عفرين بوست ــ خاص
الوفاة قهراً ليس مجرد نتيجة، بل أسلوب من القتلِ لا تُستخدمُ فيه أدواتُ القتلِ وأساليبها المعروفة، فقد أسفرت ممارسات الاحتلال التركي وعناصر الميليشيات الإخوانية التابعة له والمستوطنين من القسوة وسوء المعاملة وانتزاع الملكيات بالقوة إلى فقدان عدد من المواطنين الكرد وبخاصة المسنين حياتهم، نتيجة القهر، الذي يتسبب بنوبات قلبيّة حادة، في ظل فقدان الأمن وعدم وجود مرجعية قضائية نزيهة تعيد إليهم حقوقهم، وقصة المواطنة الكردية “رسمية” نموذج قصة حرمان أهالي عفرين من استعادة منازلهم التي أفنوا أعمارهم في بنائها.
أم وأب لأبنائها
قصة المواطنة الكرديّة رسمية إبراهيم مصطفى – من أهالي قرية بعرافا/ناحية شرا- وهي أرملة المرحوم أحمد جومي (أحمد عثمان شيخ إسماعيل زاده) وهو من الشخصيات المعروفة ببلدة ميدان أكبس، وهي مقيمة في البلدة منذ أكثر من أربعين سنة.
بقيت عائلة “رسمية” في البيت مع بدء العدوان التركيّ على إقليم عفرين، وقبل احتلال القرية بيوم واحد نزحت العائلة إلى مدينة عفرين طلباً للأمان، على أملِ أن تنتهي الحرب وتعود إلى القرية، ومع خروج الأهالي من مدينة عفرين يوم خرجت العائلة تحت وطأة القصف التركي إلى مناطق الشهباء، ومنها قصدوا مدينة حلب، ولم يطل مقامهم في حلب كثيراً، فقررت العائلة العودة إلى البلدة.
العودة إلى البلدة
مع العودة إلى البلدة عاشت العائلة فصلاً جديداً من المعاناة، إذ لم يُسمح لهم بدخول المنزل، الذي استولى مسلح على الطابق العلوي فيه وسكن فيه، وحوّل الطابق الأدنى إلى مستودع لأغراضه، التي استولى عليها من منازل أخرى، كما تمَّ الاستيلاء على أربعة محلات تجارية تعود لهم، ومحل السمانة الكبيرة فقط كان قيد الاستخدام، وبجوار المنزل هناك فناء كبير (حوش) تم الاستيلاء عليه أيضاً، ويعدُّ موقع المنزل والمحلات مهماً في البلدة لوقوعه على الشارع الرئيسي.
ذهبت المواطنة الكردية إلى بيتها تطالب باستعادته وخروج المسلح الذي استولى عليه منه، وبرفع اليد عن أملاكها، إلا أنهم رفضوا بشكلٍ قاطعاً، وقالوا لها: يمكنكم أن تأخذوا أغراضكم الشخصية وألبستكم من المنزل فقط.
لجأت المواطنة رسمية إلى بيت أخيها المقيم في البلدة والقريب جداً من منزلها، والذي خرج ليومين أو ثلاثة منه وسرعان ما عاد إلى بيته، قبل أن يُستولى عليه، وخلال فترة إقامتها في دار أخيها التي استمرت لمدة شهر، واصلت المطالبة باستعادة بيتها، وفي نهاية المطاف، أخبرها المسلح المستوطن، أنّه يمكنها أن تقيم في الطابق السفلي، ولكنه لن يخلي الطابق العلوي تحت أي طائل، ورفضت السيدة الكردية أن يشاركها المسلح السكن في منزلها، فقصدت مدينة عفرين، لتقيم في منزل ابنها الأصغر.
تدهور صحيّ والوفاة قهراً
بعد معاناة مع مرض السكر والفشل الكلوي، أدخلت المواطنة رسميّة إلى المشفى نتيجة تردي وضعها الصحيّ، إلا أنها توفيت بتريخ 14/4/2021، ولما تبلغ السبعين سنة من العمر. وعادت المواطنة رسمية “جثة هامدة” إلى بلدتها.
قصة عائلة السبعينية رسمية، ليست الوحيدة من نوعها في بلدة ميدان أكبس، فلا تزال هناك 11 عائلة كردية أخرى، بينها عائلات (جلال كولين وخليل خليل) لا تستطيع العودة لمنازلها بسبب استيلاء المسلحين وذويهم من المستوطنين على منازلهم وأملاكهم ويرفضون إعادتها لأصحابها، رغم أنها تقيم في القرى المجاورة أو مدينة عفرين.
وتتكون البلدة الحدودية – ميدان أكبس تتألف من 500 منزل كان يقطنها 500 عائلة كُردية، إلا أنه بعد الاحتلال والتهجير عادت 100 عائلة فقط إلى ديارهم وجلهم من المسنين، بينما أقدم المسلحون وعوائلهم على الاستيلاء على كافة المنازل والمتاجر والأراضي الزراعية المتبقية، بينها 40 متجراً في سوق البلدة.
ويستولي المدعو “صليل الخالدي” متزعم الميليشيا في البلدة على حقول الزيتون (1200 شجرة)، إضافة لـ 4 هكتارات من الأراضي الزراعية العائدة للمواطن مسلم مرجانة وكذلك قام بالاستيلاء على المعصرة الفنية العائدة له وقام المدعو “الخالدي” بتأجير المعصرة بمبلغ 20 ألف دولار لموسم واحد فقط (الموسم الفائت).
مواطنون قضوا قهراً
هناك العديد من قصص الوفاة قهراً بسبب الاستيلاء على الأملاك والمنازل، وكان ضحاياها مسنون لم تحتمل حالتهم الصحيّة الأذى والحزن، وهم يرون بيوتهم وأملاكهم مُستولى عليها، وعلاوة على ذلك تُساء معاملتهم بالشتم، ولا يُراعى عمرهم، ويتطاولون عليهم ويهددونهم ويتوعدونهم بالتهديد، فأصيبوا بنوبات قلبيّة مفاجئة، ومن أمثلة المواطنين الذين قضوا قهراً نورد بعض الأمثلة الموثقة.
ــ المواطن رمزي حسين
5/10/2018 في 4/12/2018 عاد المواطن الكرديّ “رمزي خميس حسين” من أهالي بلدة “ميدان إكبس”، بعد أشهر من التهجير القسريّ، ليجد أنّ البيت الذي أفنى عمره في بنائه قد استولى عليه أحد متزعمي ميليشيا “فيلق الشام” وهو المدعو “أبو مرهف الحمصي” الذي أحاط نفسه ببعض إخوته وأخواته لمنع أي شخص من الاقتراب من المنزل، ولم يكن من الممكن إخراجه من المنزل، وقد طالبه المواطن رمزي بالبيت مراراً فشتموه وهددوه، حتى فقد الأمل، الأمر الذي أدى إصابة المواطن رمزي بنوبة قلبيّة، ليقضي شهيداً قهراً وكمداً. فيما طالب المدعو الحمصي نجل المواطن رمزي بمبلغ كبير لتسليمه المنزل.
– المواطنة فكرت محمد
16/2/2019 وقال مراسل “عفرين بوست” أن المليشيات الإسلامية منعت المواطن الكردي “زياد احمد مختار” من العودة إلى منزله الواقع ضمن “قطمة الجديدة”، بحجة أنه قد أصبح مقراً لإحدى المليشيات، وقد حاولت زوجة المواطن الكردي العودة لمنزلها، لكن وجراء منعها من وطردها من قبل المليشيات، أصيبت المواطنة “فكرت محمد (زوجة زياد مختار) بجلطة قلبية وتوفت بعد اقل من شهر، من حادثة منعها العودة إلى دارها!
ــ المواطن محمود محمد سيدو
توفي المواطن الكردي المسن محمود سيدو بن محمد (محمود خوجة) من أهالي قرية كوليان تحتاني، في 23/10/2019 إثر جلطة قلبية تعرض لها بعد يومين من الإفراج عنه، وبسبب التعذيب والقهر، حيث اختطفته “فرقة الحمزة” ثلاث مرات منذ احتلال المنطقة ومارست ضده التعذيب والإهانات، وصادرت في المرة الأخيرة أيضاً /5/ تنكات زيت الزيتون- جُلَّ مونة بيته، وهو من عائلة فقيرة وكان يسكن مع زوجته المسنة لوحدهما.
ــ المواطن رفعت سيدو
هي قصة المواطن رفعت سيدو المسن المعروف باسم (رفعتي خزيانا)، ونقلاً عن موقع عفرين بوست، فقد أقدمت مجموعةٌ مسلحة على الاستيلاءِ بالقوة على محضرِ عقاريّ عائدٍ للمرحوم يقعُ في مركز المدينة قرب ملعب عفرين، ما أدى لإصابته بجلطة أودت بحياته. ولم تكتفِ المجموعة بوضع اليد على المحضر، بل أقدمت بعد وفاته على الاستيلاء على ثلاث آليات تعودُ له وهي: جرار زراعيّ نوع “بركيز” وسيارة نقل نوع “هونداي” وسيارة سياحيّة خاصة نوع “فيرنا”.
يذكر أنّه في 4/4/2020 داهم المسلحون منزله، ونهبوا منه مقتنيات ثمينة وكميات من الذهب والمال، واختطفوا أولاده، وهم حفيده رفعت سيدو (٢٧ عاماً)، وشرفان سيدو (٢٤ عاماً)، وسيف الدين سيدو (٥٥ عاماً). وعُرف أنّه تمَّ سجنهم بقرية كفرجنة بناحية شرا، كما لوحق أخوته لتحصيلِ المزيدِ من المال
ــ المواطن منير ربيع
في 30 مايو/أيار 2020، توفي المواطن منير ربيع قهراً لدى تلقيه خبر ميليشيا” سمرقند” على منزله/فيلا، في قرية روتا/روطانلي التابعة لناحية ماباتا. والمواطن ربيع ينحدر من أصول عربيّة من مدينة حلب، وكان متزوجاً من سيدة كرديّة من قرية روتا، وكان قد لجأ إلى تركيا لدى تلقيه الخبر.
ــ المواطن نظمي رشيد عكاش
ــ ومن حوادث الوفاة قهراً أيضاً، ما وقع عصر الإثنين 25 أيار 2020، ثاني أيام عيد الفطر، مع المسنُّ العفرينيّ نظمي رشيد عكاش (٦٤ عاماً) من قرية موساكه بناحية راجو الذي توفي نتيجة أزمةٍ قلبيّةٍ إثر مشاجرة مع مستوطنين بسببِ رعيهم الأغنام في حاكورته القريبة من منزله. وقال رعاةُ الأغنامِ إنّهم حصلوا على إذنٍ من أمنيّةِ الفرقة التاسعة بالرعي في حقول الزيتون، اجتمع نحو عشرة أشخاص حول المرحوم وبادروا بالإساءة إليه وشتمه والتعرض له، ما أدى لإصابته بجلطة قلبية، واستشهد أثناء إسعافه إلى عفرين
يذكر أن عائلةُ المرحومِ اتهمتِ الرعاةَ المستوطنين بالتسببِ بالوفاةِ والتعرضِ له معنويّاً وجسديّاً، وتم نقلُ جثمانه ليعرضَ على الطبابةِ الشرعيّةِ.
ــ المواطن إسماعيل علو إسماعيل
في 20/7/2020 استشهد المواطن الكُردي “إسماعيل علو إسماعيل” الملقب “أبو عنتر” من أهالي قرية “خازيانا تحتاني” بناحية “موباتا/ معبطلي”، بعد شجار مع مسلحين فوجئ بوجودهم وهم يسرقون المحصول، وكان قد ذهب لقطاف السماق بعدما استكمل كل الإجراءات المطلوبة وحصل على الرخصة بجني محصوله، إلا أنّ المسلحين أساؤوا إليه وأشهروا السلاح عليه مهددين بقتله، وطردوه من أرضه. ولم تسمح الحالة الصحية للشهيد “إسماعيل” بتحمل وقع الحادثة عليه، والإساءة المتعمدة إليه، وهو يعاني من الارتفاع بضغط الدم، (أكثر من 21 مليمتر زئبقي) وكذلك ارتفاع السكر، وهي أسباب تؤدي للوفاة بنوبة قلبيّة بحال التعرض لضغط عصبيّ مفاجئ، ومع انهيار وضعه الصحيّ تم إسعافه إلى مدينة عفرين، ولكنه استشهد قبل الوصول إلى المدينة. وكان الشهيد “إسماعيل” مقيماً في مركز ناحية “جندريسه، ــ شارع ١٦ غرب سوق الهال (قديماً).
ــ المواطن عبد الرحمن عارف علوش
وُجد المواطن الكرديّ عبد الرحمن عارف علوش والدته عائشة (٤٥ عاماً) من أهالي ناحية شيه متوفياً صباح يوم السبت 6/6/2020 في منزله الكائن في ناحية شيه. ويذكر أنَّ مسلحي ميليشيا “السلطان سليمان شاه” (بالعمشات) مارست على المرحوم ضغوطاً نفسيّة قاهرة وعانى بنتيجتها صعوباتٍ ماديّة كبيرةً.
ــ المواطن منان كرو
توفي المواطن “منان كرو (75 عاماً) من أهالي ناحية جندريسه في عفرين، بعد تعرضه لجلطة قلبية بتاريخ 9/10/2020، وأكّد مقربون من المسن أن مسلحين، من ميليشيات الاحتلال اقتحموا منزله ليلاً وسرقوا أسطوانة الغاز وجهاز الراوتر، ومبلغاً وبسبب خوفه لم يصرخ، وبقي حتى الصباح في حالة احتضار ليتوفى بنوبة قلبيّة. وكان المواطن منان يعيش وحيداً، بعد التهجير القسريّ لأبنائه ولم يكن وضعه الصحيّ على ما يرام.
ــ المواطن محمد علي خليل
خرج الستيني محمد علي خليل قسراً من قريته كيلا التابعة لناحية بلبله/بلبل، أثناء العدوان التركيّ على عفرين، وتوجه إلى مناطق الشهباء، ومنها انتقل إلى مدينة حلب، ولكن وضعه الصحيّ تدهور وبلغ درجة الخطورة، الأمر الذي أشعره بدنو أجله، فطلب من عائلته إعادته إلى قريته مهما كلف الأمر، ليحظى بالموت على أرض الآباء والأجداد، ونزولاً عند رغبته قررت عائلته إرساله عبر طريق التهريب، ذلك لأنّ سلطات الاحتلال التركيّ والميليشيات التابعة له تمنع عودة المهجرين قسراً إلى الإقليم المحتل.
وفي سياق صفقة التهريب دفعت عائلة المسن محمد خليل مبلغ ألف دولار أمريكي لمسلحي ميليشيات الاحتلال التركي مقابل إيصاله من مدينة حلب إلى مدينة إعزاز المحتلة.
وصل المسن محمد خليل بتاريخ 6 نوفمبر2020 إلى قريته كيلا متعباً منهكاً بعد رحلة مضنية جداً احتمل فيها جسده الضعيف الذي اجتاحه المرض ألمَ المسير وحبس في قلبه أمنيات كبيرة عزيزة لم تتحقق، وبات ليلةً في قريته ولكنها كانت الأخيرة، فمع طلوع شمس اليوم التالي كانت روحه قد فاضت بهدوء وسكينة، فيما كانت نفسه مطمئنة راضية.
رحل المسن محمد علي خليل عن العالم، وقد تحققت آخر رغباته بالموت على تراب عفرين والدفن فيها
في مدينة حلب تتعمد العوائل أن تنزل جثامين المتوفين من أفرادها ضمن صناديق خشبية ويهيلون عليها التراب، على أمل أن يُخرجوها في يومٍ قادم ويصطحبوها معهم في رحلة العودة إلى عفرين ليدفنوها في تراب عفرين في قراهم إلى جانب قبور الآباء والأجداد.