نوفمبر 14. 2024

أخبار

إتاوات وقرارات “القوة المشتركة”، إلغاء الوكالات مثالاً… تثبيت للاحتلال والتغيير الديمغرافي

عفرين بوست- خاص

يتحسر “محمد علي” على فقدانه بساتين الفاكهة التي عمل على غرسها وخدمتها منذ نعومة أظافره ليهنأ بها في كبر سنه، فالاحتلال التركي لعفرين دفعه للهجرة القسرية عن قريته، وترك أملاكه الواقعة في قرية “عيندارا” ليشرف عليها أقرباؤه، واليوم باتت أملاكه كاملة تحت سطوة ميليشيا “فرقة الحمزات”، تتصرف بها كما تشاء، بعد إصدارها قرارات تلغي نظام الوكالات، فما قصة هذا القرار؟

منذ ما يقارب السبع سنوات تحاول تركيا شرعنة احتلالها لعفرين عبر تأسيس ما يسمى المجالس المحلية وفروع لمؤسسات تتبع لما تسمى “الحكومة السورية المؤقتة”، التي يديرها الائتلاف السوري المعارض، إلا أن سطوة السّلاح وإطلاق تركيا يد الميليشيات في عفرين المحتلة وبالتحديد تلك الميليشيات التركمانية (القوة المشتركة) لتعمل على سنّ قوانين خاصة بها بهدف الاستيلاء على ممتلكات الكُرد وجمع المال عبر الإتاوات.

ما حصل في قرية “كاخره”، يوم أمس الإثنين، من تظاهرة لمدنيين عزل، كرد فعل طبيعي من الأهالي ضد هذه القرارات وفرض الاتاوات من قبل ميليشيا “فرقة السلطان سليمان شاه- العمشات” المسيطرة هناك، والتي تسببت في بجرحى بين أهالي القرية.

ما هو نظام الوكالات؟

بالعودة لنظام الوكالات الذي فرضته ما تسمى المجالس المحلية على أبناء عفرين الأصليين، وكان هدفها في بادئ الامر عمل إحصاء للممتلكات وحصر اعداد أبناء عفرين المهجرين قسراً لغايات استخباراتية خاصة بالدولة التركية، إلا ان الجانب الإيجابي من ذاك النظام كان قدرة ذوي المهجرين من الدرجة الأولى إدارة أملاك أقربائهم، لاسيّما حقول الزيتون والبساتين والأراضي الزراعية، وعادة ما كان يحدث هذا النوع بالتراضي بين الطرفين، باستثناء المنازل والشقق التي كان يتم الاستيلاء على بعضها بحجة إسكان المستوطنين القادمين إلى عفرين فيها، ، ويدفع بموجب نظام الوكالات أبناء عفرين مبالغ مالية لتلك المجالس كنوع من الضرائب بحسب مساحة الممتلكات والعقارات، ناهيك عما كان يفرض عليهم من اتاوات لصالح الفصائل والميليشيات المسيطرة في كل منطقة على حداً.

مع مطلع العام 2024، فرضت ميليشيا العمشات والحمزات في المناطق التي تسيطران عليها، قراراً استثنائياً يلغي نظام الوكالات، وبالتالي مصادرة الأملاك التي كان ذوي الغائبين يديرونها سابقاً، وفرضت عليهم شرط دفع بدل الاستئجار أو ضمان الموسم للمكاتب الاقتصادية التابعة لتلك الميليشيات، وذلك كون هذه الأملاك المصادرة باتت ملك لتلك الميليشيات أو يتم توزيعها على المستوطنين، وهنا المعضلة الكبرى، أن بدل الإيجار للمستوطنين هو رمزي.

فقد كامل أملاكه

“محمد علي” القاطن في الشهباء منذ عام 2018، وكَّل أولاد شقيقه بإدارة أملاكه (1500 شجرة مثمرة موزعة على 4 هكتارات من الأراضي وعدد من حقول الزيتون)، يقول “همي الوحيد في ظل النزوح كان هو الحفاظ على أن تبقى أشجاري التي زرعتها بيدي خضراء، الاستفادة المادية غير مجدية في ظل الاحتلال، مصاريف الإنتاج عالية والمردود قليل، والضرائب والاتاوات في تزايد، لذا كنت أوصي أولاد أخي برعاية الأشجار والحصول على الإنتاج لأنفسهم”.

لكن مع بداية هذا العام وضعت ميليشيا الحمزات التي تدير المناطق الواقعة بين عفرين وصولاً إلى باسوطة والغزاوية، يدها على تلك الأشجار، ومنعت أولاد شقيقه من إدارتها، ولكي تبرر هذا الفعل أصدر المكتب الاقتصادي الذي يتخذ من بلدة باسوطة مركزاً له قراراً برفض كافة أشكال الوكالات بحجة أنها صادرة من النظام السوري، رغم أن هذه الوكالات قد صدقت من المجالس المحلي التي شكلها الاحتلال التركي بعيد احتلال عفرين بفترة، وهنا باتت هذه الميليشيات المتحكم الأساسي بكل شيء، ورغم شكوى قدمها بعض مخاتير القرى الواقعة تحت احتلال هذه الميليشيات للمجالس المحلية، إلا أنّ الأخيرة لم تتخذ أي إجراء.

