مايو 20. 2024

أخبار

صحيفة “نيويورك تايمز” تقع في فخ البروبوغاندا التركية.. “وعفرين بوست” ترد

Photo Credit To نيويورك تايمز

عفرين بوست – خاص

نشرت صحيفة نيويورك تقريراً عن واقع مدينة عفرين الحالي للصحفية “كارلوتا غال” مديرة مكتب إسطنبول بعنوان “In Turkey’s Safe Zone in Syria, Security and Misery Go Hand in Hand”، وترجمته بالعربية “في المنطقة الآمنة التركيّة في سوريا، الأمن والبؤس جنباً إلى جنب”.

تبدو نوايا الكاتبة اعتباراً من العنوان أنها بصدد تجميل الاحتلال التركيّ لمنطقة سورية واجتزاء الحقيقة، وتسليط الضوء على ما تبتغيه تركيا من إبرازه، وكأن التقرير معدٌّ لوكالة الأناضول التركية، وليس في مؤسسة إعلاميّة عريقة لها سمعتها العالمية وتتمتع بدرجة عالية من المهنية الصحفيّة والمصداقية، ومقارباتها الموضوعية سواء للشأن الداخلي الأمريكيّ أو شؤون العالم.

صورة عفرين اليوم لا تعكس حقيقتها، فهي مختلفة تماماً في أدق تفاصيل الحياة، وكان حرياً بكاتبة التقرير عندما تتحدث بتعاطفٍ مبالغ عن المهجرين قسراً من مناطق الغوطة الشرقية وتم ترحيلهم إلى عفرين وإسكانهم في بيوت أهلها الكرد، أن تطرح السؤال البديهي، ماذا حلّ بأصحاب تلك البيوت؟ كيف خرجوا من بيوتهم وتركوا حقولهم وأملاكهم حتى قبور ذويهم؟ كيف تم اقتلاعهم بالقوة من وطنهم؟ وكيف يعيشون اليوم؟ وأي معادلة اسمها “الأمن القوميّ التركي “تتحقق عبر تهجير الناس من بيوتهم ومنع عودتهم؟

كاتبة التقرير تجاهلت أنّ من استوطن في عفرين هم حملة السلاح وتم نقلهم ضمن اتفاقٍ سياسيّ، اقتضى نقل تفاصيل الأزمة من منطقة إلى أخرى كانت آمنة وملاذاً للنازحين السوريين طيلة سنوات ولم تفرق بين السوريين على أساس عرقيّ أو دينيّ أو سياسيّ، وأنّ من بين من انتقل إلى عفرين أفرادٌ كثيرون ارتكبوا انتهاكات وجرائم قتل، وقاموا بمصادرة المعونات الغذائية في مستودعاتهم وحرموا أهاليهم منها، رغم أنها تذكر في التقرير أنها التقت بمسلحين سابقين.  

كثيرٌ من التقارير الرصينة والمنصفة صدرت حول الانتهاكات التي تحدث في عفرين ويبدو أن كاتبة التقرير، لم تطلع على الواقع ولا على تلك التقارير التي أصدرتها منظمات مثل منظمة العفو الدولية (الأمنيستي) – لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا ولجنة الحريات الدينية الأمريكية ومؤسسة ماعت الحقوقية المصرية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، بالإضافة لمئات التقارير الحقوقيّة المحليّة والإعلاميّة. والتي تضمنت كثيراً من التفاصيل لما حدث في عفرين المحتلة.
في كثير من التقارير تم توصيف ما يحدث في عفرين بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة وتقوم على أساس عرقي ودينيّ وأن الميليشيات التي احتلت عفرين متطرفة ومتشددة دينياً، وقد ألزمت أتباع الديانة الإيزيديّة على اعتناق الإسلام بالقوة، كما أنها هدمت مزاراتهم الدينيّة ودنست القبور الإيزيدية والإسلامية وجرفت كثيراً من المقابر في عفرين.   

الكتابة عن واقع عفرين تتطلب ضرورة الاطلاع على واقعها قبل الحرب التي شنّتها تركيا والميليشيات الإسلامية عليها، لمعرفة حجم التغيير والانتهاكات التي تحصل، ومن جملة ذلك نذكر:

ــ تهجير أهالي عفرين الكرد بالقوة من قراهم.

ــ الاستيلاء على ممتلكات أهالي عفرين الكرد وبيوتهم، وإسكان المرحلين من باقي المناطق السورية مكانهم.

ــ استكمال خطة التغيير الديمغرافي وتغيير التركيبة السكانية، وكانت نسبة الكرد في عفرين 97%، وأصبحت بحدود 20% بعد الاحتلال التركيّ.

ــ تم اعتقال واختطاف آلاف المواطنين الكرد، وتعذيبهم في أقبية سجون الميليشيات الإسلامية، وأفضى التعذيب إلى موت العشرات. ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد المختفين قسراً في عفرين.

ــ لم يكشف حتى الآن عن مصير مئات المفقودين منذ إعلان احتلال إقليم عفرين.

ــ نحو 150 ألف مواطن يعيشون في المخيمات وبيوتٍ مهدمة نتيجة المعارك في منطقة الشهباء، والجيش التركي مستمر في قصف تلك المناطق وقد ارتكب مجازر بحق المهجرين قسراً وأهالي المنطقة.

عندما تتحدث الكاتبة عن الأمن القومي التركيّ، تتجاهل الانتهاكات الكبيرة بحق حقول الزيتون واقتلاع الأشجار والتحطيب الجائر وحرق الغابات والتعديات على المواقع الأثرية وتجريفها وتغيير ملامحها، رغم أنّ كثيراً من تلك المواقع مسجل لدى المنظمة الدولية للثقافة والعلوم “اليونيسكو”، وهي ميراثٌ إنسانيّ، ويجب تحييدها من الحروب، والسؤال ما علاقتها الأشجار والآثار بالأمن القومي التركيّ؟

سردية الملايين الخمسة في إدلب خيالية، وهناك تلاعب واضح بالأرقام، لأنّ إدلب لا تحتمل هذا العدد الكبير، ويبدو أنّ الكاتبة تجهل حجم النزوح إلى باقي المناطق وبخاصة عفرين، واللجوء وكذلك الهجرة إلى أوروبا، وأنّ القوات الحكوميّة استعاد كثيراً من المناطق بداية عام 2020، وأما إذا كانت تقصد آلاف الجهاديين الأجانب من الإيغور والقوقازيين ودول عربيّة وهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” المصنفة على لوائح الإرهاب الدوليّ، بالإضافة ميليشيات تنظيم القاعدة، وتعتبرهم من أهالي إدلب لأن الأمر مختلف، وكلّ هؤلاء دخلوا سوريا عن طريق الأراضي التركيّة، وأنشأوا إمارات في إدلب.

وفي سياق متصل بالأرقام تقول الكاتبة أن أردوغان يستضيف 3.6 ملايين لاجئ سوري، ليصبح المجموع 8.6 ملايين وهو رقم كبيرٌ جداً ولا يمكن قبوله، فيما عدد سكان سوريا لا يتجاوزون 23 مليون.

 تذكر الكاتبة المسؤول التركي أورهان أكتورك، نائب حاكم مقاطعة هاتاي التركية المجاورة، والمسؤول أيضًا عن عفرين: “هدفنا الرئيسي هو جعل حياتهم طبيعية أكثر”. “حافظ على المدارس مفتوحة، والمستشفيات تعمل حتى يتمكن الناس من استئناف حياتهم”.

والصحيح أن عفرين كانت تعيش حياة طبيعيّة عندما كان أهلها الأصليين فيها، والحياة الطبيعية تعني عودة أهالي عفرين إلى بيوتهم، وإنهاء الاحتلال وليس إجراءات تجميل الاحتلال وتثبيته.

من الحقائق الكبيرة أن تركيا لم تحارب داعش في سوريا، فقد دخلت مدينة جرابلس في 24/8/2016 خلال ساعات معدودة، كما أنّ المئات من عناصر داعش الإرهابي انضموا إلى صفوف الميليشيات التي شكلتها باسم الجيش الوطني. وقد ظهر عناصر داعش علناً أمام الكاميرات في مدينة رأس العين التي تحتلها القوات التركية. والأمثلة كثيرة حول العلاقة بين أنقرة وداعش

وتنقل الكاتبة قول قائد الشرطة التركية في عفرين: إنّ 99% من الهجمات كانت من عمل حزب العمال الكردستاني، الحركة الانفصالية الكردية، وفرعها في سوريا، Y.P.G.، المتحالف مع القوات الأمريكية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

من الواضح أن الرؤية والأجندة التركية هي المعتمدة مصدراً أساسياً في التقرير، وليس الحقائق، لأن عفرين طيلة السنوات ما قبل الحرب عليها واحتلالها كانت تنعم بالاستقرار والأمان ولم تقع حوادث تفجير، والتفجيرات بدأت تحدث بعد الاحتلال، والتهديد الأمني لا يقتصر على التفجيرات، بل على ظاهرة الاقتتال الفصائلي، فالميليشيات التابعة لتركيا تتصارع في المدينة وتحول الأحياء إلى ميدان معركة، وكثيراً ما أودى الاقتتال بحياة الأهالي من أهالي عفرين، وبسبب تنافس الميليشيات تقع حوادث التفجير أيضاً.

لا يمكن الحديث عن واقع أمني مستقر بوجود قوة احتلال، ومستوطنين من خارج المنطقة، وما يصل من معلومات عن عفرين هو القليل، فالمنطقة مغلقة أمام الإعلام، ويشكل المستوطنون جيشاً إضافياً يمارس الانتهاكات وهم أيضاً يحملون السلاح.

لو أن الكاتبة قصدت مخيمات التهجير القسري لأهالي عفرين، لسمعت من الحكايات الشيء الكثير، ليس عن الغلاء والفقر والخيمة والبرد والحر، بل قصص مروعة عن الانتهاكات وجرائم القتل وإلقاء الجثث في العراء والاختطاف وأخذ الفديات والاغتصاب الجماعي للنساء. والسؤال الأساسي من يفوض هذه الجماعات المسلحة بارتكاب كل هذه الانتهاكات؟ والإجابة واضحة هي أنقرة، ثم يأتي دور بعض الإعلاميين في تجميل الاحتلال وتجاهل الحقائق وتبديلها.

هناك الكثير من القضايا التي يمكن الحديث عنها، ولكننا نكتفي بهذا القدر، ونتمنى على مؤسسة إعلامية كبيرة ولها سمعتها العالمية مثل نيويورك تايمز أن تتبنى تقارير أكثر دقة كما اعتدنا منها.    

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons