عفرين بوست ــ خاص
شهد معبر السلامة في مدينة أعزاز المحتلة، الإثنين 18/3/2022، وقائع متلاحقة من قبيل إغلاق البوابة مؤقتاً، وإعادة فتحها وتحديد حركة العبور، وكان ما حدث انعكاساً مباشراً لمتغيراتٍ في سياسة أنقرة وطريقة تعاملها مع الميليشيات التابعة لها.
متغير سياسيّ تركيّ
شهدت سياسة الحكومة التركيّ متغيراً في تعاملها مع الميليشيات التابعة لها بما ينسجم مع سياستها الخارجيّة ونهجها التصالحي مع دول المنطقة، وهي تعمل على إعادة صياغة الميليشيات التابعة لها، ولكن ليس عسكريّاً بالمعنى الدقيق للكلمة بل عبر تقريب البعض وإقصاء الآخر على أساس خلفياتها ما بين إخوانية وتركمانية. فراحت تضيّق على الميليشيات ذات الخلفيّة الإخوانيّة وتقدم المزيد من الدعم للميليشيات التي تضم مسلحين من أصول تركمانيّة.
تقوم ميليشيا “الجبهة الشامية” بإدارة معبر السلامة في مدينة أعزاز المحتلة، وتتحكم به من الجانب السوريّ، ومعلوم حجم المكاسب المالية الكبيرة التي يدرها المعبر، وتستأثر بها ميليشيا “الشاميّة” كمصدر تمويل. ولا تقتصر المكاسب على مجرد الرسوم والإتاوات، بل تتم فيه عمليات اختطاف الأشخاص لتتم المساومة لاحقاً على الفدية للإفراج عنهم.
الشامية والخلفية الإخوانية
المدعو “مهند الخليف” الملقب “أبو أحمد نور”، يقود ميليشيا “الشامية” وكذلك “الفيلق الثالث”، وهو مواليد حلب، محسوب على التيار الإسلاميّ الصوفيّ ومقرب من الإخوان المسلمين، ويلقب بـ “الشيخ”، وهو يرتبط بعلاقات جيدة بأعضاء المجلس الإسلاميّ، وهو مقرب من الشيخ “أسامة الرفاعي” أحد أقطاب الإخوان المسلمين والذي تمت تسميته “مفتياً عاماً، في 20/11/2021، وشارك “الرفاعي” في الحملة ضد “أبو عمشة”. ومن المتداول أنه درس الشريعة، وظهر في مواقف يعتلي المنبر في المسجد ويلقي خطبة الجمعة.
مبادرة تركية ورد من الشامية
وفق توجهات أنقرة المستجدة، أصدر والي صوران ومارع، وهو نائب والي كيليس قراراً بمنع دخول متزعمين من الميليشيات من الدخول إلى تركيا عبر معبر السلامة لأسباب أمنيّة، وضمت لائحة الممنوعين 150 اسماً من “الجبهة الشامية” لوحدها. كما تم تداول خبر أنّ السلطات الأمنيّة التركيّة بصدد إصدار قرار يقضي بحجز ومصادرة جميع أملاك وأموال متزعمي “الشامية” داخل الأراضي التركيّة والمقربين منهم.
ورداً على القرار التركي أصدر المكتب الامنيّ التابع لميليشيا “الشاميّة” قراراً بالرد بالمثل في معبر السلامة في الجانب السوري بمنع دخول الولاة والتجار وموظفي المنظمات والهلال الأحمر والعاملين في مؤسسة “آفاد” الأتراك إلى الداخل السوري، وأغلقت المعبر.
علماً أنّ المدعو “أبو أحمد نور” لديه استثمارات كبيرة في تركيا وفي دولٍ أخرى. وفي بداية عام 2021 أعلنت شركة آغا أوغلو للإنشاءات عن فشلها في إتمام مشروع بناء ثلاثة أبراج سكنيّة في منطقة باشكاك شهير، وأعلنت عن مزاد مفتوح للمستثمرين لشراء المشروع واُفتتح مزادٌ بقيمة ماليّة تبدأ من 7 مليون دولار أمريكيّ وفاز به المدعو “عبد الله عثمان” من قياديي “الشامية”.
ما وراء قصة التحقيق مع “أبو عمشة”
قصة لجنة التحقيق وعزل “أبو عمشة” تسلط الضوء جيداً على التوجهات التركيّة، التنافس بين التوجهات الإخوانية والتركمانية، فقد قادت ميليشيا “الشامية” ذات الخلفية الدينيّة الإخوانيّة حملةً كبيرة ضد ميليشيا “السلطان سليمان شاه” المعروفة بـ “العمشات” أحد أكثر الميليشيات ولاءً لأنقرة.
استغلت “الشامية” الحجم الكبير للانتهاكات المرتكبة من قبل متزعمها المدعو “محمد حسين الجاسم / أبو عمشة” وأشقائه والمقربين منه، وتشكلت لجنة تحقيق من الشيوخ من قِبل “غرفة القيادة المشتركة/ عزم”، وانتهت إلى إدانته، وأصدرت في 21/2/2022، قراراً بنفي “أبو عمشة” واثنين من أشقائه، وأصدرت غرفة “عزم” في 1/3/2022 قراراً بتعيين المدعو العميد “عبد المنعم نعسان” قائداً عسكرياً في الشيخ حديد. لكن الاستخبارات التركيّة مارست ضغطاً كبيراً لطي ملف “أبو عمشة” مع كل الانتهاكات المرتكبة وهددت بقطع رواتب مسلحي “الشاميّة”.
إن ضغوطًاً تركية ضدّ فصيل “الجبهة الشامية” وصل حدّ التهديد بقطع الرواتب عن عناصرها، والتضييق على مصادر دخلها، بما في ذلك دورها في السيطرة على المعبر الحدوديّ، فكان ذلك سبب إغلاق الملف. ليعود “أبو عمشة” في 14/3/2022 إلى ناحية شيه/ الشيخ حديد، وسط إجراءات أمنيّة مشددة، وظهر في اجتماعات ومواقف.
وتأكيداً للدعم التركيّ زار المدعو “يوسف ضياء أرباجيك” المعروف بتوجهاته الطورانيّة، وهو أحد أهم قيادات “منظمة الذئاب الرماديّة”، “أبو عمشة” في معقله وإمارته وألقى على مسامع مسلحي “العمشات” خطبةً دينيّةً بلغة عربيّة ركيكة ووصفهم بالمجاهدين، في مقاربة لما تسمي به الفصائل الإخوانيّة مسلحيها، وأكد على مساندة “أبو عمشة” ودعمه، ووجّه تهديدات مبطنة إلى مناوئيه… وبذلك انتهت القصة لصالح التوجّه التركمانيّ.
يذكر أنّ مسلحي “الشامية” عملوا على إحداث فوضى في احتفالية مارع المركزية وإطلاق النار في 18/3/2022 التي شارك فيها قياديون من أصول تركمانية مثل المدعو “عبد الرحمن مصطفى” ذي الأصول التركمانيّة، والمدعو “سيف بولاد” نائب متزعم “هيئة ثائرون للتحرير” و”معتصم عباس” رئيس أركان “هيئة ثائرون للتحرير” و”فهيم عيسى” متزعم ميليشيا “السلطان مراد”.