عفرين بوست ــ متابعة
أصدرت منظمة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش تقريراً رصد الأوضاع في مجمل الأراضي السوريّة خلال عام 2023، ورغم أنّ التقرير ذكر المناطق التي تسيطر عليها القوات التركيّة بأنها “تحتلها”، وأشار إلى جملة الانتهاكات التي تُرتكب فيها، إلا أنّه أظهر أيضاً محاباة واضحة للحكومة التركيّة، بتجاهله المتعمد لجملة حقائق منها الانتهاكات الأفظع المتمثلة بوقوع جرائم قتل كما أنّه جانب الحقائق في بعض التفاصيل.
وذكر التقرير بصورة إجمالية معاناة السوريين خلال عام 2023، من انتهاكات شديدة ومصاعب بسبب النزاع المستمر وتدهور الظروف الاقتصادية وانعدام الأمن السائد. وأنّ تقديرات الأمم المتحدة تشير للمرة الأولى منذ بداية النزاع إلى تعرض السوريين في جميع أنحاء سوريا لـ “المعاناة الإنسانية”. وأنّه رغم الظروف غير الآمنة، تقوم تركيا ولبنان بترحيل غير قانونيّ لآلاف اللاجئين إلى سوريا. كما ذكر تفاقم الظروف بعد زلزال 6 فبراير/شباط 2023.
وفيما يتصل بالوضع في الأراضي التي تحتلها تركيا في شمالي سوريا، ذكر التقرير ارتكاب ميليشيات مختلفة من “الجيش الوطنيّ” والشرطة العسكريّة، انتهاكات عديدة ضد عشرات الأشخاص، مع إفلات من العقاب. وأن الانتهاكات شملت الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والإخفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي والمحاكمات العسكرية غير العادلة. وأنّ الولايات المتحدة أعادت عام 2023، إلى قائمتها للدول المتورطة في استخدام الجنود الأطفال رداً على دعمها لميليشيات “الجيش الوطنيّ” المتهمة بتجنيد الأطفال.
وقال التقرير إنّ ميليشيات “الجيش الوطنيّ” واصلت انتهاك حقوق المدنيين في السكن والأراضي والممتلكات، بما فيه الاستيلاء على المنازل والأراضي والمتاجر بالقوة. وأنّ مئات الآلاف من السوريين الذين فروا من منازلهم أثناء وبعد العمليات العسكرية التركية المتعاقبة في المنطقة لا يزالون نازحين ومحرومين من أملاكهم.
جملة حقائق تجاهلها التقرير
زعم التقرير أنّ ما تسمى الحكومة المؤقتة هي التي أنشأت “الجيش الوطنيّ” للحد من انتهاكات الميليشيات وتجاهلت حقيقة أنّ إنشاءه كان على الأراضي التركيّة في 30/12/2017 أي قبل 3 أسابيع من العدوان على عفرين بهدف توحيد قيادتها، لتكون أداة تركيّة خالصة في التدخل في سوريا وخارجها، وأنّ هذه الميليشيات تنتشر في القرى والبلدات والمناطق السكنية، وحوّلت مناطق سيطرتها إلى إماراتٍ مستقلة ولديها سجون خاصة بها لا تتوفر معلومات عن المعتقلين فيها، ولديها أيضاً نظام اقتصاديّ مستقل قوامه الإتاوات والاستيلاء على ممتلكات الأهالي ومصادرة أرزاقهم ومواسمهم.
تجاهل التقرير أفظع أنواع الانتهاكات، وبخاصة في إقليم عفرين الكردي، المتمثلة بجرائم القتل ومنها مجزرة جنديرس عشية عيد نوروز، والتي نفذت بدوافع عنصرية تكفيريّة، إضافة إلى العديد من جرائم السطو المسلح التي أفضى بعضها إلى القتل، وكذلك أعمال السلب المسلح على الطرق، إضافة إلى جملة الممارسات العنصريّة ونشر الفكر المتطرف وفرض التتريك وبناء البؤر الاستيطانيّة، لترسيخ التغيير الديمغرافيّ والثقافيّ، ونقل المعتقلين إلى الأراضي التركيّ، ومنع أهالي المنطقة من العودة الآمنة إلى قراهم وبلداتهم.
كما لم يشر التقرير إلى انخراط الميليشيات المسلحة في الاقتتال الفصائليّ في المناطق السكنيّة وانخراطها بتجارة الممنوعات والمخدرات.
لم يذكر التقرير مواصلة جيش الاحتلال التركيّ عمليات القصف المدفعي والطيران المسير، والتصعيد العسكريّ في أكثر من مرحلة، وأنّه استهدف منطقة الشهباء التي لجأت إليها آلاف العوائل من أهالي عفرين الكرد، كما استهدف المنشآت الحيويّة ومحطات الطاقة والمرافق العامة والبنى التحتية والمؤسسات الخدمية والمعامل والورش وملاحقة الطيران التركي المسير للسيارات على الطرق العامة الأمر الذي أسفر عن عشرات الضحايا الذين قضوا أو أصيبوا جراء الاستهداف المتعمد.
وفي ممالأة أكثر وضوحاً لموقف أنقرة تجاهل التقرير أنّ المناطق التي تحتلها أنقرة أضحت ملاذات آمنة لعناصر تنظيم “داعش” رغم التوصيف الدولي له بأنه “إرهابيّ، وتمت تصفية العديد من متزعميه في مناطق تخضع للاحتلال التركيّ، ومنها تصفية المدعو “أبو الحسين القرشيّ” متزعم تنظيم داعش الإرهابي في قرية مسكة بناحية جنديرس فجر 29/4/2023، فيما ينضوي المئات منهم في صفوف ميليشيات أنقرة، علاوة على قصص تهريب البعض منهم مقابل مبالغ ماليّة.
يمكن القول إن إقرار التقرير باحتلال تركيا لأراضٍ سوريّة لا يمكن الاعتداد به على أنه موضوعيّ، فقد بات ذلك حقيقة ثابتة لا يمكن التهرب منها بعد نحو ثماني سنوات على أول احتلال وذلك لمنطقة جرابلس ومن ثم الباب وعفرين وتل أبيض ورأس العين. وجاء التقرير مسيّساً وقفز فوق جملة حقائق ثابتة.