عفرين بوست ــ متابعة
تواصل سلطات الاحتلال التركيّ سياسة التغيير الثقافيّ وخصوصية الهوية القوميّة الكرديّة في إقليم عفرين المحتل بكل الوسائل عبر فرض التتريك على تفاصيل الحياة، وآخرها عرض مسرحية مشوهة ليوم “نوروز” وقيمه ومعانيه برعاية مباشرة من رابطة الكرد المستقلين ضمن سلسلة نشاطات كما أعلنت.
في مدينة عفرين المحتلة تم عرض مسرحية بعنوان “نوروز” باللغة العربية، وتم تقديمها من قبل طلبة جامعة غازي عينتاب التي أنشأتها سلطات الاحتلال، وجاء عرض المسرحية في توقيت مريبٍ يتوافق مع اقتراب السنويّة السادسة لشنّ أنقرة العدوان على إقليم عفرين (20 يناير 2018)، فيما كان فكرة النص محرّفة عما ترسّخ في الذاكرة الكرديّة، وكان العرض ركيكاً، وانتهى عرض المسرحية بترديد شعارات مستهلكة للمعارضة على وقع أغنية كردية معروفة عن نوروز في تأكيدٍ للأهداف المبتغاة من وراء العرض بربط قيم نوروز بمزاعم التحرير، وتبرير احتلال المنطقة.
طرح عرض المسرحية جملة من المفارقات الصارخة، وأول وجه للمفارقة يتعلق بالمعاني الثقافيّة والتاريخيّة والقوميّة لقيم لنوروز في الوجدان الكرديّ، ووضعه ضمن سياق التراث الثقافيّ والفلكلوريّ للعديد من القوميات والشعوب مثل الإيرانية والأفغانيّة والباكستانية والكرد وشعوب وسط آسيا، بحسب ما قال المدعو آزاد محمد عثمان عضو الائتلاف المعارض ورئيس رابطة المستقلين الكرد في عفرين.
وإذا كانت كل الشعوب التي ذكرها المدعو آزاد قد حققت تحررها القومي ضمن كيانات سياسيّة مستقلة، إلا أنّه تجاهل خصوصيّة نوروز بالنسبة للشعب الكرديّ الممنوع من حقوقه القومية الفطريّة وبخاصة من دولة الاحتلال التركي التي يدين لها المدعو آزاد بالولاء المطلق. وبعبارة أخرى لكلّ شعب نوروز خاص به، والتعميم يهدف إلى تمييع المعاني السامية التي تنطوي عليها انتفاضة كاوا الحداد وفي مقدمها الحرية وإزالة الظلم.
المفارقة الثانية تتصل بالواقع المعاش في إقليم عفرين المحتل الذي انخفضت نسبة الكرد فيه إلى أقل من 25 %، وأحيل بقية أهاليها إلى عراء التهجير القسريّ والمخيمات، وتم إسكان نحو 620 ألف مستوطن فيها بعد عملية عسكريّة على مدى نحو شهرين، وكان تدمير تمثال كاوا الحداد صبيحة يوم الأحد 18/3/2018 إعلاناً لاحتلال عفرين والسيطرة عليها من قبل الجيش التركيّ والميليشيات الإخوانية التابعة لها، كما أزيلت كل الرموز الكرديّة من المدينة وفي مقدمها ساحة دوار نوروز.
وتزداد المفارقة غرابة بما يبعث على الاستهجان والاستنكار أنّ مسلحين من ميليشيا “جيش الشرقية” ارتكبوا مجزرة عشية نوروز 2023، ورغم وضوح الجريمة ومعرفة الجناة وخروج مظاهرات احتجاجيّة إلا أن سلطات الاحتلال ماطلت في الإجراءات القضائية في مسعى لإفلاتهم من الحساب.
الواقع إنّ قصة “نوروز” في أصلها تتعلق بإسقاط الميديين لدولة الظلم والجور الآشورية، فيما المتداولة والرائجة محل إشكال كبير وهي مستقاةٌ من الملحمةِ الفارسيّة “الشاهنامه” التي كتبها “الفردوسي”، والتي قدم فيها شخصية “أزدهاك” كنموذج للملك الظالم الذي كانت نهايته بداية لمرحلة التحرر والحرية.
ورغم الإشكال، يمكن القول إنّ كلّ متزعمي الميليشيات ومسلحيهم لا يختلف توصيفهم عن “أزدهاك”. ولا يمكن بأي حال القبول بربط معاني “نوروز” الذي جُعل من بداية الربيع والإزهار في 21 آذار/مارس مناسبة للاحتفال به، مع طوابير الحطّابين الذين قطعوا مئات آلاف الأشجار المثمرة والحراجية في عفرين وأحالوا الغابات إلى يباب ونزعوا عن الجبال لباسها الأخضر.
تدرك سلطات الاحتلال التركي أنه لا يمكنها إزالة “نوروز” كمناسبة وقيمة ثقافية مهما عمقت من إجراءات التتريك والتغيير الثقافيّ ولهذا لجأت إلى تشويه معانيه وتوظيفها لصالح أهدافها الاحتلالية في عملية سطوٍ فاضحة على التراث الكرديّ.