عفرين بوست ــ متابعة
تداولت مواقع إخبارية أنّ “وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة” قد وقعت مع الأمم المتحدة على خطة عمل في إطار اتفاقية منع تجنيد الأطفال، وفقاً لمقتضى قرار مجلس الأمن 1539 لعام 2004 والقرارات اللاحقة.
تمّ توقيع الخطة في 3/6/2024 ويُفترض أن تُلزم ميليشيات “الجيش الوطني السوري” و ”أحرار الشام” و ”جيش الإسلام” والميليشيات المتحالفة معها بإنهاء ومنع تجنيد واستخدام وقتل الأطفال وتشويههم، وإصدار أوامر بهذا الصدد، وتحديد الأطفال الموجودين حالياً في صفوفها وتسريحهم بحسب بيان لمكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والصراع المسلّح في الأمم المتحدة. وتنطبق الخطة على كل الميليشيات الجديدة أو التي تنسحب من صفوف “الجيش الوطني” بعد التوقيع.
بعد توقيع الاتفاقية تم تداول سؤال عريض، هل ميليشيات “الجيش الوطنيّ” ستلتزم بمضمون الاتفاق؟
في محاولة للهروب من الإجابة على هذا السؤال، استبشرت مواقع محسوبة على المعارضة والميليشيات المسلّحة بتوقيع الاتفاقية، ولكن ليس لجهة التوقيع والأمل بوضع حدٍّ لتجنيد الأطفال، بل اعتبرت مجرد التوقيع إنجازاً، ينطوي على اعتراف ضمنيّ من مؤسسة دوليّة بمكونات ما يسمى “الجيش الوطنيّ”، وذهبت للقول إنّ الاتفاقية تم توقيعها في إطار “مؤسساتيّ”، وأنّه ينظر إلى “الجيش الوطنيّ” على أنه “جيش نظاميّ”.
الحقيقة أنّ الاتفاق جاء كأمر واقع، فبعد استفحال الظاهرة على مدى سنوات اقتضت الضرورة إيجاد أيّ إطار قانونيّ يمنع تجنيد الأطفال، ومسمّى “الجيش الوطنيّ” هو أمر واقع ومجرد واجهة للميليشيات، يؤكد ذلك تأخر توقيع الاتفاق إلى ما بعد 13 سنة من عمر الأزمة السوريّة، والأطفال الذين تم تجنيدهم خلال تلك السنوات أضحوا بالغين اليوم.
وفقاً لهذا المعطى فإنّ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تكون قد كسبت سباق الإقرار الدوليّ، فقد وقعت بتاريخ 3/7/2019، في مقرّ الأمم المتحدة في جنيف، اتفاقية حول منع تجنيد الأطفال دون سن الـ18. ومعلوم أنّ “قسد” أقرب في هيكليتها إلى الجيوش النظاميّة، بمركزية قيادتها والتزامها وانضباطها، بينما “الجيش الوطنيّ” اسم يُطلق على العديد من الميليشيات المختلفة والمتناحرة، ومن وقتٍ لآخر تبرز تحالفات فيها لتواصل الاقتتال الفصائليّ، وهي في نشأتها وتأسيسها وتمويلها استندت إلى عوامل وأطراف خارجيّة، والانشقاق قانون دائم فيها.
تجنيد الأطفال وضمها إلى صفوف الميليشيات التابعة لتركيا جاء بهدف رفدها بأعداد إضافية من حملة السلاح، وكان لافتاً قبول اليافعين وبخاصة بعمر 16ــ17 سنة، والذين سرعان ما يبلغون سن الرشد وهم يقاتلون، وجاء ذلك في ظروف الحاجة والفقر، ويعمد الأهالي إلى تزوير بيانات أبنائهم وإخفاء تواريخ ميلادهم، وهم ممن سبق أن تسرّبوا من المدارس ولم ينالوا القسط الكافي من التعليم ولم تتسن لهم فرص العمل، ليكون التجنيد وسيلة عيش وإعالة.
بذلك فإنّ توقيع الاتفاق فرضته الضرورة كمسعى من المنظومة الدوليّة للحدّ من تجنيد الأطفال، وكانت الاتفاقية صيغة تحميل مسؤولية، وليس إقراراً، ووفق المعطى السياسيّ فإنّ المنظومة الدوليّة ليست في وارد توقيع شهادات إقرار لميليشيات مسلّحة.
تجنيد الأطفال وإرسالهم كمرتزقة إلى ليبيا
في 7/12/2022 أصدرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية تقريراً بعنوان “حركة التحرير والبناء مستمرّة بتجنيد الأطفال”، وقالت: “منذ مطلع العام 2022، قامت فصائل تنضوي ضمن الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا بتجنيد ما لا يقل عن 40 طفلاً وإخضاعهم لمعسكرات تدريبية جنباً إلى جنب مع المنتسبين الجدد البالغين، وتمّ التلاعب ببيانات وأعمار أولئك الأطفال وتسجيلهم ضمن ديوان/ذاتية الفصائل على أنهم قد بلغوا بالفعل سن الثامنة عشرة.
وأكّدت المنظمة أنها حصلت على بيانات 17 طفلاً مجند لصالح “حركة التحرير والبناء”، تمّ التلاعب ببياناتهم الشخصية مرّة من قبل الفصائل التي تجندهم، ومرّة من قبل الأهل الذين قدموا أوراق ثبوتية/هويات شخصية مزوّرة أو فيها معلومات مغلوطة. تم استصدار تلك الهويات من مراكز السجل المدني التابعة للمجالس المحلية التي أنشأتها تركيا في عموم مناطق نفوذها.
وأشارت المنظمة إلى أنّ فصائل “أحرار الشرقية” و”الفرقة 20″ و”جيش الشرقية” ضمّت 800 مقاتل جديد إلى صفوفها منذ مطلع عام 2022 لغاية إعداد التقرير، وتقدر نسبة الأطفال المجندين لديها بنحو 40%.
وكانت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد نشرت في 31/8/2021 تقريراً بعنوان “استمرار تجنيد ونقل أطفال سوريين إلى ليبيا رغم المطالب بإخراج المرتزقة”، وقالت فيه إنّه تمّ توثيق حالات تجنيد جديدة منذ مطلع العام 2021 ورصد وجود مالا يقل عن 55 طفلاً تحت سن الثامنة عشر ضمن مواقع مختلفة، في المناطق الخاضعة لسيطرة “حكومة الوفاق” الليبية سابقاً، منها “مطار معتيقة الدولي” و”مخيم النازحين” بالقرب منه، و “معسكر الصاحبة” و “مشروع الهضبة” و “مخيم النعام”.
وفي تقريرٍ سابق نشرته بتاريخ 5/5/2020، حول تجنيد الأطفال، بيّنت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة“ أن الانتهاكات بحق الأطفال تجري في جميع أراضي سوريا من قبل أطراف النزاع كافة، ولكن بوتيرة ونسب مختلفة. ووفقاً للتقرير، جنّد “الجيش الوطنيّ” المدعوم من تركيا، عدداً من الأطفال في صفوفه، عقب العدوان على منطقتي “رأس العين/ سري كانيه، وتل أبيض” في أكتوبر 2019.
وفي بيان صادر عن اللواء سليم إدريس “وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة ورئيس هيئة الأركان”، في 19/5/2020، منع “الجيش الوطني” تجنيد وقبول تطوع أي شخص دون سن 18 عاماً في صفوفه، وتسريح متطوعين سابقين في حال وجودهم قبل تاريخ القرار؛ ولكن تلك التعليمات لم تُنفذ ورُصدت بعدها عشرات حالات تجنيد الأطفال.
عقوبات أمريكية بسبب تجنيد الأطفال
في 1/7/2021 نشرت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً بعنوان “الاتجار بالبشر عام 2021” قالت فيه إنّ تركيا تقدم دعماً ملموساً لـ”فرقة السلطان مراد”، وأنّ أنقرة تؤيدها منذ زمن طويل وأنّ الفرقة قامت بتجنيد واستخدام الأطفال كمقاتلين. وقال مسؤول بوزارة الخارجيّة الأمريكيّة: “أما تركيا… هذه المرة هي الأولى التي يتم فيها إدراج عضو في الناتو على قائمة قانون منع استخدام الأطفال الجنود”. وأضاف: إنّ لتركيا صلة كذلك بعمليات تجنيد أطفال في ليبيا، مضيفاً أنّ الولايات المتحدة تأمل في العمل مع الطرف التركيّ على حلّ هذه القضية.
وأضافت الولايات المتحدة تركيا إلى القائمة مرة أخرى في 2023، بعد غياب لعام. وتحجب الولايات المتحدة أنواعا معينة من المساعدة العسكرية عن الحكومات المدرجة في القائمة لاستخدام الأطفال في قواتها أو دعم الميليشيات التي تُجند الأطفال.
عام 2019، صُنّفت سوريا من بين أكثر الدول خطورة على الأطفال، بالإضافة إلى أفغانستان والعراق والكونغو ونيجيريا ومالي، وأوضح تقرير صادر عن منظمة “أنقذوا الأطفال“، في 20/11/2020، أنّ واحداً من بين كلّ خمسة أطفال يعيش في مناطق نزاعات أو مناطق مجاورة لها.
ووفق المادة الرابعة من البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية “حقوق الطفل في القانون الدولي”، يمنع تجنيد الأطفال في القوات المسلّحة أو استخدامهم في الأعمال القتالية دون سن الـ18، فيما يُعدُّ تجنيدُ الأطفال دون سن الـ15 “جريمة حرب”.