إلغاء نظام الوكالات أضرّ بالأهالي كثيراً مالياً واجتماعياً، فغالبية الأهالي بدأوا مع بداية فصل الشتاء بالتحضير للموسم الزراعي الجديد وتمثلت بعمليات الفلاحة والتسميد الشتوي ورش المبيدات الوقائية، ناهيك عن تغيير الملكيات والاستيلاء على تلك الممتلكات بشكلٍ كامل، إذ ما بقي الوضع والاحتلال في عفرين مدة أطول، وهذا سيدخل في خانة تثبيت التغيير الديمغرافي في عفرين بتخطيط تركي.

سلبوا أملاكها أمام عينها

هناك مئات الحالات التي تم فيها الاستيلاء على ممتلكات الأهالي بهكذا قرار، وشملت هذه القرارات ناحية شيه/شيخ الحديد وجنديرس بشكلٍ كامل وأجزاء من ناحية موباتو/معبطلي وراجو وأجزاء من ناحية شيروا، وهذه المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات تركمانية “القوة المشتركة (الحمزات والعمشات)”.

في قرية “قوبيه” التابعة لراجو، هناك عدة حالات استيلاء، السيدة فاطمة عشونة، ذات الثمانين عاماً والتي تقطن في قريتها برفقة ولدها زكريا.

ذكر مصدر في القرية أنّ ميليشيا الحمزات فرضت على السيدة فاطمة التنازل عن 200 شجرة زيتون لصالحها، بحجة أنّ هذه الأملاك تعود لأبنائها المهجرين خارج عفرين.

ميليشيا “المنتصر بالله” تُسيطر على قرية “قوبيه”، ولكن جزء من أملاك فاطمة تقع ضمن حدود قرية “بربنه” المجاورة والتي تسيطر عليها الحمزات، وبالفعل استولت على 200 شجرة عائدة للسيدة فاطمة وحرمتها من موسم هذا العام.

في ناحية شيه أيضاً، ذكرنا في تقرير سابق قصة “علي الأحمد” اسم مستعار لمزارع في ناحية شيه/شيخ الحديد، وجاء فيه “كنت أشرف وأعتني بخمسمائة شجرة زيتون تعود ملكية 250 منها لشقيقين، قبل خمس سنوات تم تثبيت هذه الأشجار ضمن المكتب الاقتصادي التابع للعمشات ودفعت ما يترتب عليه من ضرائب وإتاوات بشكلٍ دوري”.

منذ فترة ليست بالبعيدة فرضت العمشات على علي كف اليد عن أملاك أشقائه، بدعوى أنها أملاك لأشخاص يعملون مع الإدارة الذاتية، وهم خارج عفرين، ودفع “علي” ما مقدار 900 دولار أمريكي كتكاليف للعناية بهذه الأشجار منذ فصل الشتاء إلى اليوم، وبات اليوم مضطراً لترك العناية بأملاك أشقائه حفاظاً على حياته وممتلكاته، ويقول “لا أستطيع الرفض، فإن رفضت ستكون العاقبة علينا وخيمة وربما أفقد كل شيء وأضطر للهجرة القسرية مثل أشقائي”.

أسباب سياسية أما مادية؟

هذا القرار والكثير من القرارات التي تفرضها الميليشيات لا تأتي من فراغ بلاشك، فالغاية الأساسية من تشكيل هذه الميليشيات وبسط يدها في عفرين المحتلة هي تنفيذ أجندات تركيا الاحتلالية وتثبيت التغيير الديمغرافي في عفرين، وهنا نستطيع ربط السياسة بالمال، فبدل الإيجار للأملاك المستولى عليها رمزي بالنسبة للمستوطنين، في حين أنه يقدر بعشرة أضعاف لذوي المهجرين، وهذا إجراء يهدف لإحداث فرق اقتصادي واضح بين المستوطنين وأبناء عفرين الأصلاء، وفي المستقبل القريب سيكون هذا الفرق واضحاً ويسمح للمستوطنين بالاستملاك والبقاء الطويل الأمد في عفرين، وهو تثبيت مباشر للتغيير الديمغرافي الذي تسعى تركيا له منذ اليوم الأولى لاحتلالها عفرين.

والسبب الآخر هو سعي هذه الميليشيات لجمع أكبر قدر من المال مع التغيرات السياسية للدول العربية وعزوفها عن دعم ما تسمى المعارضة السورية بشكلٍ مباشر بالمال، وبالتالي تتعمد هذه الميليشيات لسلب الأهالي أموالهم وتحويل تلك الأموال إلى تركيا وبناء المشاريع الاقتصادية هناك، إذ تقدر الأرصدة المالية لقادة الميليشيات الموالية لتركيا بملايين الدولارات، وهذه الأرصدة تدعم الاقتصاد التركي بشكلٍ مباشر.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons