عفرين بوست ــ متابعة
استكمالاً لترسيخ الاحتلال في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركيّة والميليشيات الإخوانيّة التابعة لها، قام المدعو أسامة الرفاعي رئيس ما يسمى “المجلس الإسلامي السوريّ” بزيارة مدينة إعزاز، بالتنسيق مع ميليشيات “الجبهة الشامية” وبحمايتها قادماً من تركيا.
لقاءات مبرمجة
كان واضحاً أن لقاءات الرفاعي كانت مبرمجة، فقد التقى مع المؤسسات المدنية وبمجلس أمناء المجلس الشرعي في محافظة حماة، وأعضاء الهيئة العمومية في المجلس الإسلامي، وزار الثانوية الشرعية في قرية “تركمان بارح” وجامعة حلب الحرة، كما التقى عدداً من العلماء في مدينة عفرين، دون التطرق لما يجري فيها من انتهاكات وجرائم بحق أهالي عفرين.
كما حضر الرفاعي اجتماعاً في مقر ما يسمى “وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة” بمدينة إعزاز، ضم متزعمي الميليشيات فيما يسمى الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير، والشرطة العسكرية والمدنية. وألقى خطبة الجمعة في مدينة إعزاز. وكان لافتاً حضور المدعو أبو أحمد نور متزعم ميليشيا “الجبهة الشاميّة” إلى جانبه في بعض اللقاءات.
ووضع حجر الأساس لمشروع بناء مبنى “المجلس الإسلامي” في مدينة إعزاز، في سياق عملية نقل كل الأدوات التي تستخدم تركيا إلى الأراضي السورية المحتلة.
علق مراقبون على الزيارة بأنّها جاءت بطلب تركيّ مباشر ضمن مساعي تعزيز دور مؤسساتها ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها للتأثير على الناس عبر المشايخ وتعزيز دور الائتلاف والحكومة المؤقتة والفصائل بالمنطقة سيما مع تصاعد وتيرة المظاهرات ضد تركيا نفسها وضد مختلف الهياكل التي أسستها في المناطق المحتلة شمال سوريا، ومحاولة توفير الغطاء الدينيّ من خلال المجلس الإسلاميّ.
خطبة إعزاز المثيرة للجدل:
الخطبة التي ألقاها الرفاعي يوم الجمعة 6/8/2021 في مدينة إعزاز السورية أثارت الثير من الجدل واسعاً، إذ تضمنت تحريضاً والتزاماً بالتوجه الإخوانيّ المتزمت، وحفلت بالكثير من التحذيرِ. وكرّس الخطبة في شؤون الأسرة.
نظرية المؤامرة كانت حاضرة في خطبة الرفاعي، فحذّر مما سماه “الدوائر الاستعمارية الغربيّة ودوائر الكفر والضلال” التي تغزو المنطقة، التي أشار إليها بـ “المحررة” والتي تخضع للاحتلال التركيّ، وقال أن هذه الجيوش تمّ إدخالها إلى سوريا بغرض التلاعب بعقول الشباب والبنات ودفعهم للانحراف عن ”القيم والأخلاق والدين” وذكر مثالا عن وجود نساء مجنّدات من قبل الأمم المتحدة وغيرها من مراكز التضليل والتكفير، يأتون لينشروا بين فتياتنا خاصة تحرير المرأة والجندر وأن تمكّنَ المرأة من حريتها، ويفهمونها أنّهن مستعبدات من الزوج أو الأب أو الأخ الأكبر، وأن يأخذوا حريتهن كاملة ليسرّبوا إليهن الأفكار الضالة والمضلة، والعُري والتعري وكلّ ما يخرج عن دائرة أخلاق الإسلام، فهؤلاء مجندات من الدوائر الكبرى لإفساد نسائنا
وحذّر الرفاعي من النشاطات التي تقوم بها منظمات المجتمع المدنيّ لا سيما دورات التنمية والتمكين واعتبرها من عمل الشيطان ومحرمة قال “ينبغي أن تنتبهوا للمنظمات أن تكون بعناوين خيرية وإغاثية وتنمية وتدريبية … انتهبوا لبناتكم وشبابكم والدورات التي تقيمها هذه المنظمات مجاناً بعناوين مغرية.. ولكن فيها السم الزعاف الذي يقتل دين وأخلاقهم وشيمهم، هذه الدورات من أخطر ما يكون… انتشرت منذ سنوات وهي من أرذل ما يمكن أن يُتصوروا…. الأمور التي تدرس فيها لا تخطر على بال مسلم… لا تدعو أولادكم فريسة للشيطان”
مجلس بتوجهات إخوانية
المجلس الإسلامي السوريّ لا يختلف في غاية تأسيسه عما يسمى “المجلس الوطني السوري” ومن بعده الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” فكلها أدوات تركيا، ولكن الاختلاف يكمن بالتخصص، فالمجلس الإسلامي مهمته توجيه الخطاب الديني والفتوى وشرعنة الاحتلال التركي فيما الخطاب السياسي هو مهمة الائتلاف. وإذ يقود الإخوان المسلمون الائتلاف، فالأمر هو نفسه في “المجلس الإسلامي”.
ولا يختلف تأسيس المجلس عن أيّ ميليشيا عسكرية، فقد عملت أنقرة على توحيد الميليشيات في إطار كيان عسكريّ موحد باسم “الجيش الوطني” وتشكيل أركان وقيادة له، وبالطريقة كانت محاولة ربط شرعيي الميليشيات بمنصة عامة باسم المجلس الإسلامي. ويمكن القول إن المهمة الأساسية للمجلس إصدار فتوى حسب الطلب، لشرعنة العدوان التركي واحتلاله لمناطقه سورية وفق معطيات مذهبيّة.
ورغم أن المجلس اتخذ اسماً إسلامياً عاماً، إلا أن أعضاءه كلهم هم من التوجه الإخواني، ولا وجود لأي عضو من المذاهب الإسلامية الأخرى، وكانت رؤيته للحالة السورية تنطوي على اختزال الشعب السوري في رؤى مذهبية، أنكرت تعددية الشعب السوريّ، ومعروف أنّ المدعو أسامة الرفاعة سافر إلى السعودية على خلفية أحداث الإخوان عام 1981.
التأسيس
في 14/4/2014 أعلن في إسطنبول عن تأسيسِ ما يسمّى “المجلسِ الإسلاميّ السوريّ” وبحسب بيانه فإنّه يضمُّ نحو ٤٠ هيئةٍ ورابطةٍ إسلاميّةٍ من أهلِ السنةِ والجماعةِ في الداخلِ والخارجِ، وتضمُّ الهيئاتِ الشرعيّةِ لأكبرِ الفصائلِ الإسلاميّةِ في جميعِ أنحاءِ البلادِ. واتخذ في شعاره خريطةَ سوريا بدونِ لواء إسكندرون مع مجسمٍ لمسجدٍ على الطرازِ العثمانيّ الشائعِ.
كان تأسيسُ المجلسِ تأكيداً للانتقالِ في الأزمةِ السوريّةِ من بُعدها الاجتماعيّ العام المطالب بالحقوق والحريات لعمومِ السوريين إلى تأكيدِ الهوية المذهبيّة والقوميّة، أي جمعَ القوميّة العربيّة مع المذهبيّة السنيّة، وكان التلاقي مع أنقرة في المذهب مرجحاً على أيّ اعتبار آخر. وتمّ اعتماد مصطلح المجاهدين بدل المقاتلين، تأكيداً للبعد الدينيّ للحرب.
وصدرت عن المجلس تصريحاتٌ وبياناتٌ وفتاوى رسميّةِ مثيرة للجدل على حساب دماء السوريين ولكنها موثقة، تبنت شرعنة سياسة أنقرة تجاه سوريا، ودعت إلى قتال الكردِ واستباحة دمائهم، واعتبرت ذلك إما واجباً وطنيّاً لأنهم وفق زعمه دعاة انفصال، أو أنه واجب شرعيّ وجهادٌ في سبيل الله لأنّهم ملاحدة. وفي اصطفاف مذهبي صرف كان موقف المجلس داعماً للعمليات العسكريّة التي شنّها الجيش التركي في سوريا، وتعامى عن آلاف الانتهاكات لحقوق الإنسان من قتل وأعمال الاختطاف وسلب واستيلاء بالقوة على ممتلكات الآخرين.
فتوى تكفير الكرد
في 31/5/2016 أصدرت المجلس فتوى تضمنت “تكفير الكرد” في سياق إجابة على سؤال، وجاء في الفتوى ما يلي: “بالنسبة للسؤال عن موقف المسلم من القتال الواقع بين تنظيم الدولة في الرقة والميليشيات الكردية العلمانية التي تتخذ من اسم قوات سورية الديمقراطية ستاراً لها، فإننا نرى أن كلا الفصيلين فاسد ومنحرف، وكلاهما له أجندات لا تخدم الثورة السورية ولا الشعب السوري، بل إن كلا منهما يحقق غايات أعداء الله في ضرب الثورة السورية واستنزافها”
فتوى في العدوان على عفرين
في 28/2/2018 أطلق المجلس فتوى مثيرةً للجدل بتوظيفِ النصِ الدينيّ لشرعنةِ الحربِ على عفرين، فكانت الفتوى أقربَ للبيانِ العسكريّ، واعتبرت قتالَ قواتِ سوريا الديمقراطيّة من الجهادِ في سبيل الله، وفق الفقرة الثانية من الفتوى وتمَّ الاستشهاد فيها بآيات من القرآن الكريم، ووصفت “قسد” بأنّها جماعة فتنة للناس، ولا فرقَ بينهم وبين “الحكومة السورية”. وخيّر المجلسُ، مسلحي المعارضةِ السوريّة، بين قتلِ أسرى “قسد” أو تلقّي الفديةِ عنهم، حتى الجرحى منهم. على أن يُغلَّبَ جانبُ المصلحةِ بذلك، ويسري ذلك على النساء والأطفال، بحال ساندوا قسد بالقتال. واعتبرتِ الفتوى، أسلحة قسد ومتاعهم وممتلكاتهم وطعامهم وشرابهم غنائم “للمجاهدين”.
فتوى في العدوان على رأس العين وتل أبيض
في 10/10/2019 أصدر المجلس الإسلاميّ السوريّ بياناً أعلن فيه عن تأييده للعدوان التركيّ عبى شمال سوريا في إطار العملية المسماة “نبع السلام”. وتحت عنوان (حكم قتال قوات سوريا الديمقراطية) أصدر فتوى برقم 11، لمحاربة قسد، واستباحةِ الغنائم أمام المقاتلين التابعين لتركيا. وأفتى قائد جيش الإسلام عصام بويضاني من على منبر مسجد برأسِ العين، بمحاربةِ الكردِ (الملاحدة) شمال شرق سوريا، واستباحة أموالهم وأرزاقهم.
فتوى ضد فرنسا
المجلس الإسلاميّ السوريّ الإخواني التابع لأنقرة، بارك كل العمليات العسكريّة التركية وغزوات أردوغان في سوريا وأفتى لصالحها، ولم يتحدث عن السيادة الوطنيّة للدولة السوريّة، وعندما بدأ العلاقات بين أنقرة وباريس، وشنّت أنقرة حملة إعلاميّة ضد باريس، على سبيل المشاغلة، للتغطية على المقاطعة العربية في مصر والسعودية على المنتجات التركية، خرج المجلس الإسلامي السوري ببيان في 25/10/2020 لمقاطعة البضائع الفرنسيّة.
فتاوى إشكالية وأخرى ضبابيّة فضفاضة
في توصيفه لداعش استخدم المجلس مصطلح “الخوارج” وقد استعاره من التاريخ، إلا أنه بذلك في وقع في مطبٍّ خطر لم ينتبه إليه من يسمون أنفسهم “علماء”، لأنه ينطبق على كل الميليشيات التابعة لأنقرة، إذ يعني “كل من خرج عن طاعة ولي الأمر”، ويعطي المشروعية للسلطة القائمة بمحاربتهم.
رغم أن اسم المجلس يتضمن التوصيف “السوري”، إلا يكثر من استخدام عبارة “بلاد المسلمين” وبذلك فإن الأبعاد الجغرافية لما يسميه “الجهاد” يتجاوز الجغرافيا السورية، ويتوافق مع مشروع إحياء الخلافة الإسلامية والتدخل التركي في ليبيا وأذربيجان وسواهما.
وجاء في فتوى بعنوان “التكييف الفقهي للمعركة القائمة مع النظام”: استخدم المجلس مصطلح “الرافضة” ليطابق خطاب “داعش” ليعطي القتال بعداً مذهبيّاً خالصاً. وكذلك توصيف “الضال”، الإشكاليّ، والذي تسبب بالنزاعات والحروب.
لم يعلق “المجلس الإسلامي السوري” على سفر المرتزقة السوريين للالتحاق بجبهات القتال إلى جانب حكومة الوفاق الإخوانية في ليبيا، وصمت حيال ذلك، ولكن مع ارتفاع الأصوات بسفر المرتزقة إلى أذربيجان اضطر لإصدار بيان في 2/10/2020 فجاء ضبابيّاً، تهرب من التحريم، ولكنه أجازه بشكلٍ غير مباشر عندما وصفه بالجهاد.
وجاء في البيان: “الواجب يتحتم في جهاد الدفع على الأقرب فالأقرب، فالاشتغال بقتال البعيد مع ترك قتال من قرب لا يؤمن فيه من غائلة العدو القريب المتربص أن يُغير على الجبهات فيقتل العباد ويستولي على البلاد، فالعدو القريب أكثر ضرراً علينا وفي دفعه أكبر مصلحة لنا”. وبذلك توقف المجلس فقط على مجرد المسافة المكانية، وجعل القتال في الجبهتين بحكم واحد هو الجهاد، ورجّح القرب وتجاهل جوهر المسألة وهو “القتال بالارتزاق”.