يوليو 05. 2024

أخبار

إغلاق شركات الراوي في تركيا… كلمة سرّ بين دمشق وأنقرة

عفرين بوست- خاص

يتخوف السوريون في شمالي وشمال غربي سوريا من أن تتأزم الأوضاع المالية والاقتصادية في تلك المنطقة التي يتحكم بها تركيا بكل مفاصل الحياة، بعد إقدام أنقرة على تقييد عمل شركات مالية كبيرة مرخصة بأسماء رجال أعمال سوريين وتعمل على تحويل الأموال بين الخارج والداخل السوري؛ الأسباب التي دفعت تركيا لهذا الإجراء مبهمة ومتعددة يعزيها سوريون إلى سياسات تركية جديدة وأخرى متعلقة بصفقة بين النظام السوري وتركيا.

لم تتبلور بعد صورة واضحة حول الدوافع الحقيقية وراء إغلاق تركيا تلك الشركات وتجميد أصولها، منها “شركة الراوي للتحويلات المالية والصيرفة” و”شركة غرانتي للذهب” العائدتين لعائلة الراوي و”شركة حبوش”، واعتقلت مسؤولي وبعض موظفي تلك الشركات، بالإضافة إلى مصادرة أكثر من 50 مليون دولار أمريكي وتجميد أصول تصل إلى 350 مليون دولار أمريكي كانت تضخ في السوق السوداء كتحويلات تجارية بين الخارج والداخل السوري.

شركة الراوي؟

بدأت شركة الراوي التي تأسست عام 2005 في سوريا كشركة للصرافة والتحويلات المالية عملها بشكلٍ خجول في سوريا، لكن المعلومات التي نشرتها بعض المصادر الإعلامية تقول أن شركاء عراقيين ساهموا في العمل على تأسيس شركات عابرة للحدود بين العراق وسوريا إبان حكم صدام الحسين في تسعينات القرن الماضي بهدف التهرب من العقوبات الغربية على النظام العراقي، لتتوسع أعمال الشركة في العراق بأسماء عدة بعد ظهور تنظيم القاعدة وداعش وتمويلها المباشر والغير المباشر للتنظيم؛ في سوريا ترأس مؤسس الشركة فواز الراوي مالية تنظيم داعش إلى أن قتل بصاروخ موجه أمريكي، ليغدوا ابن عمه عبد الرحمن الراوي هو المسؤول عن أعمال الشركة وبدأ بإدارتها من تركيا بعد عام 2018.

في منتصف 2019، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على عبد الرحمن الراوي وشركته بتهمة تمويل داعش، لكن الحكومة التركية لم تحرك ساكناً وقتها ولم تلاحق الشركة إلّا في عام 2020، إذ اعتقلت السلطات التركية مدير الشركة عبد الرحمن الراوي لفترة وجيزة بحجة عدم رد الشركة على خطابات بنك “زراعات” التركي الذي طلب مرات عدة توضيحاً من الشركة عن حجم الأموال المدارة بين سوريا والعالم عبر تركيا.

صفقة سرية

بعد أسابيع من اعتقال الراوي في عام 2020، تمّ الإفراج عنه، لتبدأ الشركة في توسيع أعمالها والدخول في تجارة الذهب والعقارات والاستثمار في مجالات تجارية عدة، إضافة لنشاط ملحوظ في تهريب البشر بين تركيا وأوروبا، ووفق بعض المصادر المطلّعة على الترتيبات السرية التي تمت بين الشركة والحكومة التركية، توسّع نفوذ الشركة لتغدوا كبنك مركزي للعملة الصعبة في السوق السوداء، والتي تتجاوز تحويلاتها اليومية لـ 50 مليون دولار أمريكي أي ما يعادل مليار ونصف المليار دولار امريكي شهرياً.

اقتصادياً تعتبر هذه الشركات العاملة في السوق السوداء مضرة بالاقتصاد التركي الرسمي، إذ لم تلتزم بالتعليمات التركية، لكن في الحالة الراهنة تم عقد صفقات سرية بين تركيا والشركة (الراوي) وبهذا بدت هذه الشركة كذراع غير رسمي للحكومة التركية لتصريف العملة الصعبة في الشمال السوري الواقع تحت النفوذ التركي، والعمل على دعم الليرة التركية التي يتم تداولها بشكلٍ رسمي في تلك المناطق.

ما الأسباب؟

يُشير الناشط والصحفي السوري نديم غنوم خلال بث مباشر حول تداعيات التغير التركي المفاجئ تجاه شركة الراوي على منصة اليوتيوب، إلى أن الأسباب هي سياسية بحتة وتهدف تركيا من ورائها إلى بسط سيطرتها أكثر على الشمال السوري وتهيئة الأرضية المناسبة لإبرام أي صفقة مستقبلية مع النظام السوري برعاية روسية مباشرة، وذهب أبعد من ذلك متوقعاً أن تشمل الخطوات القادمة تحديد بقاء السلاح في أيدي فصائل محددة وسحبه من خطوط التماس.

وأشار غنوم ونشطاء آخرون إلى أنّ المبالغ التي تمّت مصادرتها وتجميدها تعود غالبيتها إلى قادة الميليشيات وبعض السياسيين السوريين من ضمنهم هادي البحرة (يقدر قيمة الأصول المجمدة له بــ 8 مليون دولار)، وهذه الأرقام تدل على أنّ تركيا تتجه إلى نوع جديد لممارسة الضغط على المعارضة السورية المرتهنة لها.

ترابط وثيق

بعد أيام فقط من هذا الحدث، خرج بعض الأهالي في مدينة الباب بشمالي سوريا في تظاهرة ضد أنباء كانت مؤكدة عن دخول وفد روسي برفقة قوى أمن تركية للكشف على نقاط التماس بين مناطق النظام السوري والمناطق المحتلة، وحجة تركيا في دخول الوفد الروسي كانت أن الوفد تقني وجاء للاطلاع على وضع المياه في أعزاز وريفها، لكن المعلومات التي سربتها الجهات الخدمية المسؤولة عن قطاع المياه في أعزاز نفت أي تواصل مباشر معهم في هذا الصدد، مما يُشير إلى ترابط مباشر بين ما تعمل تركيا عليه وبين دخول الوفد الروسي للشمال السوري.

وليست صدفةً، قيام السلطات التركية بسحب الجنسية من بعض السوريين المجنسين خلال فترة الأزمة السورية دون توضيح أسباب مقنعة لسحبها.

وكانت بعض الصفحات المقرّبة من النظام التركي أشارت إلى أنّ تركيا عمدت إلى إغلاق شركة الراوي تحت بند دعمها لمنظمات إرهابية، في إشارة إلى داعش، وكخطوة للتقارب مع أمريكا، لكن الحقائق على الأرض تقول عكس ذلك، إذ أن قرار الخزينة الأمريكية بفرض العقوبات على شركة الراوي صدر عام 2019 بعد تتبع التحالف الدولي سير الأموال بين تركيا وسوريا والعراق عبر هذه الشركة وشركات أخرى متعاونة معها، وبهذا لم تخطو تركيا أي خطوات جدية لوقف نشاط الشركة على أراضيها، بل على العكس قدّمت التسهيلات لعملها وتوسيع نطاقه ضمن تركيا والشمال السوري.

تأثيرات القرار على السوريين

على أرض الواقع، تأثر أهالي الشمال السوري من القرار التركي هذا، إذ ترافق القرار مع قرب عيد الأضحى، الأمر الذي دفع ببعض الشركات العاملة مع شركة الراوي لتخفيض المبالغ المالية المحوّلة والبعض أغلق محلاته، لكن الشركات التي كانت تعمل بمعزل عن الشركة المصادرة لم تتأثر كثيراً، والحال ذاته في بعض المناطق العراقية نتيجة تداخل أعمال الشركة بين البلدان الثلاثة (سوريا، العراق، تركيا).

ويقول مدير شركة صرافة محلية (الجديد- اسم افتراضي) في الشمال السوري فضل عدم كشف هويته أن قرار إغلاق شركة الراوي ليس له علاقة بالجانب الاقتصادي، إذ أن تأثيره سيكون مرحلياً وخفيفاً على سوق العملات في الشمال السوري أو باقي المناطق السورية، لذا يرجح أن يكون الغرض الرئيسي لمثل هذا القرار في هذا التوقيت سياسياً وليس اقتصادياً.

بنك أسود

تُشكل إسطنبول اليوم الركيزة الأساسية لنقل الأموال من أوروبا إلى سوريا رغم وجود مناطق أخرى قد تلعب الدور ذاته كأربيل أو دبي، لكن تظل تركيا هي الركيزة الأساسية وفق للمدير.

“بعض افراد المعارضة وقادة الفصائل وبعض السياسيين يملكون ملايين الدولارات في أرصدة ضمن سوق العملات السوداء” هذه المعلومة التي قالها مدير شركة الصرافة تتطابق مع ما نشره بعض النشطاء عن أرقامٍ كبيرة لأرصدة بأسماء بعض قادة الميليشيات.

 تشكل شركة الراوي إحدى أهم الشركات التي يمكن اعتبارها كـ”بنك مركزي للسوق السوداء”، كما اسماه مدير شركة (الجديد) ويتابع “بناء عليه، إن هذه الشركة لا يمكنها العمل ضمن دولة كتركيا بدون تنسيق مع الحكومة التركية”.

يؤكد المدير على أنّ “غالبية هذه الشركات كانت تدعم الإرهاب”، في إشارة إلى شركة الراوي وحبوش وغيرها من الشركات التي تم إغلاقها في العراق سابقاً، ويتابع حديثه عن الأسباب المتوقعة لفعلة تركيا هذه بالقول “أمريكا وضعتها على لائحة العقوبات، وبهذا تحركت تركيا لإغلاق هذه الشركة لأسباب عدة، أولاً سياسياً لإيهام العالم أنها تقف إلى جانب أمريكا في محاربة الإرهاب، ثانياً للاستيلاء على المبالغ المالية الضّخمة والعائدة بغالبيتها لقادة الفصائل والسياسيين الذين تحولوا إلى مالكين لأصول تجارية ومالية كبيرة”.

هل من بديل؟

ولا يرى الاقتصاديون ومن ضمنه مدير شركة الجديد أن يكون هناك تأثير مباشر لإغلاق شركة الراوي “لن تؤثر على سوق الحوالات بشكل كبير، لكن سيسبب جموداً في مجال الحوالات نتيجة فقدان الثقة بالشركات الراهنة”.

لكنه توقع أن يعود الاستقرار إلى سوق العملات مع توفر البدلاء، وبطبيعة الحال لن تترك تركيا بصفتها الوصية على الشمال السوري السوق بدون تدخل، وستعمل على خلق البديل المناسب أو إعادة تدوير الراوي بشكلٍ جديد أو وفق اتفاقات جديدة للتحكم بالسوق السوداء واستثمارها في إطار السياسة التركية.

وينوه مدير الشركة المحلية إلى أنه ثمة أمر آخر هام، وهي “أن الحكومة السورية وعبر عملاء ماليين كانت تستثمر في السوق السوداء ملايين الدولارات، وشركة الراوي كانت إحدى الاستثمارات الغير المباشرة في هذه السوق، لذا سيتأثر اقتصاد النظام السوري أيضاً في هذا الأمر بشكلٍ طفيف، وربما تكون بعض الأموال المجمدة عائدة للحكومة السورية تحت أسماء التجار والمستثمرين.

من خلال ربط ما سبق من معلومات يمكننا الاستنتاج بأنّ تركيا تتجه نحو مرحلة جديدة من سياستها الإقليمية وتواجدها في سوريا وسط حديث عن وساطة عراقية لتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، ووجود تفاهمات روسية تركية سابقة، وأن القرارات التركية المتعلقة بسحب الجنسية من بعض السوريين وإغلاق شركات الصرافة تصب في منحى تطبيع العلاقات التركية مع دمشق أولاً وزيادة بسط النفوذ التركي وإعطاء الصلاحيات لميليشيات محددة في الشمال السوري على حساب باقي فئات الشعب السوري في المنطقة الخاضعة للاحتلال التركي ونفوذه.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons