نوفمبر 22. 2024

أخبار

واقع التربية والتعليم في إقليم عفرين الكردي… العلم نورٌ يطفئه سواد فكر التطرف والتكفير

Photo Credit To تنزيل

عفرين بوست ــ خاص

تتعمد سلطات الاحتلال التركيّ السيطرة على كل مفاصل عملية التعليم في إقليم عفرين الكردي المحتل، بهدف استكمال عملية الاحتلال ليكون ميدانها عقول الناشئة بعد احتلال الأرض، والمستقبل بعدما دمر الحاضر والتاريخ.

والمسألة تتجاوز مجرد اعتماد اللغة التركية في المناهج التعليمية وإلغاء اللغة الكردية وهي اللغة الأم لأبناء المنطقة، بل التحكم بمضمون المنهاج، وإلغاء المنهاج الذي كان معتمداً خلال فترة الإدارة الذاتية، المتضمن قيم التعدديّة والعيش المشترك، واستبداله بمنهاج يمجد التاريخ التركي ويعتبر أنّ الإقليم الكردي محرراً وينكر حقيقية الاحتلال.

مناهج تعليم تتضمن أفكار متطرفة

وتتضمن مناهج الاحتلال التركي تركيزاً على المواد الدينية التي تكرس الأسلمة والتطرف الديني، بما يتوافق مع أفكار تنظيم الإخوان المسلمين المتشددة، التي تؤكد على العنف باسم الجهاد المقدس، وزادت فيها جرعة الأدلجة في المرحلة الابتدائية لتسميم عقول الأطفال، وربطت الدين مع الأفكار القومية التركية والأيديولوجية العنصرية الفاشية التركية، وتعليم الأطفال رفع أيديهن بإشارة الذئاب الرمادية.

وزادت سلطات الاحتلال التركي عدد حصص التربية الإسلامية إلى سبع حصص، فيما المتعارف عليه في المناهج الرسمية في معظم الدول أن عدد حصص الأسبوعية لمادة لتعليم الدين حصتان في الأسبوع الواحد بغية التأثير أكثر عمقاً في عقول الأطفال، كما أضافت تريس الشؤون المتعلقة بالسيرة النبوية وتحفيظ القرآن ودراسة الفتاوي الدينيّة وشرحها.

ومن الواضح أن المناهج الموضوعة على مقاس سياسة سلطات الاحتلال، ما من شأنه خلق جيل إسلاميّ عقائدي وتكفيريّ متشدد ومتطرف، وهي السمات المميزة لتيار الإخوان المسلمين، وما هو تجسده أدوار ممثلي ما يسمى “المعارضة السورية” بشقها السياسيّ (الائتلاف) والعسكري ممثلة بالميليشيات المسلحة التابعة لأنقرة.

القرار الأخير الذي أصدرته ما تسمى “وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة” فيما يتعلق بمادة التاريخ وإضافته للمناهج الدراسيّة، جاء في سياق غسيل الأدمغة، بإدراج أوليّ لما تسمّى “الثورة السوريّة” مع تجاهل كاملٍ لما سببته من مآسٍ للسوريين وتحولها إلى أداة طيعة بيد أنقرة، واُعتمدت في التاريخ وجهة النظر التاريخية العثمانية والتشدد الدينيّ برفض الآخر.

فرض اللغة التركية

تم فرض تعلم اللغة التركية على الطلاب في المناهج المدرسيّة وفي سياق الحياة الاجتماعية وكتبت اليافطات واللوحات العامة باللغة التركية، وتلقّى الإسلاميون السوريون دوراتٍ مكثفة إلى جانب بعض التركمان الموالين لهم، الذين كانوا في السابق يمتهنون الحرف في الورشات الصناعيّة، ليصبحوا فجأةً معلمين وقدوة للطلاب يديرون دفة التعليم، وافتتحت دورات دينية مركزة باسم حفظ القرآن، وتم إغراء الناشئة باعتماد الوسائل التشجيعية لاستقطابهم، سواءٌ  بتقديم الهدايا الرمزيّة لهم أو تكريمهم  بعد الخضوع لدوراتِ تحفيظ القرآن وتلاوته وترديد الأناشيد الدينيّة، وجرى حثهم على حضور صلاة الفجر.

مدارس مدمرة وأخرى تحولت لمقرات عسكريّة وسجون

واقع الحال يؤكد سعي سلطات الاحتلال ومعها ما تسمى الحكومة المؤقتة، إلى أدلجة الجيل الناشئ والسطو الاستباقي على المستقبل، دون اهتمامٍ بمستوى التحصيل العلمي والمعرفيّ والانفتاح الاجتماعيّ، ذلك لأن عدداً كبيراً منن المدارس دُمر بسبب آلة الحرب التركيّة كلياً أو أُلحقت بها أضرارٌ كبيرة، خلال العدوان، فيما تم الاستيلاء على نحو 45 مدرسة أخرى وتحويلها إلى مقرات عسكريّة لجنود الاحتلال وميليشيات الإخوانية التابعة لها وكذلك إلى معتقلات وسجون.

فصل المعلمين الكرد وعنصرية في تعيين الكادر التعليمي والإداري

ومن أجل تعليم المنهاج التركي أقدمت سلطات الاحتلال التركيّ على فصل المعلمين والمعلمات الكرد، واستبدالهم بآخرين من المستوطنين أقل كفاءة، ولكنهم ملتزمون بنشر أفكار التطرف المطلوبة، ويستظهرون بعض آيات القرآن، ومن جهة ثانية اتبعت الأسلوب نفسه في تعيين الكادر الإداري فيما يسمى مديرية التركية والتعليم. وتغاضت عن سيرتهم الذاتية وما ارتكبوه من أعمال وارتباطهم بتنظيمات إرهابية بمختلف مسمياتها.

ومن صور الواقع التعليمي المتردّي، أسلوب التعيين الاعتباطيّ لموظفي ما تسمى مديرية التربية والتعليم في مركز مدينة  عفرين، ومن أمثلتها تعيين قاضٍ سابقٍ لدى ميليشيا “جيش الإسلام” في الغوطة المدعو “خالد طفور” الملقب أبو سليمان، رئيساً لقسم التوجيه التربويّ في مديرية التربية والتعليم بمنطقة عفرين، وجاء التعيين بموافقة وتزكية من رئيس المجلس المحليّ المهندس المدعو محمد سعيد سليمان)، وهو القاضي الذي أفتى ــ في قصة مشهورة ــ لرفيق دربه المدعو “أبو النصر” بزواجه الرابع من زوجة صاحبه الآخر المدعو “أبو نجيب” في أوج معارك الغوطة، وهو نفسه الذي أدّى دور الخطيب في افتتاح مسجد عرب ويران قبل أشهر، ويتبنى حملة الدعوة إلى تغيير نمط وشكل ملابس الطالبات في المدارس (حجاب، جلباب، كفوف).

خطاب ديني متطرف في المساجد

بموازاة تردي حالة التعليم تلفت مسألة المساجد الانتباه، فهي تعملُ بشكل مستمر في تنظيم الدورات الدينيّة المركزة، وتخريج دورات بالتتابع، ويتم التركيز على الأطفال في أعمار متدينة (8ــ15) عاماً. ليكون نشاطها على حساب المدارس مباشرة.

ينضحُ الخطاب الديني في المساجد بالتطرف والتكفير وأصبحت المساجد مراكز تتبنى الخطاب السياسي لدولة الاحتلال، وجرى فصل أئمة المساجد الأصلاء من الكرد، لأسباب عنصرية وشوفينية، وجرى استبدالهم بأئمة من المستوطنين، ووقعت حوادث في راجو وقيبار وسواهما حيث اعترض المستوطنون الصلاة خلف إمامٍ كرديّ.

ووُضعت خطة ممنهجة لبناء المزيد من المساجد على أراضٍ تم الاستيلاء عليها بالقوة، وأُجبر الأهالي على ارتياد المساجد، وتأخذ المسألة بعداً أكثر خطورة بحرية العقيدة في التعامل مع أتباع الديانة الإيزيديّة وإجبارهم على الأسلمة وبناء المساجد في قراهم، وكانت تلك الممارسات مضمون العديد من التقارير الدوليّة الحقوقيّة والإعلاميّة.

يمكن القول إنّ الواقع التعليميّ في إقليم عفرين الكردي مأساوي، والمفارقة أنه طالما يُقال إن العلم نور، ولكن العاملين فيه ومن يديرون العملية التعليمية يحملون أفكاراً سوداء بتوجهات ظلامية تكفيريّة متشددة، وحوّلوا عملية التعليم والخطاب الديني ليكون وسيلة الدعاية لفكر تنظيم “الإخوان المسلمين” وتمجيد العثمانية البائدة والولاء لسلطات الاحتلال.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons