ديسمبر 23. 2024

بعد تهجير غالبية الأيزيديين.. الائتلاف الإخواني يواصل مساعي تفنيد التقارير الدولية حول جرائم مسلحيه بـ عفرين

عفرين بوست-خاص

يواصل الائتلاف الإخواني الذي يشكل الغطاء السياسي لمليشيات الإخوان المسلمين المعروفة بمسمى “الجيش الوطني السوري” مساعيه لإنكار وتفنيد الجرائم التي ارتكبها مسلحوه وما يزالون في إقليم عفرين الكردي المحتل شمال سوريا.

وفي السياق، تحاول وسائل إعلام موالية للإخوان المسلمين الترويج لزيارات يعقدها متزعمو الائتلاف إلى عفرين، ومنها إلى القرى ذات التواجد الأيزيدي في الإقليم الكردي المحتل.

وذكرت تلك الوسائل إن ما يسمى بـ”رئيس الائتلاف الوطني السوري” المدعو نصر الحريري، زار يوم الخميس الماضي، بلدة باصوفان في ريف عفرين، والتقى شيخ الطائفة الأيزيدية ومختار البلدة، في ظل ما أسموها بـ “معلومات بإقدام عناصر مسلحة على ممارسات غير مقبولة”، على حد زعمهم.

وذكرت تلك الوسائل إن الزيارة إلى بلدة باصوفان بعد أن تحدثت تقارير عن عملية تغيير ديموغرافي، ينفذه مسلحو مليشيا “فيلق الشام” في القرية، حيث استولى المسلحون على عشرات المنازل بالقرية بعد أن فر أصحابها لأماكن أكثر أماناً، كما استولوا على الأراضي الزراعية التابعة لها.

ووفقاً لبيان صادر عن الدائرة الإعلامية لما يسمى الائتلاف، فقد “أكد أهالي البلدة على أنهم يمارسون شعائرهم وطقوسهم الدينية بحرية، وبأن معتقداتهم تحظى بكل الاحترام، كما أكدوا على عدم تعرضهم لحالات غصب أو استيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم، وطالبوا بمعالجة السرقات التي وقعت بشكل فردي على بعض حاجياتهم”.

ويؤكد ما سبق على عقلية الانكار والتنفيد التي يسعى الغطاء السياسي لمسلحي الإخوان المسلمين على انتهاجها، ولم يكن ينقص بيان الائتلاف الاخواني الا أن يضيف أن الدنيا بخير والطيور تغرد بطلاقة، والأزهار منتشية، لكن بعض الأغنام كانت ترعى في حاكورة الجيران!، وهي المشكلة الوحيدة التي كانت موجودة في عفرين، وقد نجح الحريري في حلها، وعادت الدنيا إلى سابق عهدها الرغيد الآمن!

لكن واقع الحال يقول، أن الكُرد الأيزيديون في عفرين، قد حرموا عقب إطباق الاحتلال العسكري التركي من أداء طقوسهم وأعيادهم والإعلان عن انتمائهم الديني، كونه سبب كافي للتنكيل والاضطهاد والخطف والتعذيب من قبل المليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين.

وفي السياق، لم يعد الكُرد الأيزيديون يتمكنون من الاحتفاء بأعيادهم كعيد الأربعاء الأحمر الذي يتمتع بقدسية خاصة لدى أتباع الديانة، تتلخص في اعتبار ذلك اليوم، التوقيت الذي دبت فيه الحياة في الأرض، وفق المعتقدات الأيزيدية، فيما كان يتم خلال عهد “الإدارة الذاتية”، تعطيل الدوائر الرسمية والمدارس احتفاءاً بالعيد، كسائر الأعياد الدينية المرتبطة بالدين الإسلامي أو المسيحي، إلى جانب تنظيم “الإدارة” لـ احتفال مركزي، حيث سعت إلى حماية المكون الكُردي الأيزيدي وتقديم كل الإمكانات المتوفرة لديها في سبيل إحياء الديانة الكُردية القديمة لدى أبنائها ومنع اندثارها، عقب محاولة الإرهاب العالمي القضاء عليها في مركزها بشنكال، عبر هجوم تنظيم داعش عليها في العام 2014.

وعقب أربعة سنوات، تكررت هجمات داعش لكن هذه المرة في عفرين، وبلبوس آخر يسمى “الجيش الوطني السوري” التابع لتنظيم الإخوان المسلمين، بغية القضاء على التنوع الديني والطائفي والنموذج المتسامح في عفرين، والذي كان مثالاً على تآخي الأديان والطوائف والأثنيات بعيداً عن ثقافة القتل التي ينشرها المتطرفون كـ داعش والإخوان المسلمين برعاية الاحتلال التركي. 

وقد صرح علي عيسو مدير مؤسسة ايزدينا فقال لـ”عفرين بوست” في السادس عشر من أبريل الماضي، حول أوضاع الأيزيديين في عفرين والاختلافات التي وقعت إبان احتلال عفرين، إنه “يتعرض الايزيديون في عفرين لانتهاكات ممنهجة تستهدف هويتهم الدينية والعرقية، وزادت حدة هذه الانتهاكات في الأشهر الأخيرة نظراً لرغبة المتطرفين المحتلين للمنطقة بطرد أكبر عدد ممكن من الأيزيديين ودفعهم نحو الأسلمة عبر اساليب ارهابية عديدة ومنها خطف النساء والفتيات الايزيديات وتذكيرهنّ بجرائم في السبي والاغتصاب”.

مستكملاً: “لا يمكن إجراء تقييم دقيق لحجم الأضرار والانتهاكات التي يتعرض لها الايزيديون في عفرين، ولكننا في مؤسسة ايزدينا رصدنا فقط في غضون 11 يوماً بين شهري، شباط وآذار الجاري، قيام المتطرفين المدعومين من الجيش التركي، باختطاف فتاتين إيزيدتيين وأرملة ايزيدية، وأسمائهم: آرين حسن، غزالة بطال، كوله حسن، ولا يزال مصيرهم مجهولًأ”.

أما حول العدد التقريبي للمهجرين الأيزيديين من عفرين، فقال عيسو: “فيما يتعلق بأعداد الإيزيديين الذين تهجروا من عفرين، بلغ عددهم وفقاً لإحصائية مؤسسة ايزدينا حوالي 90% من الإيزيديين الذين فروا من عفرين، ومن القرى الإيزيدية التي خلت تماماً من الإيزيديين كانت قرية بافلون”.

وفيما يتعلق برؤيتهم للحل في عفرين، فقال عيسو: “يكمن الحل في عفرين عبر انهاء الاحتلال التركي، وخروج كافة الفصائل المتطرفة التي تدعمها تركيا وبالتالي تسليم المدينة لادارة أبناء المنطقة بالشكل الذي يضمن للمدنيين كرامتهم ويصون لهم حقهم”.

وبخصوص ممارسة الكُرد الأيزيديين شعائرهم الدينية داخل عفرين، فقال عيسو: “منذ اليوم الأول لاحتلال عفرين لم يمارس الايزيديون شعائرهم الدينية، وهذا الأمر تجلى أيضاً في عدم قدرة الأيزيديين القيام بالمراسيم الدينية المتعلقة بأمواتهم وفي الكثير من الحالات رفضت الفصائل المتطرفة زيارة الأيزيديين لقبور موتاهم”.

مردفا:ً “ووفقاً لرصدنا في مؤسسة ايزدينا لم تسلم قبور الإيزيديين من انتهاكات المحتلين، فتم رصد قيام المسلحين بتدمير شواهد أكثر من 350 قبر للإيزيديين وسرقة محتويات بعضها، وفيما يتعلق باحتفال الأيزيديين بعيد رأس السنة الأيزيدية فاكتفوا في عفرين بإشعال بعض الشموع داخل منازلهم داعين الله أن يفرج عنهم ويبعد عنهم بلاء المتطرفين”.

أما المزارات الدينية للكرد الأيزيديين في عفرين المحتلة، فيشير حولها عيسو إن “أكثر من ثمانية عشرة مزار ديني يعود للإيزيديين مدمر بشكل كلي وجزئي، كما أن مزار الشيخ شرفدين في قرية بافلون، بداخلها قنبلة لم تنفجر من مخلفات الغزو التركي، حيث تعمد متطرفو عملية غصن الزيتون إلى عدم إزالتها فضلًأ عن رميهم للأوساخ في مزار الشيخ علي في قرية باصوفان، وهذا نقلاً عن فريق رصد مؤسسة ايزدينا الذي يعمل بشكل سري في عفرين”.

هذا وكانت قد دعت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية “USCIRF” في التاسع والعشرين من أبريل، إدارة بلادها لممارسة ضغط على أنقرة للانسحاب من سوريا بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وللأقليات الدينية في مناطق متعددة وخاصة في عفرين المحتلة منذ آذار/مارس، 2018.

وطالبت اللجنة في تقريرها السنوي، الحكومة الأمريكية لـ”ممارسة ضغط كبير على تركيا لتوفير جدول زمني لانسحاب قواتها من سوريا”، وجاء في التقرير، أنه على الولايات المتحدة ضمان أن “لا توسع القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها من رقعة سيطرتها الجغرافية في شمال وشرقي سوريا”، “وعدم السماح لها بأي عمليات تطهير دينية وعرقية جديدة في تلك المنطقة”، وطالبت الاحتلال التركي “بوقف انتهاكاتها لحقوق الأقليات الدينية والعرقية الضعيفة”.

وقال التقرير إن “الاستبدال الديني والعرقي والثقافي القسري الذي أشرفت عليه الحكومة التركية في عفرين منذ عام 2018، بنقل اللاجئين السوريين بشكل جماعي – العديد منهم في الأصل من أجزاء أخرى من سوريا – إلى هذه المنطقة المحتلة، أدى إلى التطهير العرقي للإيزيديين والكرد وغيرهم”، كما دعت اللجنة المليشيات الإسلامية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين “للانسحاب”.

وأشار التقرير إلى أن “الغزو التركي” في تشرين الأول/أكتوبر الفائت أدى لتشريد بعض التجمعات العرقية والدينية مما يسمى “بالمنطقة الآمنة” التي أقامتها تركيا وميلشياتها الإخوانية المعروفة بمسمى “الجيش الوطني السوري\الجيش الحر”، وذكر التقرير أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا “وفرت درجة عالية نسبياً من الحرية الدينية والحقوق المدنية في المناطق الخاضعة لسلطتها”، وطالبت بدعمها.

ونقلت فضائية كردية عن نادين ماينزا، نائبة رئيس لجنة الـ”USCIRF”  قولها إن “تركيا طردت الكرد والمسيحيين والإيزيديين وغيرهم من مدنهم عندما غزت عفرين ومناطق أخرى، وهم الآن يجلبون اللاجئين من أجزاء أخرى من سوريا – مما يشير إلى نوع من الاضطهاد القسري الديني والعرقي، والاستبدال الثقافي”.

وشهدت عفرين منذ الأشهر الأولى إطباق الاحتلال العسكري التركي على الإقليم الكُردي، سرقة الآثار ونهبها وتدمير التراث الثقافي للسكان، ومنها إقدام المليشيات الإخوانية على نبش قبر تاريخي في مزار قرية “قره جرنه” التابعة لناحية شرا\شران، والعبث بمحتوياته، وتدمير مزارات دينية للكرُد الأيزيديين.

وكان قد أصدر في الثامن من أغسطس العام 2018، مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا تقريراً مطولاً حول جملة الانتهاكات التي تعرض لها الكرد الايزيديون، مع احتلال عفرين من قبل الجيش التركي وميلشياته الإسلامية العاملة ضمن ما يسمى “الجيش الوطني السوري\الجيش الحر”، وأكد المركز تزايد حالات استهداف الأيزيديين في عفرين، في مسعى لتهجير من تبقى منهم، وقال المركز أن المليشيات الإسلامية تجبرهم على اعتناق الإسلام، وتفرض عليهم التوجه للمساجد الاسلامية للصلاة، وهي منازل لهم تمت مصادرتها وتحويلها الى جوامع ورفع الآذان والاناشيد الاسلامية فيها.

وأضاف المركز حينها، أنه ومنذ فرض تركيا احتلالها على عفرين، سجلت العشرات من انتهاكات حقوق الإنسان التي طالت الأيزيديين من تدمير أماكن العبادة والمزارات المقدسة وسرقة محتوياتها، وتهجير السكان واعتقالهم، ورصد قيام مسلحي “فيلق الشام” بإجبار أطفال قرية باصوفان التابعة لناحية شيراوا في عفرين على ارتياد المساجد وتعلم الإسلام وقراءة القرآن، فيما عمدت “فرقة الحمزة” إلى تحويل مدرسة قرية كاخرة في ناحية موباتا إلى مدرسة شرعية يتم تدريس الديانة الإسلامية فيها.

ويتوزع الايزيديون في عفرين داخل 22 قرية، ولا توجد إحصائيات دقيقة لأعدادهم في سوريا، ولكن وفقاً لإحصائيات غير رسمية يبلغ تعداد الأيزيديين في كل من عفرين وحلب حوالي مئة ألف نسمة، وقد تناقصت أعدادهم في السنوات الأخيرة نتيجة الاستهداف المتكرر لقراهم، مما دفع بالكثير منهم للنزوح أو اللجوء إلى خارج سوريا.

وعلى الرغم ان المجتمع الأيزيدي مسالم، لكنه تعرض الى الكثير من الاضطهاد والتصفية العرقية، قديماً في حكم الدولة العثمانية وإبان حكم صدّام حسين، وعلى يد ميليشيات “داعش”، وكان آخرها انتهاكات مسلحي المليشيات الإخوانية التابعة لجيش الاحتلال التركي، ضمن غزوتها المسماة بـ ”غصن الزيتون”، حيث ينتمي اغلب هؤلاء المسلحين إلى فصائل إسلامية متشددة تقاتل انطلاقاً من أيديولوجية دينية متطرفة.

ومنذ احتلال عفرين، ارتكبت تلك المليشيات انتهاكات كثيرة بحق الأيزيديين الذين بات تعدادهم تقديرياً وفق المركز آنذاك (بتاريخ 8 أغسطس 2018)، نحو 15 % فقط (من مجموعهم الكلي)، نتيجة تهجيرهم من قراهم، والاستهزاء بديانتهم، وإجبارهم على اعتناق الإسلام، إلى جانب عمليات الاعتقال والاختطاف، وبناء مساجد في القرى الأيزيدية، وغيرها من الانتهاكات التي طالت قبور الأموات، وكذلك المزارات والمراقد الدينية الأيزيدية.

ومع بدء الهجوم التركي على عفرين يناير العام 2018، بدأت المليشيات الإسلامية الإخوانية المرافقة لجيش الاحتلال التركي، بإطلاق تهديدات بالقتل والذبح والسبي للإيزيديين، وبأنهم سيكملون ما بدأوه في شنكال، وعند دخولهم القرى الأيزيدية دمروا المزارات الأيزيدية وحاولوا ولايزالون، إرغام الأيزيديين على ترك دينهم واعتناق الدين الإسلامي، وفرض اللباس الإسلامي على النساء الأيزيديات.

ومن المزارات الأيزيدية التي تم استهدافها من قبل قوات الاحتلال التركي ومسلحيه:

– افراغ مزار الشيخ علي في قرية باصوفان والعبث بمحتوياته.

– تدمير مزار الشيخ غريب في قرية سينكا في ناحية شرا، والاستهزاء من إيزيديي القرية.

– تدمير مزار قرة جرنه قرب ميدانكي.

– تدمير مزار ملك آدي في قرية قيبار.

– تدمير المزارات الأيزيدية في قرية قسطل جندو (مزار بارسة خاتون ومزار الشيخ حميد)

– وفي مركز مدينة عفرين تم تدمير مقر اتحاد الأيزيديين الثقافي والاجتماعي، وتم تدمير تمثال النبي زرادشت، وقبة لالش.

– تدمير مزار الشيخ جنيد وعبد الرحمن في قرية فقيرا.

– تدمير مزار حنان في قرية مشعلة.

– الاستيلاء على أكبر مزار إيزيدي في روجافا، الواقع على قمة جبل “الشيخ بركات”، المشرف على بلدة “دارة عزة”، والذي جعلت منه قوات الاحتلال التركي مركز مراقبة، وقامت بإزالة المعالم الأيزيدية عنه وصبغه بصبغة إسلامية.

وفي 29 أيار/مايو 2020، أرسلت نادية مراد، الحائزة على جائزة نوبل للسلام وسفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة، تحذيراً مروّعاً من أن “المجموعات المدعومة من تركيا تنفذ حملة تطهير عرقي ضد الأيزيديين في عفرين، إنهم يختطفون النساء ويقتلون المدنيين ويدمرون المنازل والأضرحة”، كما أفادت منظمة يزدا أنه “بسبب هويتهم الدينية، يعاني الايزيديون في عفرين من مضايقات واضطهاد من قبل الجماعات المدعومة من تركيا، وتشمل الجرائم المرتكبة ضد الأيزيديين إجبارهم على تغيير دينهم، واغتصاب النساء والفتيات، والإذلال والتعذيب، والسجن التعسفي، والتشريد القسري”.

وقالت إن ما يقرب من 80٪ من المواقع الدينية الأيزيدية في سوريا قد تم نهبها أو تدميرها أو تدنيسها، بما في ذلك ضريح الشيخ جنيد في قرية فقيرة، ومعبد ملك عدي في قرية كيمار وضريح الشيخ حسين ومعبد جيل خانا في قرية كيمار، ومعبد الشيخ ركاب في قرية جدير، حيث تم تدنيس تلك الأضرحة والمقابر.

كما لفتت يزدا إلى أن الأيزيديين في عفرين يضطرون إلى “إخفاء هويتهم، وعدم القدرة على ممارسة عقيدتهم، ويعيشون في خوف دائم على حياتهم”، وأكدت أن الوضع الحالي ليس ظاهرة جديدة بل مستمرة منذ الاحتلال التركي لعفرين، حيث اضطر آلاف الايزيديون إلى الفرار من منازلهم في 22 قرية متضررة.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons