عفرين بوست ــ خاص
لجأت معرفات محسوبة على ميليشيات الاحتلال التركيّ إلى تبرير عدد القتلى الكبير من مسلحي ميليشيا “أحرار الشرقية” الأخيرة في مواقع مختلفة وبخاصة في ريف منطقة الباب المحتلة، وفبركت أخباراً بمعلومات مزوّرة للترويج لإنجازات وهميّة.
قام مقاتلون من “مجلس الباب العسكريّ”، يوم الإثنين 24/11/2024، بتنفيذ عملية تسلل ليليّة نوعيّة وكبيرة على نقاط ميليشيا “أحرار الشرقية” في قرية البوهيج، واندلعت اشتباكات عنيفة أفضت إلى مقتل ١٥ مسلحاً وأسر ٥ آخرين. وكان منفذو العملية مقاتلات ضمن صفوف المجلس، استخدمن أسلحة خفيفة في العملية.
الخسارة البشريّة كانت كبيرة قياساً بالعمليات التي تنفذ من وقت لآخر، والتي تكون غالباً سريعة وخاطفة، وكثيرٌ منها عمليات قنص، إلا أنّ هذه العملية تضمنت اشتباكات مباشرة وسيطرة على مواقع الميليشيا، وقطع طرق الإمداد عن المواقع المستهدفة.
“تتبنى سلطات الاحتلال التركيّ في التعامل بين الميليشيات المسلحة سياسة المفاضلة بينها على أساس عرقيّ، فتدعم الميليشيات ذات السيطرة التركمانية بأفضل أنواع السلاح”
مفاضلة الميليشيات على أساس عرقيّ
كانت أصداء العملية واسعة بين صفوف مسلحي الميليشيات وتسببت بحالة صدمة بينهم بالإضافة إلى حواضنهم الاجتماعيّة، وأبرزت هذه العملية جملة حقائق صادمة أيضاً، أولها أنّ سبب زيادة عدد القتلى هو إحجام الميليشيات التركمانية من تقديم أدنى درجات المساندة والدعم رغم ضراوة القتال وإمكانية ذلك نظراً للمدة الزمنية الطويلة نسبيّاً التي استغرقتها العملية.
هذه المسألة تبرز حقيقة أخرى تتعلق بسياسة سلطات الاحتلال التركي التي تسعى إلى تقزيم كلّ الميليشيات ذات الأغلبيّة العربية وإنهائها تدريجيّاً وإظهارها قاصرة عاجزة مقابل تعظيم دور الميليشيات ذات السيطرة التركمانية، مثال تحالف ما يسمى “القوة المشتركة” والتي تضم ميليشيات “فرقة السلطان سليمان شاه/ العمشات وفرقة الحمزات”، إضافة إلى ميليشيا “فرقة السلطان مراد” ومن بعدها ميليشيات “فرقة السلطان محمد الفاتح” و”لواء المنتصر بالله”.
سبق أنّ أسندت أدواراً للميليشيات ذات السيطرة التركمانية، وزجتها سلطات الاحتلال التركيّ في صراعات مسلحة ضد ميليشيا “الجبهة الشامية” لتقزيمها وطردها من مدينة عفرين، وإنهاء ميليشيا “لواء صقور الشمال” وفرضت عليها حلّ نفسها. كما اشتبكت ميليشيات “القوة المشتركة مع مسلحي “أحرار الشرقية” في شارع الفيلات في مدينة عفرين وأماكن أخرى في المنطقة.
ويشكل سجل ميليشيا “أحرار الشرقية” الأسود في مجال حقوق الإنسان في عفرين وسري كانيه، وضم مقاتلين سابقين من “داعش”، وإدراجها على لائحة العقوبات الأمريكيّة، عوامل إضافيّة للمسعى التركيّ بإنهائها أو بالحد الأدنى استنزافها لأقصى درجة وإضعافها.
تتبنى سلطات الاحتلال التركيّ في التعامل بين الميليشيات المسلحة سياسة المفاضلة بينها على أساس عرقيّ، فتدعم الميليشيات ذات السيطرة التركمانية بأفضل أنواع السلاح، وتحجم عن تزويد ميليشيا “أحرار الشرقيّة” مثلاً بالسلاح الحديث. وقد أشار بعض أوساط المسلحين إلى أنقرة تريد أنّ نقاتل “قسد” بالحجارة والعصي” في إشارة إلى عدم توفر السلاح النوعيّ.
“عمدت العديد من المعرفات المحسوبة على الميليشيات المسلحة إلى تزييف الحقائق وفبركة معلومات لترميم المعنويات المنهارة والإيحاء بإنجازات ميدانيّة وقلب الحقيقة وتغطيتها بغربال من الأكاذيب”
تبرير الخسائر وتغطية الحقيقة بغربال الأكاذيب
الضربة كانت موجعة فعلاً والخسارة كانت كبيرة، وتسببت بموجة من الصدمة والارتباك، وأبرزت حقيقة حجم الميليشيات المسلحة عندما تخوض القتال وحدها دون دعم تركيّ، إلا أن ّ الميليشيات وكلّ المراجع السياسيّة المحسوبة لا تجرؤ على انتقاد سياسة أنقرة أياً كانت النتائج، وقد تدفق سيل من بيانات التعزية بمقتل عناصر “أحرار الشرقية”، تضمنت التهديد والوعيد بالثأر والانتقام للقتلى.
عمدت العديد من المعرفات المحسوبة على الميليشيات المسلحة إلى تزييف الحقائق وفبركة معلومات لترميم المعنويات المنهارة والإيحاء بإنجازات ميدانيّة وقلب الحقيقة وتغطيتها بغربال من الأكاذيب.
فوصف بعضها ما جرى بالمجزرة، ومعلوم أنّ هذا المصطلح لا يستخدم أبداً في سياق العمليات العسكرية والاشتباكات المسلحة التي يكون فيها القتلى مقاتلين ومسلحين، ويقتصر على الحالات التي يتم فيها استهداف مدنيين عزل.
كما زعم الاعلام الموالي للميليشيات المسلحة أنّ سبب الضربة الموجعة التي تلقتها ميليشيا “أحرار الشرقية” استخدام مقاتلات “قسد” لأسلحة حديثة أمريكيّة الصنع. وقالت إنّ واشنطن تدعمها بأسلحة حراريّة متطورة مزودة بكواتم صوت وخافٍ للهب وألبسة ميدانيّة خاصة لا تعكس الحرارة، ما يصعب ملاحظة عمليات التسلل فتتحقق بذلك المباغتة فور وصولهم إلى النقاط العسكريّة.
الترويج لإنجاز ميداني بمعلومات مزورة
كما لجأت معرفات محسوبة على الميليشيات المسلحة إلى تزوير الحقائق، وتداولت خبراً مفبركاً تضمن معلومات مزوّرة، وادّعت مشاركة كلٍّ من الشهيدين محمد عارف حج محمود والمقاتل شيار خليل رشو في الاشتباكات التي اندلعت في منطقة الباب ليلاً يوم الأحد 24/11/2024، فيما كان قد تم إعلان استشهادهما في ظروف مختلفة، خلال ساعات النهار.
وفي فصلٍ ثانٍ من التزوير زعمت معرفات الميليشيات أنّ أربعة مقاتلين من “قسد” قتلوا في الاشتباكات التي دارت ليلاً في قريتي كفر كلبين وكفر خاشر في 23/11/2024، ونشرت صورة مشتركة لهم كان إعلام قوات سوريا الديمقراطية قد نشرته وذكر سجل المقاتلين، وأنّهم قضوا في أربع حوادث مختلفة وفي أربع مواقع مختلفة وتواريخ غير متطابقة، على النحو التالي:
فراس مُحمَّد بيجو (هوكر رِقَّة)، استشهد بانفجار لغم من مخلّفات تنظيم “داعش” الإرهابيّ، في قرية قره موغ – كوباني بتاريخ 21/11/2024 وتم تشييع جثمانه في الرقة في 23/11/2024.
مُحمَّد علي عبّاس (حقي قامشلو) استشهد بحادث في الحسكة بتاريخ 22/11/2024.
أحمد عوّاد الرحّال (ريزان)، استشهد بانفجار لغم في بلدة العزبة – دير الزور بتاريخ 21/11/2024.
محمود مُحمَّد قره تاش دلشير باكور، استشهد بحادث سير في قرية شيخلر/ الشّيوخ – كوباني بتاريخ 21/11/2024″، ودفن نهار 23/11/2024.
وظهر الارتباك جلياً في خبر تداولته معرفات المسلحين، يتضمن مقتل وإصابة عددٍ من مسلحي ميليشيا “الحمزات” في ريف سري كانيه، فقالوا إنهم قتلوا في عملية تسلل لقوات سوريا الديمقراطية، وقيل أيضاً أنّ أربعة مدنيين قُتلوا بقصف صاروخيّ لقوات سوريا الديمقراطية، وكانوا قد زعموا أنّ عائلة قضت بانفجار لغم في منزل. وفي الحالات الثلاثة أُرفق الخبر بالصورة نفسها.