيات “الجيش الوطنيّ” التي شكلتها تركيا من العناصر الإرهابية والإجرامية، إظهار كامل السلوكيات التي أظهرها “داعش”، من قبيل “جهاد النكاح”، نظراً لاختلاف ظروف البيئة والأهم من ذلك عدم إمكانية الاستقطاب الجهادي للمرأة من دول أخرى كما فعل “داعش”، أو عمليات سبي موسّعة كما جرى في قضاء سنجار في آب 2014، إلا أنّ الحوادث التي تقع بصورةٍ مقنّعة من قبيل حوادث خطف النساء والإخفاء القسريّ لهن، وكذلك الزواج القسريّ إلا أنّ الأمر يبقى في نطاقٍ محدودٍ. كما أنّ بعض الحوادث يتم التكتم عليها نظراً لحساسيتها في مجتمع عفرين، وكذلك بسبب الخشية من التداعيات الانتقاميّة.
في مثال لحوادثِ خطف النساء أنّ مسلحين تابعين لميليشيا “أحرار الشرقية”، أقدموا في 23/1/2021 على اختطاف مواطنة شابة في ناحية جنديرس، من منزل عائلتها، وادّعى المسلحون أنّ الفتاة كانت تائهة ولم تهتدِ إلى طريق العودة إلى منزلها وزعموا أنهم نقلوها إلى مقر الشرطة العسكريّة، والواقع أنّ الفتاة المختطفة كانت موجودة لدى المدعو “حمد الجاسم” وينحدر من قرية بقرص بريف دير الزور، مقره الأمني في شارع 16 في جنديرس بمنزل محمد شوكة، وهو تابع لجماعة يتزعمها المدعو “أبو الحارث بقرص”، وقد قام بخطفها مع شخص آخر يدعى “أبو العيناء” (مصاب بالعمى في أحد عينيه) وهو أيضاً من أهالي قرية بقرص.
والفصل الثاني من الجريمة كان الاعتداء على الفتاة خلال فترة اختطافها، فيما تُستكمل فصولها بمساومة والدها على تسليمها مقابل فدية مالية مقدارها 14 ألف دولار (وكان ثمن حقل زيتون تم بيعه في تلك الفترة السابقة).
بالمجمل انتقل سلوك “داعش” إلى عفرين، عبر مسلحي الميليشيات، إلا أنّ ممارسته تتم بصورة غير مباشرة، وأن صمت سلطات الاحتلال التركيّ وعدم اتخاذ أيّ إجراءات رادعة حيالها، رغم قدرتها على فعلِ ذلك، يعني قبولها ما يشجع على تكرارها، لتكون عاملاً إضافياً من عوامل التضييق على أهالي عفرين واستنزاف طاقاتهم المادية والمعنوية ودفعهم للتهجير.