عفرين بوست – خاص
“عانيتُ طوال عشر سنوات من الضيق والبؤس إضافة إلى الخوف من الحرب التي وقعت في حلب ولا سيما في حي الشيخ مقصود، لكن بقي لدي حلمُ فتح محل كوافير هاجساً لي إلى أن فقدته وأصبح من سابع المستحيلات”.
“جيهان” صاحبة مشروع (روجيندا) وإحدى المستفيدات من “مبادرة ليلى” الطوعية، وتقيم في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، تتابع حديثها لـ “عفرين بوست” قائلة “إلا أنه وعندما تواصلت إدارة مبادرة ليلى معي ووافقوا على المشروع لم أتوقع أبداً أن أقف يوماً في محل أديره بنفسي كما اليوم، ويصبح حلمي واقعاً بالرغم مما مررت به من تهميش اجتماعي وغياب مورد مادي لإعالتي على صعوبات المعيشة”.
الفئة الأكثر تضرراً
في ظل التشرد والتهجير الذي يعانيه أبناء وأهالي عفرين الكرد الأصليين من بعد العدوان التركي وميليشياته الإسلامية المتطرفة واحتلالها لإقليم عفرين في 18 مارس 2018، إلى جانب فقدانهم لممتلكاتهم وحرمانهم من أراضيهم وغياب ضمانات العودة بأمان من جهة ومعاناة البقية الباقية داخل عفرين من الانتهاكات والتجاوزات والمضايقات التي تمارسها سلطات الاحتلال التركي بحقهم من جهة أخرى، فالنساء هي الفئة الأكثر تضرراً من تبعات الحرب والتهجير القسري.
من هنا قررت مجموعة نساء عفرينيات في المهْجَر طرح مشروع تطوعي إنسانية واجتماعي بغرض تقديم الدعم المعنوي والمادي للنساء الكرديات في سوريا عموماً وفي عفرين وحلب ومناطق الشهباء خصوصاً، حمل اسم “مبادرة ليلى”.
المبادرة هي عبارة عن مجموعة نساء مغتربات ومن ثم انضم لهنّ رجال أيضاً من المغتربين، تأسست في مطلع عام 2021، وبدأت بتقديم المساعدة للنساء الكرديات في سوريا لأجل إنشاء مشاريع صغيرة تساعدهن في تدبّر أمورهم المعيشية.
وحسب منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا، قتلت أكثر من 84 امرأة منهن 6 حالات انتحار، بينما خطفت أكثر من 1000 امرأة، وتعرضت أكثر من 70 امرأة للاعتداء الجنسي، وجرح ما يزيد عن 216 امرأة، في حصيلة الانتهاكات بحق النساء في عفرين خلال السنوات الأربع الماضية.
ومنذ مطلع عام 2022 ارتفع عدد النساء الكرديات المعتقلات في سجون الاحتلال وميليشياته إلى 26 امرأة، مازال مصير نصفهن على الأقل مجهولاً، فيما تم الإفراج عن 14 منهن بعد دفع الفدية.
تمكين اقتصادي
تقول مديرة المبادرة (رفضت ذكر اسمها) لـ “عفرين بوست” إن مبادرة “ليلى كانت عبارة عن فكرة راودتني من بعد ما شاهدت ما آل أليه حال نساء عفرين بعد الاحتلال، منهنّ تعانين الخوف والوحدة من الاعتداءات داخل عفرين ومنهن ما تعانين التشرّد وقلة الحيلة في مناطق الشهباء، إضافة إلى سوء الوضع المعيشي والظروف القاسية التي يعشْنه ويعانيْنه أكثر من الرجال”.
تستهدف المبادرة الفتيات غير المتزوجات اللواتي تجاوزت أعمارهن الخامسة والثلاثين، في مدينة عفرين وريفها إضافة لمناطق النزوح القسري لمهجري مدينة عفرين في مناطق الشهباء، وفي مدينة حلب.
تتابع مديرة المبادرة “إن الأهداف من تأسيس مبادرة ليلى هي خلق فرص عمل جديدة للفتيات، وتمكين الفتيات اقتصادياً، إلى جانب تحقيق نوع من الاستقلال الذاتي وتأمين سبل العيش في ظل الظروف الراهنة “.
وتضيف أن الغاية المرجوة من هذه المبادرة “مساعدة المرأة في الاعتماد على نفسها، والحد من تعرض الفتيات لأي ضغوط نفسية، مادية واقتصادية، والحيلولة قدر الإمكان دون وقع الفتيات ضحايا الابتزاز بأنواعه”.
أما آلية تقديم الدعم يبدأ بتبرّع المشاركات بمبلغ رمزي بسيط شهرياً، ويتم جمعه وتحويله إلى الفتيات في الداخل السوري، وكانت في بادئ الأمر تقدّم المبلغ كمنحة مالية ومن بعدها تطورت الفكرة إلى تمويل مشاريع صغيرة تحقق من خلالها الفتيات استقلال مادي لتأمين دخل ثابت لها.
مشاريع متنوعة
تتنوع المشاريع التي موّلتها المبادرة ما بين مشاريع تجارية وصناعية وزراعية وتربية الحيوان، كتمويل ورشات خياطة صغيرة وبيع مواد التجميل وبيع الألبسة إلى جانب تربية الماشية (أغنام وماعز ودواجن) وتربية النحل وصناعة المونة، ودورات لتعليم الموسيقى، وآخرها مركز للحلاقة النسائية.
تثمّن “جيهان” جهود المبادرة التي استطاعت أن تساعدها على إنجاز حلم حياتها وقدمت لها التمويل لافتتاح محل للحلاقة النسائية دون مقابل، “لا تفهم المرأة سوى المرأة نفسها، وما تقدمه مبادرة ليلى هو إحساسها بحاجات فتيات مثلنا وتقدير دورنا ومنحنا شعور بالاستقلالية والحرية”.
بلغ عدد الفتيات المستفيدات حتى تاريخه 72 بين المنح والمشاريع، وهو عدد جيد بالنسبة لإمكانيات المبادرة المتواضعة، وفق ما اعتبرته مديرة المبادرة، متأملة أن تزرع الثقة داخل كل امرأة كردية في ظل ما عانته خلال عشر سنوات من الحرب السورية وما تعانيه من تداعياتها اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً.