عفرين بوست- خاص
يتحسّر العم أبو شيار على أيامه الخوالي وعدم قدرته حالياً على تدبر أمور عائلته وإعالة إخوته النازحين قسراً عن قريتهم “باسوطة”، حسّرة العم تنمّ من ضيق الحالة المادية والضغوط النفسية والخوف الذي يعيشه في أكناف قريته الجميلة التي كانت لوقتٍ ليس ببعيد مقصداً للسوريين، لاسيّما أبناء مدينة حلب، بهدف الاستجمام والاسترخاء بين بساتين الفاكهة والمناظر الطبيعية الخلّابة ونبعة القرية ورمّانها الذي ذاع سيطها في سوريا عامةً.
خيرات وفيرة
تمتدّ أراضي عائلة أبو شيار وإخوته على مساحة /15/ هكتار في سهل (دَشتا) باسوطة، وهي مزروعة بأشجار الفاكهة من رمّان وتفّاح وإجاص والجوز وغيره من الفاكهة والخضراوات.
يقول أبو شيار الذي يُعيل عائلته المؤلفة من /6/ أشخاص “سابقاً كانت مساحة صغيرة من بستان الفاكهة تكفي لتغطية متطلبات عيش عائلتي”.
وبحسب الأرقام التقريبية التي زوّدنا بها العم، كان صافي أرباح هكتار واحد من التفّاح في عام 2016 يتراوح بين /3-4/ آلاف دولار أمريكي بعد استقطاع المصاريف، وهو ما كان يكفي العائلة وقتها لتدبر أمورهم لعام كامل، ناهيك عن استثماره بعض الأرضي الأخرى وفق نظام الضمان أو الاستئجار، ويصف تلك الأيام بالرخاء نتيجة توفر متطلبات الإنتاج ووجود أسواق البيع بشكلٍ جيد وتوفر الأمان للمزارعين والأهالي.
اليوم وبعد الاحتلال التركي لإقليم عفرين وهجرة أشقائه الأربعة من القرية قسراً بعد اختطاف أحدهم وطلب الفدية، بات أبو شيار مسؤولاً عن تدبر أمورهم ورعاية أملاكهم أيضاً، وقد زادت أعباء عائلته المادية والنفسية.
وبدأت الميليشيات المسيطرة على عفرين بالتشارك مع قوات الجيش التركي بفرض إجراءات قسرية متنافية مع الشرع الإسلامي والعرف والتقاليد والقوانين المحلية والدولية، بهدف كسب المال واحتكار السلطة في يدها، إذ تتبع قرية “باسوطة” ومحيطها لسيطرة ميليشيا الحمزات التي تتفنن في تغيير الإجراءات تلك بين الفينة والأخرى.
فرض الإتاوات
اليوم وفي ظل الاحتلال، يقول “أبو شيار”، كامل محصول التفاح يذهب للميليشيات بحجة الحماية أولاً والسرقات التي تحدث ثانياً، ويبقى التعب والمصاريف من نصيبنا نحن أصحاب الأرض.
ويُضيف “مساحة أراضي أشقائي تقدر بثمانية هكتارات بين بساتين وأراضي، نزرعها بالخضراوات والحبوب وبضع مئات من أشجار الزيتون وغيرها”.
وهذا العام رفض متزعمو ميليشيا “فرقة الحمزات” الوكالات الرسمية التي أرسلها أشقاء أبو شيار له، وطالبوا بمبلغ /4/ آلاف دولار أمريكي عن أملاك أشقائه لقاء السماح له باستثمارها وزراعتها، علماً أنّ هذا المبلغ يذهب لصندوق ما يسمى اللجنة الاقتصادية التابعة للفرقة وتعتبر إتاوات غير شرعية.
مصادرة الأملاك
هذه الإجراءات القسرية لم تقتصر على قرية باسوطة، بل وفق معلومات نقلها نشطاء حقوقيين أنّ اجتماعاً عقد بتاريخ 12 أيار/مايو الجاري في قرية حاج خليل -راجو بمنزل مختار القرية وبحضور مخاتير قرى خاضعة لسلطات “الحمزات”.
أصدر فيه مسؤولو ميليشيا الحمزات وبحضور محامي ما يسمى ميليشيا القوة المشتركة (فرقة الحمزات، فرقة السلطان سليمان شاه – العمشات) أوامر صارمة، بمصادرة جميع ممتلكات الأهالي المهجرين قسراً من ديارهم حتى لو كان لهم وكلاء بالقرية.
والأسبوع الماضي هدد محمد الجاسم الملقب بـ “أبو عمشة” أهالي ناحية شيه/شيخ الحديد وقرى أخرى بمضاعفة المبلغ الذي فرضه على كل شجرة زيتون 15 دولار أمريكي عن الموسم القادم، إن لم يُدفع خلال أسبوع.
سلب مواسم الغائبين
فرض أبو عمشة إتاوة /20/ دولار أمريكي على كل شجرة زيتون عائدة للمواطن الغائب، فأي شخص كردي غائب يملك /200/ شجرة زيتون (ضمن قطاع العمشات) أُجبر على دفع /4/ آلاف دولار، وكما هو معلوم أن شجرة الزيتون تمتاز بظاهرة المعاومة (أي تحمل سنة وفي السنة الثانية يكون الإنتاج ضعيفاً جداً)، بينما يدفع خلال عامين /8/ آلاف دولار، ويجني موسم جيدٍ واحد.
