عفرين بوست
بالتزامن مع الفضائح التي باتت تهز الحكومة التركية بشكل شبه يومي في الداخل، جاء تقريران دوليان ليزيدا متاعب ائتلاف “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية الداخلية من جهة، والصورة السلبية لتركيا في الخارج عموماً وخاصة بالنسبة للحلفاء التقليديين في الغرب من جهة أخرى. وفي تقرير “الاتجار بالبشر” لعام 2021، الذي نشرته الخارجية الأميركية قبل أيام، ظهرت تركيا من بين الدول المتّهمة باستغلال الأطفال في الحروب والصراعات عبر تجنيدهم، كأول دولة أطلسية يتم ادراجها في اللائحة السوداء المذكورة.
وفي زحمة التقارير السلبية، التي تنهال على تركيا والمؤكدة لتراجع الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والمثليين في بلد كان ولا يزال دائم السعي للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، فإن التقرير المذكور أضاف نقطة سوداء إلى السجلات السابقة، بإدراج أنقرة ضمن لائحة إحدى أكثر التهم شناعة على المستوى العالمي.
ويكشف التقرير، أن الإدراج جاء نتيجة دعم أنقرة لفصيل “لواء السلطان مراد” المتطرف في شمال سوريا، والمتّهم بتجند الأطفال وتلقينهم تدريبات عسكرية ومن ثم استغلالهم في النزاعات في كل من سوريا وليبيا. وفصيل “لواء السلطان مراد” هو جماعة مسلحة اتخذ منذ تأسيسه في أواخر عام 2012 صبغة عرقية، عبر اعلان مسلحيه “تركمانيتهم”، وانضوى تحت ما سمي بـ”الجيش السوري الحر”، وواجه دوماً النقد بسبب اسمه المستمد من أحد السلاطين العثمانيين، من جهة وخطاباته “التركية والطورانية” وعلاقاته الوثيقة مع أنقرة، من جهة أخرى، ناهيك عن مئات التجاوزات التي أقدم عليها مسلحوه.
ورغم نفي الدولة التركية بداية وجود علاقة لها مع الفصيل عند تأسيسه، لم يخف هو يوماً صلته الوثيقة بأنقرة، حيث شكّل رأس حربة في العمليات العسكرية التي قامت بها في شمال سوريا بدءًا من عام 2016، عبر وجود العلم التركي وصور الرئيس رجب طيب أردوغان في مقراته وعلى بدلات عناصره العسكرية، الذين ارتبطت أسماء غالبيتهم بجرائم مثل النهب والاغتصاب والإعدام والاختطاف في المناطق التي يسيطرون عليها، في تقارير منظمات مستقلة مثل منظمة العفو الدولية.
وكرر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” المعارض للحكومة السورية مزاعم استغلال الفصيل المذكور للأطفال كجنود في مناطق الصراع في كل من سوريا وليبيا، مؤكداً استقبال سوريا جثث بعض الأطفال المجنّدين، الذين أرسلهم الفصيل إلى ليبيا عبر تركيا، بهويات مزورة ووعود بتقاضي رواتب شهرية تتراوح ما بين 3 و 4 آلاف دولار.
وونددت وزارة الخارجية الأميركية بتركيا لتقديمها الدعم التشغيلي واللوجستي والمالي للجماعة المسلحة المتّهمة بتجنيد الأطفال في سوريا، استناداً إلى تقارير وأدلة من مجموعات حقوقية ومنظمات دولية اتّهمت الفصيل المنضوي تحت راية “الجيش الوطني السوري”، بتجنيد 191 طفلاً خلال العام الماضي. 27 داعشياً بمناصب قيادية وبالتزامن مع هذا الاتهام الخطير، كشفت منظمة سورية معارضة عن أسماء 27 مسلحاً من “داعش” تولّوا مناصب قيادية أو عملوا كعناصر في صفوف “الجيش الوطني السوري” الذي أنشأته تركيا.
ونشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” المعارضة للحكومة السورية تقريراً تضمّن رصد 11 قائداً من قيادات الصف الأول والثاني في “الجيش الوطني”، عسكريين وإداريين بشكل أساسي، و6 مسؤولين أمنيين و10 عناصر برتب ومناصب مختلفة، قاتلوا سابقاً في صفوف تنظيم “داعش” وتبوأ بعضهم مناصب في التنظيم الإرهابي المحظور دولياً قبل الانتقال إلى البنية التي أسستها أنقرة تمهيداً لاحتلال مناطق في الشمال السوري عبر 3 عمليات عسكرية متتابعة.
وشرح المدير التنفيذي للمنظمة، بسام الأحمد لـ “النهار العربي” أن “فكرة التقرير بدأت مع انطلاق عمليات احتلال تركيا للمناطق الشمالية من سوريا، حيث لاحظنا وجود خطاب جهادي شبيه بلغة داعش من قبل المسلحين المنخرطين في عمليات غصن الزيتون ونبع السلام”.
وأضاف الأحمد، المقيم في فرنسا حالياً أن “الكلمات التي استخدمها المسلحون في نعتهم لأبناء الأقليات العرقية والدينية القاطنة في مناطق العمليات العسكرية من قبيل خنازير وكفرة وغيرها، والتي تتعارض في الأساس مع تسمية الجيش الوطني دفعتنا إلى البحث في أصل هؤلاء، لنصل إلى النتائج المنشورة في التقرير بعد مرور سنوات وانتهاء الأعمال القتالية ووصولنا إلى مصادر في المناطق المذكورة”.
وبّين الأحمد أن المنظمة تمكنت من رصد 66 اسماً من مسلحي “داعش” المنضمين إلى “الجيش الوطني”، بعضهم من الجنسية العراقية، تم تزويد الجهات الأممية ووحدات جرائم الحرب في عدد من الدول بها، “لكن فريق البحث ارتأى الإعلان عن 27 اسماً فقط، والتستر على البقية بهدف حماية مصادرنا، من نشطاء وشهود وخاصة أهالي ضحايا الجرائم التي قام ارتكبها هؤلاء في صفوف داعش أو الجيش الوطني لاحقاً”.
وبغرض إعداد التقرير المذكور، قام فريق البحث بإجراء مقابلات مع أكثر من 28 مصدراً بينهم قادة وعناصر في الجيش الوطني نفسه، ومصادر وشهود مطّلعة على أسماء معينة، بالإضافة إلى عائلات وأقارب المسلحين أنفسهم. وحسب التقرير فإن عشائر معينة في مناطق انتشار داعش لعبت دوراً بارزاً في انضمام مقاتلي التنظيم إلى صفوف “الجيش الوطني”، وخاصة بعد خسارة التنظيم لمناطق سيطرته، حيث استجاب قادة في “الجيش الوطني” من أمثال أبو حاتم شقرا وحسين الحمادي لمناشدات المقاتلين المحاصرين ووساطات شيوخ العشائر وبدأوا باستقبال المقاتلين في صفوف فصائلهم، ليتم استغلالهم لاحقاً في العمليات العسكرية التي نفذها “الجيش الوطني” بأمرة تركيا، بالإضافة إلى الهجمات على فصائل عسكرية أخرى، كما الحال في قيام فصيل “أحرار الشرقية” باستخدام عناصر داعشية من بينهم عراقيون في هجومه على الفرقة 20 في مدينة الباب بريف حلب الشمالي في نيسان (أبريل) 2020. وكشف الأحمد أن المنظمة “تتابع تحقيقاتها من أجل رصد المزيد من الأسماء، وتقديمها للآليات الدولية المحايدة من أجل ضمان محاكمتهم أمام المحاكم المعنية بجرائم الحرب”، مشيراً إلى “تفاوت عدد مسلحي داعش في الفصائل المنضوية تحت الجيش الوطني”.
ويؤكد تقرير المنظمة الصادر في 28 حزيران (يونيو) الماضي، أن مقاتلي “اعش” السابقين انضموا بشكل أساسي إلى جهاز الشرطة العسكرية في الجيش الوطني بقيادة أحمد إبراهيم الكردي، و”تجمع أحرار الشرقية” بقيادة أبو حاتم شقرا، و”جيش الشرقية” بقيادة حسين حمادي، و”جيش شهداء بدر” بقيادة أبو حسن شهداء، و”فرقة المعتصم” بقيادة معتصم عباس و”فرقة السلطان مراد” بقيادة فهيم عيسى، و”فرقة الحمزة” بقيادة سيف أبو بكر، و”فرقة السلطان ملك شاه” بقيادة محمود الباز. ويقود “الجيش الوطني” الضابط الفار من الجيش السوري سليم ادريس الذي يشغل منصب وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة المنبثقة عن الائتلاف السوري المعارض. فيما يؤكد التقرير نقلاً عن ضابط رفيع المستوى في “الجيش الوطني” أن الأجهزة الأمنية التركية هي المسؤولة الأساسية عن تعيين قادة الجيش الوطني وتحديد مهامهم، بعد دراسة ملفات الضباط الذين يتم ترشيحهم.
الصحفي سركيس قصارجيان