عفرين بوست- خاص
أكثر من مليون شخص تم إسكانهم في بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها الكلية 18.500 كيلو متر مربع، بعد تهجير غالبية سكّانها الأصلين، لدرجة بات أبناء المنطقة الأصلاء يشعرون بالغربة في أرضهم؛ نعم هي عفرين، حيث وصلت خطط تركيا لتغيير هويتها وديمغرافيتها ببناء أكثر من 40 مستوطنة لسوريين يعملون وفقٍ أجنداتها السياسية والعسكرية في الجغرافية السورية، بل زادت عليه بتغيير الثقافة والعمران، لتغدوا المنطقة في المستقبل القريب مغايرة عن تاريخها وثقافتها الكردية، فماذا تعرف عن مخطط تركيا الاستيطاني في عفرين والشمال السوري المحتل؟
البداية
بدأت تركيا منذ بدايات الأزمة السورية بسياسة الحدود المفتوحة واستقطبت أعداد كبيرة من أبناء الشعب السوري الذين هربوا من هول الأزمة السورية، لاسيّما من وسط سوريا وشماليها، نتيجة القتال الدائر بين طلائع المجموعات المسلّحة المتشكلة بشكلٍ عشوائي في مختلف أرجاء سوريا خلال أعوام 2011-2013، بعد حين بدأت تركيا الاستثمار الكامل سياسياً وعسكرياً في الأزمة السورية، مستغلةً الحدود المشتركة وعوامل ديمغرافية ودينية؛ التركمان والإخوان المسلمين كانوا حلفاء تركيا الأساسيين ورأس حربتها للسيطرة على الحراك الشعبي السوري، كما استغلّت علاقاتها مع بعض الدول العربية كقطر لتمويل مشروعها الكبير الممتد من شمال غربي سوريا إلى الموصل في العراق.
أسست تركيا عبر شخصيات تركمانية نواة لمجاميع مسلّحة (سلطان مراد، فرقة عبد الحميد، الحمزات، سمرقند…)، لتتطور إلى هياكل أكبر وتسيطر على المشهد الفصائلي الميليشياوي على أرض الواقع، على امتداد الأراضي من جرابلس إلى عفرين، وفي إدلب هيئة تحرير الشام المنبثقة عن القاعدة تواليها أيضاً؛ سياسياً هيمنت تركيا عبر شخصيات سورية على قوى المعارضة وجعلت الهيئات والمجالس المنبثقة منها تحت سيطرتها المباشرة، وكأنها الوصي الوحيد عليها، فأنقرة هي التي عيّنت عبد الرحمن مصطفى التركماني الحاصل على الجنسية التركية في حزيران/يونيو 2019 رئيساً للحكومة السورية المؤقتة.
ابتغت تركيا من احتضان أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين ابتزاز أوروبا سياساً ومالياً أيضاً، عبر فتح الحدود وجني الأموال باسمهم من أوروبا، لكن تبين لاحقاً أنّ هدفها الأساسي هو إعادة توطين اللاجئين والنازحين السوريين في جغرافية سورية تعتبرها تركيا تهديداً لها (عفرين بالدرجة الأولى) بأموال أوروبية، تحت مسمى المنطقة الآمنة، ولحماية الأمن القومي التركي على حدّ زعمها.
بالتزامن مع ذاك التحرك، قامت تركيا بتأسيس وتخصيص عشرات المنظمات تحت أسماء خيرية وإنسانية وبمسحة دينية، ساهمت فيها شبكات الإخوان المسلمين بشكلٍ كبير، وممولة من شخصيات وكيانات ودول من الخليج العربي، لتبدأ عبرها تمويل مشروعها الأخطر، وهي بناء المستوطنات في الشمال السوري تحت مسمى (قرى نموذجية لإسكان النازحين)، تحت إشراف إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) في إدلب وجرابلس والباب، لتكون مشاريع صغيرة جاذبة لرأس المال والترويج الإعلامي، ولتتوسّع وتشمل مناطق أعزاز وعفرين بشكلٍ رئيسي.
أرقام كبيرة
منذ البدايات استهدفت تلك المشاريع الوجود الكردي في شمال غربي سوريا، وعلى طول الحدود التركية السورية في مراحل لاحقة، والتي ما تزال تركيا تروج لها؛ بعد احتلال عفرين في آذار 2018، من قبل الجيش التركي والميليشيات الموالية له، بدأت عمليات التهجير القسري للكُرد من عفرين، قدر عدد المهجرين آنذاك بأكثر من 300 ألف نسمة من مختلف قرى ونواحي عفرين السبع؛ وبحسب الإحصاءات التي حصلنا عليها من منظمات غير حكومة وجهات مدنية، بلغ عدد الأشخاص الذين سيّرتهم تركيا باتجاه عفرين أكثر من 800 ألف نسمة في عامي 2018-2019 وتزايد هذا العدد بعد ذلك عبر نقل عائلات العناصر المتشددة من إدلب إلى عفرين وحملات الترحيل القسرية للسوريين من تركيا إلى الداخل السوري تحت مسمى العودة الطوعية، الذين يصل عددهم بشكلٍ وسطي لـ19 الف شخص شهرياً، لكن وفق منظمات الإغاثة العاملة في الشمال السوري يبلغ عدد السوريين المنحدرين من مختلف المناطق والمستوطنين في عفرين إلى الآن أكثر من مليون شخص غالبيتهم من العرب والتركمان وفلسطينيين كانوا مقيمين في ضواحي العاصمة السورية دمشق.
بمقارنة بسيطة وفق منظور الأرقام، ووفقٍ لمنظمات حقوقية عاملة على ملف عفرين، يبلغ نسبة الكرد (السكان الأصليين) بين 24-30% فقط من القاطنين في عفرين حالياً، وهؤلاء يعانون من شتى أنواع الانتهاكات والخطف والمضايقات لحثهم على الهجرة، آخرها كانت الدعوات المباشرة من قبل المستوطنين الذي خرجوا ضد قرار إخلاء منازل مستولى عليها من قبلهم في عفرين، وقولهم “ليخرج الكردي من عفرين، نحن باقون”، فالكفة العددية مائلة بشكل كبير لصالح المستوطنين، وهنا السؤال الأهم هل تستوعب جغرافية عفرين هذه الأعداد المتزايدة من البشر؟
بالتأكيد لا، وهنا مربط الفرس للخطة التركية التي تم طبخها منذ بدايات الأزمة السورية ودراستها وتنفيذها على مراحل، لتبدأ ببناء مستوطنات عدة على أراضي أملاك خاصة وأخرى عامة، لتأخذ هذه المستوطنات صفة سكنٍ دائم للمستوطنين (عائلات الميليشيات المدعومة من تركيا وموالين لها)، إضافة لتوزع عشرات المخيمات العشوائية وأخرى تم بنائها بدقة في أرجاء عفرين، يقطنها سوريون غير محسوبين على الفصائل.
استراتيجية تركيا
اليوم انتهت تركيا عبر منظمات ممولة من جهات خليجية (غير حكومية) وأخرى فلسطينية وإسلامية وتركية، من بناء 40 قرية استيطانية في عفرين، ومازال العمل جارٍ في ثلاث مستوطنات أخرى، وبالطبع المخطط التركي لبناء قرى جديدة متواصل، إذ صرّح أحد العاملين في مجال المنظمات الإنسانية والذي فضل عدم كشف هويته، أن عشرات المشاريع قدّمت العام المنصرم للموافقة عليها وسيتم تنفيذ بعضها بالفعل.
يتوقع الإداري في منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة السيد بسام أحمد أن الخطة التركية في بناء المستوطنات لم تنتهي وهي ليست بالمراحل الأولى من الخطة، ويتابع “الاستراتيجية التركية بالأساس كانت تُرسم لترحيل السوريين من تركيا عبر الضغط عليهم وبالتالي بناء قرى وتجمعات سكنية في الشمال السوري وضرب السوريين بعضهم ببعض عبر التغيير الديمغرافي والتهجير القسري للسكّان الأصلين وإحلال آخرين مكانهم وبالتالي إحداث حالة احتقان وحقد بين السوريين أنفسهم”، فالأهداف التركية بحسب بسام لا تقف عند حدّ تغيير معالم وديمغرافية المنطقة، بل إحداث خلل فكري وثقافي بين السوريين وتعميق الخلافات العرقية والطائفية، خدمةً للسياسات التركية البعيدة المدى، ومن هنا نستنتج أن تركيا لن تقف عند هذا الحدّ بل ستعمل على إثارة مشاكل أخرى وربما حروب أخرى في الجغرافية السورية.
خطر قادم
أحد أكبر وأخطر المستوطنات التي بدأت تركيا ببنائها بتوجيه مباشر من والي ولاية هاتاي التركية (رحمي دوغان) مطلع 2021، في مساحة كبيرة من جبل الأحلام (جبل يطل على مدينة عفرين ويمتد إلى مريمين وأعزاز وجبل سمعان ويفصل بين عفرين وناحية شيروا)، هذه المستوطنة التي حملت أسم “كويت الرحمة” تم اقتراحها من قبل قادة ميليشيا الجبهة الشامية بهدف إسكان عائلات مرتزقتها والموالين لها فيها، وتمّ ذلك بمباركة من سلطات الاحتلال وتوجيه ما تسمى المجالس المحلية لدراسة وتجهيز الأضابير وتوفير الأمور الخدمية لهذا المشروع.
كشفت صحيفة “الوطن” الكويتية، في تقرير لها بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2021، أنّ هذه القرية المنشأة (كويت الرحمة) هي واحدة من مجموعة من “القرى النموذجية” التي سوف يتمّ بناؤها على الحدود التركية السورية.
زأكّدت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة معلومات عن هذه المستوطنة، على أنّ هذا المشروع هو جزء من مخطط كبير يستهدف جبل الأحلام بشكلٍ كامل، هذا الجبل الممتدة من دير سمعان وصولاً لقرية الغزاوية التي شهدت بناء 7 مستوطنات أيضاً في محيطها بناحية شيروا إلى قرية خالطا التي تم تحويلها إلى مقرّ عسكري تركي بعد منع أهاليها من العودة لها، ويمتد الخط ذاته ليصل إلى قرية مريمين ذات الغالبية العربية بناحية شرّا ومنها إلى أعزاز وقرية كفروم.
ووفقٍ لـ “سوريون” عدد من المنظمات المحلية والدولية متورطة في عمليه الترويج للمشروع ودعمه، والادعاء أنه يهدف لإيواء المدنيين منه بشكل أساسي، في حين أفادت الشهادات أنّ مسلّحي ميليشيات “الجيش الوطني السوري” وعائلاتهم المنحدرة من مناطق ريف دمشق وحمص وحماه، كانوا المستفيدين الأساسيين من المشروع، حيث بلغت نسبة المستفيدين المدنيين نحو 25 بالمئة. وكان من أبرز هذه المنظمات هي منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، التي قدّمت مواد بناء لكل مستفيد قدرت قيمتها بنحو ألف دولار أمريكي.
في هذه المنطقة الاستراتيجية من جغرافية عفرين، هل توجد مخططات لربط سلسلة قرى ومستوطنات معاً بهدف إنشاء تجمعات كبيرة خاصة بالمستوطنين؟
الإجابة على هذا الاستفسار كان واضحاً من قبل السيد بسام أحمد بالقول “لا يوجد شيء مستبعد، من الواضح أن الحركة العمرانية في الشمال السوري وتوزع نقاط الاستيطان ربما يتحول مع الزمن إلى مدن أو تجمعات غريبة عن المنطقة الكردية وبالتالي تغيير ماهية وشكل عفرين برمتها، وهذا الشيء يحدث بأشكال عدة ولكن الأخطر هو مشاركة العديد من المنظمات فيها وبالتالي العمل على تغيير معالم وديمغرافية المنطقة الكردية بشكلٍ دراماتيكي ومدروس”.
فالغاية التركية من احتلال الشمال السوري من خلال مثال صغير وربط تقادم وتراتب الأحداث معاً بات واضحة للقاصي والداني، إضافة لطغيان نمط بناء معين ومرافق معينة بطريقة هندسية قريبة من النظام العمراني العربي الغريب عن أشكال المنازل الريفية الكردية المنتشرة في عفرين، أما تخديمها بشبكة طرق وخدمات أخرى، فتؤكد أن هذه المستوطنات باقية لفترة طويلة وربما بشكل ٍدائم في عفرين المحتلة.
هذه المستوطنات التي تمتاز بتوفير مرافق خدمية عدة لها من مساجد ومصادر مياه جوفية وشبكة طرق، وربطها ببعضها بطريقة مثيرة للاهتمام، وإعطائها أشكالاً معمارية وهندسية موحدة ومعينة، تجعلها غريبة عن القرى الكردية التي تطغى عليها عامل البساطة وتوزع المنازل بشكلٍ عشوائي ضمن حدود القرية ما يشير إلى أن القرى توسعت مع الزمن ولم يتم إنشائها بزمن واحد.
خط شرّا
في ناحية شرّا، وبالتحديد في قرية كفرروم وصولاً إلى قرية قورتقلاق، تم الانتهاء من تشييد أربع قرى سكنية على مسافات متقاربة من بعضها البعض، وبالتأكيد بناء مستوطنات على مقربة من بعضها لم يأتي من عبث، وكذلك الاهتمام بإسكان المستوطنين في قرى مثل قطمة وبافلون التي تم إخراج سكّانها الإيزيدين منها، لم يأتي من فراغ؛ ناحية شرّا تقع على مدخل عفرين باتجاه مدينة إعزاز وترتبط جغرافياً بناحية شيراوا.
بناء وحدات عدة في محيط كفرروم وقورتقلاق، ينبئ أن الاحتلال يخطط لربط هذه المستوطنات مستقبلاً بقرية مرميين والسعي لتعريب قرية قطمة وبالتالي تحويل المنطقة الممتدة من إعزاز وصولاً لكفروم إلى شريط عربي بحت، وإذا ما قارنا عدد المستوطنين من العرب والتركمان الذي تم إسكانهم في القرى المنتشرة على “جبل بارساخاتون” (هذا الجبل ارتبط اسمه بالمقاومة التي أبدتها وحدات حماية الشعب في صد الغزو التركي على عفرين 2018) بنسبة السكّان الكُرد الباقون فيها، نستنتج أنّ مخطط تغيير ديمغرافية المنطقة الممتدة من خط قطمة وصولاً لكفرروم ومنه ربطاً بجبل الأحلام سيكتمل خلال سنوات قادمة إذا بقي الاحتلال التركي قائماً.
وفي ناحية بلبلة التي شهدت بناء مستوطنات بأعداد أقل، إلّا أنّ الخطر الأكبر هناك يتمثل بإسكان التركمان في قرى كثيرة من الناحية، وبحسب الإحصاءات التي نشرها نشطاء يتعدى نسبة التركمان اليوم في قرى الناحية 15% من مجمل القاطنين فيها اليوم، وهي نسبة كبيرة مقارنة بانعدام الوجود التركماني في عفرين سابقاً، وهنا تشير التكهنات أن تركيا تهتم بزيادة أعداد التركمان على الشريط الحدودي الممتد من جرابلس إلى أقصى شمال غرب عفرين.
زيادة 100%
التجمعات الاستيطانية الأخرى التي تُشكل خطراً آخراً على مستقبل عفرين، هي التي بُنيت في ناحية جنديرس، هذه الناحية قبيل الاحتلال كان يتواجد في توزيعها عدد من القرى المختلطة بين الكرد والعرب وتواجد نسبة من العرب في بلدة جنديرس ذاتها، غالبية العائلات العربية جاءت إليها بعد تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي وبموجبه تم مصادرة أملاك الآغوات والملاكين الكبار الكُرد وتوزيعها على عائلات فقيرة أو عاملين ضمن تلك الممتلكات، وبهذا حصلت العديد من العائلات العربية على ممتلكات بحق الانتفاع أو الشراء وباتت من صلب المنطقة منذ عدة عقود فقط، وترافق هذا مع مشروع الحزام العربي في الجزيرة السورية وتأسيس قرى عربية صرفة يسمون بقرى الغمر باسم “مزارع الدولة”، وكذلك تعريب معظم أسماء القرى والبلدات الكردية.
تسمي تركيا والمجاميع الإسلامية أسماء مستوطناتهم بأسماء إسلامية وعربية، بل وصلت لدرجة تغيير أسماء القرى والساحات أيضاً لأسماء تركية وعربية.
بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط 2023، استغلّت تركيا ظروف الزلزال والمساعدات الإنسانية المقدّمة من دول الخليج والعالم للشمال السوري في بناء المستوطنات والتي ازدادت نسبة تنفيذها بنسبة 100% مقارنة بالسنوات السابقة، بحجة إيواء متضرري الزلزال، وهنا يُشير العامل في المنظمات الإنسانية (غياث الأحمد- اسم مستعار) إلى أنّ هيئة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) بدأت منذ دخولها المنطقة كمنسق وحيد للأعمال الإغاثية ومن ثم الانشائية وكل المنظمات المحلية والدولية مضطّرة للتعامل معها وهي من توجه التمويل والدعم. وكانت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ايضاً اتهمت في تقرير لها “آفاد” بالمسؤولية المباشرة عن توجيه التمويل والتنفيذ لهذه المشاريع ضمن جغرافية عفرين.
عودة الحزام العربي
بعد زلزال 2023 شرعت سلطات الاحتلال ببناء أربع مستوطنات جديدة في جنديرس تحت ذريعة توزيع المنازل لمتضرري الزلزال، إلا أنّ هذه المشاريع شملت المستوطنين وعائلات مسلّحي الميليشيات دون السكّان الأصليين المتضررين من الزلزال أيضاً.
مع تزايد مصادر التمويل وتنوعها، زادت وتيرة وتنفيذ بناء المستوطنات معها، وبهذا ستتحول جنديرس هي الأخرى بعد سنوات إلى منطقة تزداد فيها عدد القرى العربية على حساب القرى الكردية، وهذا مؤشر خطير على مستقبل المنطقة أيضاً واحتمالية ربط هذه المستوطنات مع تلك المتواجدة في قرية غزاوية المتاخمة لجنديرس أيضاً، وبهذا سيكون ثمة حزام عربي ممتد من ناحية شيه وصولاً إلى جنديرس ومنه إلى شيروا وشرّا، وهذا يتشابه إلى حد كبير بتلك الخطة التي قامت بها حكومة البعث في سبعينات القرن الماضي.
أساليب التنفيذ متعددة
كنتيجة حتمية للسياسات التركية في سوريا عامة وفي عفرين المحتلة بشكلٍ خاصة، عملية التغيير الديمغرافي تسير وفق مخطط على مستويات عدة، بناء المستوطنات التي لن تتوقف وستستمر وفق وقائع وحقائق قائمة، توجيه المساعدات عبر الحكومة التركية إلى تنفيذ هذه المشاريع تحت غطاء إنساني، تغيير المعالم العامة للمدن والقرى وإضفاء طابع غريب ونشر اللغة التركية والترويج للإسلام المتشدد، بناء ثقافة جمعية لدى العرب والتركمان المستوطنين في عفرين أن عفرين باتت مستقراً دائماً لهم، وهو ما برز مؤخراً خلال الاحتجاجات التي دعمتها ميليشيا العمشات والحمزات ضد القاضية الكردية “نوروز حسو” والمطالبة جهراً بإخراج الكُرد من عفرين وإبقاء المستوطنين فيها، وهذا بطبيعة الحال قد يستخدم كذريعة لبناء العديد من المستوطنات الجديدة في عفرين وهو ما أكده السيد بسام أحمد أيضاً.
يقول السيد بسام عن الحدث الأخير الذي أذهل كل أبناء المنطقة، وشكّلت مفارقة حقيقية حول من يحق له المطالبة بخروج الآخر، هل هم أصحاب الأرض أم المستقدمين إليها، بغض النظر عن الصفة المطلقة عليهم، ويضيف “توجد مفارقة هائلة بين أشخاص نازحين يرفضون الخروج من منازل بحجة أنهم مهجّرون، وهنا نقول أنّ حتى لو كان شخصاً ما مهجراً وسكن في مكان آخر يعتبر سكناً مؤقتاً ولا يعطيه الحق لاستخدام هذا التوصيف ككرت أخضر لإخراج كردي أو عربي في أي منطقة سورية من بيته والاستيلاء على منزله، وإحداث تغيير ديمغرافي، وهذا الأمر ربما يساهم في بناء مستوطنات جديدة”.
مستقبل المستوطنات
لكن في ظل التغيرات السياسية في سوريا عامة، وعودة الحديث عن وساطات عراقية وروسية لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وإصرار دمشق على انسحاب تركيا من سوريا، فإذا ما حدث ذلك مستقبلاً يبقى السؤال الهام هنا، ماذا سيكون مصير هذه المستوطنات وأولئك السوريين القاطنين في عفرين وإدلب وباقي المناطق المحتلة والمنحدرين من ريف دمشق ووسط وشرقي سوريا.
يجيب السيد بسام أحمد بكلّ شفافية أنه على المدى المتوسط أو البعيد نرى أن هذه التجمعات السكنية موجودة، ويتابع “حتى لو تم إبرام اتفاقيات بين تركيا والنظام ربما لن يتغير الأمر لأن النظام السوري والتركي معاً مستفيدان من بقاء هؤلاء في عفرين وعدم عودتهم إلى مناطق سكناهم الأصلية”.
هذه الإجابة الواضحة والقريبة من الواقع تُشير إلى أنّ الحزام العربي في عفرين جاء متطابقاً مع الحزام العربي في الجزيرة السورية، مع اختلاف طريقة التطبيق والجهة القائمة عليه، وبالعودة إلى أعوام 1923 وطرح تركيا مشروع إصلاح الأناضول، وسعيه لتطبيق سياسة خاصة في الجزء الغربي من نهر الفرات ضمن جغرافية تركيا وقضائها المتدرج والمدروس على التجمعات الكردية الكبيرة هناك وتفكيكها وإدخال الأتراك واللاز وغيرهم من الأقوام ضمن التركيبة الديمغرافية في تلك المناطق وربطها بما يحدث في عفرين، نستنتج أنّ لحكومتي أنقرة ودمشق هدف واحد وهو عدم وجود مناطق صرّف كردية على طرفي الحدود وسط بروز الدور الكردي القوي في المنطقة منذ عقود عدة، وتحوّل قضايا الكُرد من قضايا داخلية إلى إقليمية ولها أبعاد دولية، فهل سينجح الكردي في إدراك هذا المخطط ويتجنب التورط فيه أو أن يكون عاملاً مساعداً في ترسيخه، كما يحدث اليوم من دعم أحزاب كردية لسياسات الاحتلال التركي في جغرافية عفرين المحتلة؟!