وفق خبير زراعي، تصل مصاريف الخدمة خلال عامين لـ/200/ شجرة زيتون بعلي في أرضٍ سهلية إلى /1600/ دولار أمريكي، وبإضافة مقدار الإتاوات تصل التكاليف إلى /9200/ دولار.
أما انتاج /200/ شجرة كبيرة في سهول ناحية شيه/شيخ الحديد بشكل وسطي خلال عامين يصل إلى /140/ تنكة زيت (16 كغ صافي) يذهب منها (11 تنكة آجار جني+ 6.5 تنكة للمعصرة + 6.5 تنكة إتاوة عينية لأبو عمشة)، يبقى /116/ تنكة وحسب السعر الرائج حالياً في عفرين قيمة التنكة الواحدة /85/ دولار أمريكي، المجموع /9860/ دولار أمريكي.
والنتيجة يبقى للمالك خلال عامين /660/ دولار، فأي قانون وأي شريعة تقبل بهذا الوضع؟
مخطط له
توجهنا للباحث الاقتصادي السيد خورشيد عليكا، للاستفسار عن الوضع الحالي للكُرد في عفرين بعد الاحتلال من الناحية الاقتصادية؟
يقول عليكا إنّ الاحتلال التركي مع فصائل المعارضة السورية التابعة لها عمدت لتدمير ما تمّ بناؤه من قبل أهالي عفرين والإدارة الذاتية الديمقراطية هناك والتضييق على ما بقي، حيث كانت منطقة جذب لمئات من الورش الصناعية المختلفة التي هجرت حلب ومناطق الصراع، مستقرةً بعفرين التي انتقلت إلى مرحلة متقدمة من النشاط التجاري والصناعي والاجتماعي والأكاديمي والثقافي، ولكن بعد الاحتلال نُهبت ممتلكات الكُرد واستوليت على بيوتهم وأراضيهم وحقولهم الزراعية، وحتى معاصر الزيتون ومعامل البيرين والصابون. ويتمّ إرغام ما بقي من الكُرد على دفع الإتاوات أو نسبة من مواسمهم الزراعية للميليشيات التابعة لتركيا، كما تمّ ربط المنطقة اقتصادياً بولاية هاتاي التركية.
لا إحصاءات شفافة
عن مستوى معيشة العائلة الكردية في ظل الاحتلال يُشير عليكا إلى أن الإحصاءات جد قليلة ولا يمكن استشفاء دراسات واقعية نتيجة التعتيم الإعلامي، لكن ما هو مؤكد أن مستوى معيشة العائلة الكردية في “تراجع مستمر بسبب فرض الاتاوات والضرائب من قبل الميليشيات والاستيلاء على ممتلكاتهم والتضييق عليهم من جميع النواحي بهدف ترك أعمالهم وقراهم ومحاصيلهم الزراعية والهجرة قسراً”.
ويتابع الخبير الاقتصادي “نستطيع أن نقول بأنّ أغلبية العائلات أصبحت تعيش على التحويلات الخارجية التي تأتي من أقاربهم في الخارج أو من المساعدات الإنسانية التي تصلهم من ذويهم”.
شراكة قسرية أو استيلاء
من أجل أن يفرض المستوطن نفسه شريكاً مع الكردي في مصالحه وأرزاقه أو حتى منع الكردي من العمل، يوجّه له تهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني أو بأنه من مؤيدي وموظفي الإدارة الذاتية الديمقراطية.
ووفق رؤية عليكا مستقبل الممتلكات في عفرين مهددٌ، لاسيما وأنّ سلطات الاحتلال التركي توجّه بعض متزعمي الميليشيات وشخصيات تابعة لها لشراء الأراضي والممتلكات، ناهيك عن المستوطنات التي يتم إنشاؤها في مناطق متفرقة من عفرين المحتلة والتي ستتحول مستقبلا لكتل بشرية ترسخ واقع التغيير الديمغرافي.
خطرٌ محدق
وأشار عليكا إلى “أنّ مستقبل العائلة الكردية في ظل الاحتلال بات في خطر وجودي ومستمر، والعائلة أصبحت مشتتة ويتناقص عدد أفرادها في عفرين بشكل مستمر يوماً بعد يوم، ففي الكثير من القرى أصبح عدد العائلات المستوطنة أكثر من عدد العائلات الكردية ويتم مراقبة وضع العائلة من قبل المستوطنين والاحتلال التركي من أجل إجبار افرادها لترك عفرين وقراها ومن ثم السيطرة على ممتلكاتهم من قبل المستوطنين”.
هل من حلول؟
هناك استنزاف في واقع المجتمع على مختلف المستويات، ويبقى صمود المتبقين من الكُرد في عفرين وعودة بعض النازحين والمُهجّرين قسراً العامل الأساسي في مقاومة الاحتلال التركي ووجود الميليشيات الموالية له، ولكن الحلّ الأساس هو إنهاء الاحتلال وإيجاد حلٍّ سياسي للأزمة السورية عموماً، وفتح الطريق أمام عودة طوعية آمنة للنازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، وبالتالي إعادة تأهيل المجتمعات المحلية في كافة المناطق السورية، بما يخدم مصالح كافة المكونات السورية وحمايتها.