عفرين بوست ــ خاص
سلطات الاحتلال التركيّ تدنّس حرمة مقبرة معروفة الموقع تضم جثامين شهداء مجازر العدوان التركي، وكان للقبور فيها شواهد تُعرُف بالشهداء، وما انفكَّ عوائلهم تزورهم بالأعياد، ويخرج الإعلام التركيّ بفرقعة إعلاميّة، وخبر مفبرك مفاده” العثور على مقبرة ضحايا إعدامات”، لتحقق عدة أهداف: منها شرعنة الاحتلال والتبرؤ من ارتكاب المجازر عبر التلاعب بالأدلة الماديّة عليها.
أفاد مراسل عفرين بوست أنّ أعمال الحفر والنبش لا تزال مستمرة في موقع المقبرة القريبة من جامعة عفرين، وتم إخراج جثامين ستة شهداء صباح اليوم، ليصبحَ المجموع الكلي لعدد الجثامين المستخرجة 41، وقد تم نقل الجثامين إلى مكانٍ مجهولٍ.
وأضاف المراسل أنّ عمليات الحفر والنبش سبقها تهديدُ الأهالي بالجوار من مغبةِ التصويرِ أثناء عملية الحفر والنبش، من أجل أن تبقى الرواية التركية فقط هي مصدر الخبر، وتروّج لكذبة أنَّ الجثامين تعود لمقاتلين جرى تصفيتهم، وليسوا ضحايا مجازر القصف التركيّ خلال العدوان على إقليم عفرين.
بعد أكثر من ثلاث سنوات من الاحتلال التركيّ والميليشيات الإخوانيّة، خرج الإعلام التركيّ يوم أمس الأربعاء، بفرقعة إعلاميّة، وقال إنّه عُثر على مقبرةٍ تضم 35 جثماناً في عفرين الجديدة، وأن السلطات الأمنيّة تلقت بلاغاً، وأسفرت أعمال الحفر عن العثور على 35 جثة ملفوفة بأكياس ومدفونة على عمق 15 – 20 متراً.
مقبرة شهداء مجازر العدوان
استندت الرواية التركيّة بشكلٍ أساسيّ على أكذوبة المقبرة السريّة، وزعمت الوكالة أنّ التحقيقات الأولية أظهرت أنَّ الجثث مجهولة الهوية أعدمت قبل فترة قصيرة من العملية المسماة غصن الزيتون”.
والحقيقة الثابتة أنّ المقبرة كانت معروفة، وكانت للقبور شواهد واضحة تُعرف بالشهداء، وتتم زيارتها من قبل ذوي الشهداء في أول عامين من الاحتلال أيام الأعياد، والشهداء المدفونين فيها مدنيون وعسكريون قضوا في القصف التركيّ وبينهم أطفال، وكانت أول التعديات على المقبرةِ التي تعرضت لإخفاء المعالم بعد الاحتلال التركي لعفرين، هي قيام المستوطنين بإلقاء الركام الناجم عن أعمال البناء في المقبرة.
الرواية التي نشرتها الوكالة وتهافت على تداولها الإعلام التركي والإخواني التابع له، تجاوزت كل حدود الخيال، بل إنّ الوكالة نفسها كذّبت نفسها بنشر الصورة، فهي لا تشير أبداً إلى تلك الأعماقِ السحيقة للدفن كما قالت، كما أن مكان العثور على المقبرة في حي سكنيّ محاطٍ مباشرةً بالأبنية السكنيّة، ينفي مطلقاً قصة المقبرة السريّة، وخلافاً لرواية الوكالة لم تظهر الأكياس، بل كانت الجثامين ملفوفة بالأكفان.
لم يتداول الأهالي يوماً حكاية الإعدام في عفرين لمن يرفض حمل السلاح، ومن السطحيّة بمكانٍ تصديق إمكانية إخفاء حدثٍ بهذا الحجم من الخطورة يتم في حي سكنيّ مفتوح أمام الأهالي، وفي مدينة تضاعف عدد سكانها، وأن تبقى طي الكتمان أكثر من ثلاث سنوات مع وجود عددٍ من المتعاملين مع سلطات الاحتلال.
كما أن الوكالة كذّبت نفسها بصيغة الخبر أيضاً، إذ قالت إنّ القبورَ حديثة وأنّ عملية “الإعدام المفترضة” حصلت قبل العدوان بفترة قصيرة، أي أن آثار القبور لم تُعفَ مع احتلال المدينة، ويفترض أن تكون واضحة، وبخاصة مع افتراض الحفر على أعماقٍ كبيرة، فلماذا لم يُكشف عنها فوراً، وبقيت حتى اليوم؟
سوابق تجريف القبور وتدنيسها
في 21 آذار 2018 نشرت وكالة الأناضول التركية خبر العثور على مقبرة وجاء الخبر تحت عنوان “الجيش التركي يعثر على مقبرة للإرهابيين في عفرين… تلك المقابر حديثة، دفن فيها إرهابيون لقوا مصرعهم في عملية غصن الزيتون”. ونشرت صوراً لجنود أتراك يقفون في المقبرة، وكان المقصود مزار الشهيدة آفيستا خابور الذي يضم جثامين عشرات الشهداء ممن قضوا خلال مقاومة العدوان التركيّ والميلشيات الإخوانيّة التابعة له، ورغم أن الصور التي نشرتها الوكالة تُظهر بوضوح أنها موقع على أطراف المدينة وفي مكانٍ مكشوفٍ فقد أوردت الخبر بصيغة الكشف عن مكان سريّ، وبعد فترة من الاحتلال قامت بتجريف تلك المقبرة وحوّلتها إلى سوقِ للمواشي.
الجدير ذكره أنّ مزارات الشهداء اُستهدفت خلال العدوان مرات عديدة، ولما كانت أنقرة تفاخر باستخدام أسلحة عالية الدقة فإنّ ذلك دليلٌ على الاستهداف المتعمد لمزارات الشهداء (مزار الشهيد رفيق في متينا، ومزار الشهيد سيدو في جبل قازقلي بقرية كفر صفرة)، وقد قامت بتدنيس حرمة المقابر بالدبابات. ليس هذا وحسب، بل إنّ الاحتلال ومسلحو الميليشيات لم يراعوا حرمة للمقابر في الكثير من القرى، وتم نبش القديمة منها، والتعدي على أضرحة وكسر الشواهد التي كُتب عليها باللغة الكرديّة، كما تم الاعتداء على القبور في القرى الإيزيديّة، حتى المزارات الدينيّة لم تسلم من أعمال الحفر والنبش.
شهود مجزرة المحموديّة
صبيحة السادس عشر من آذار 2018 وقعت مجزرة حي المحموديّة، بسبب القصف الجويّ المباشر على قافلة الأهالي القادمين من القرى، ولا أحد يعلم بعدد الشهداء والمصابين في ذلك اليوم، ويومها أيضاً تم قصفُ مشفى آفرين الرئيسيّ في المدينة واُستشهد أكثر من عشرة أشخاص بينهم مواطنتان بانتظار مخاض الولادة، وخرج المشفى عن الخدمة، وكلّ الشهداء تم دفنهم في المدينة في المساحات الخالية، ومعهم جثامين الشهداء من المقاتلين والمقاتلات.
المواطنون الناجون من مجزرة المحموديّة في 16/3/2018 تحدثوا عن مدى دمويّة العدوان، ويؤكدون إنّهم كانوا في قافلة من السيارات قادمين من القرى، بحثاً عن ملاذ آمن في المدينة بعد اشتد القصف في قراهم، ليواجهوا الموت في مدخل المدينة، وتحدثوا عن صعوبة الحركة مع استمرار تحليق الطيران المسير في الأجواء في الريف والمدينة، وذكروا جثامين الشهداء وكذلك المصابين من الأهالي من الأطفال والنساء وكبار السن، وصعوبة الوصول إليها.
من الحقائق التي يعرفها كلّ أهالي عفرين أن شهداء الأيام الأخيرة لم يحظوا بمراسم التشييع المعتادة، بسبب الحصار والقصف المتواصل، وتم دفن جثامين شهداء الأيام الخيرة على عجلٍ، فيما بقيت بعض الجثامين التي يصعب الوصول إليهم أو من لم يُعرف بأمرهم في العراءِ.
ما الغاية من نشر الخبر
تحاول سلطات الاحتلال التركي استثمار الخبر المفبرك على أكثر من صعيد، فهو يأتي في سياق مساعي متواصلة لشرعنة الاحتلال، وتبرئة العدوان من ارتكاب المجازر بحق الأهالي، وفي الوقت نفسه إلصاق تهمة الإرهاب بالكرد. فأرادت أن تتلاعب بالأدلة المادية التي تثبت إدانتها بارتكابها المجازر، التي باتت مضمون العشرات من التقارير الحقوقيّة والإعلاميّة.
وفي هذا الإطار تعمل سلطات الاحتلال على تجريف كلّ مقابر الشهداء لما لها من رمزيّة ولكونها عامل تحريض معنويّ.