عفرين بوست ــ متابعة
تواصل السلطات التركية ترحيل اللاجئين السوريين بصورة يوميّة وذلك عبر الاعتقال المباشر، وتشمل حتى السوريين الحاصلين على بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك)، ودون أن يرتكبوا أيّ مخالفة قانونية. وقد زادت معدلات الترحيل القسريّ بصورة ملحوظة بعد الانتخابات الرئاسيّة التركية.
يعد ملف اللاجئين السوريين على الأراضي التركية أحد الملفات الشائكة على طرفي الحدود في سوريا والتركيّة، فالسوريون الذي مضى على وجودهم سنوات طويلة في تركيا قد أسسوا نماذج لحياة مستقرة، ولن يعودوا ما لم يضمنوا ظروفاً آمنة في سوريا ويتطلعون للعودة على بيوتهم ومواطنهم الأصليّة وليس إلى المخيمات أو مناطق يسودها فوضى السلاح وتقع فيها الاشتباكات بصورة يوميّة عدا احتمالات الاختطاف والابتزاز.
إلا أنّ أردوغان يحاول أن يؤكد لناخبيه أن سيفي بوعوده الانتخابيّة وسيعيد السوريين إلى بلادهم، وهو لا يدخر مناسبة إلا ويؤكد هذا الهدف مع تأكيد مواصلة بناء البؤر الاستيطانيّة في المناطق التي تخضع للاحتلال التركيّ.
الترحيل وسيلة للتتريك
السوريون المرحلون قسراً مضى على إقامتهم على الأراضي التركيّة سبع سنوات على الأقل، وقد اندمجوا بالمجتمعِ التركيّ وأتقنوا اللغة التركيّة فيما أبناؤهم أكثر إتقاناً، كما أنّهم اعتادوا العادات والثقافة التركيّة، والعامل الأهم أن عدد هؤلاء هو الأكبر بين اللاجئين السوريين، ومعظمهم يوالي الحكومة التركية لأسباب عقائديّة أكثر منها سياسيّة. فهم حواضن حالة مذهبيّة معينة.
إعادة اللاجئين السوريين يتعدى مجرد التخلص من أحد الملفات الشائكة، والمسألة لا تتعلق بالاقتصاد، فكلّ السوريين في تركيا منخرطون في سوق العمل، وقد أقام آلاف منهمك منشآت ومشاريع خاصة، علاوة على استثمارات تتجاوز عشرة مليارات دولار للسوريين لكبار رجال الأعمال.
البعد الأكثر عمقاً لعودة السوريين يتعلق بكونه الحلقة الأخيرة في خطة التتريك، إذ سيواصل العائدون على نموذج الحياة التي اعتادوها، وبخاصة لأنّ المناطق التي يُرحّلون إليها تخضع للاحتلال التركيّ وقد اُتخذت فيها جملة من إجراءات التتريك.
إقليم ناطق باللغة التركيّة
تدرك الحكومة التركيّة أن استمرار احتلالها لمناطق في شمال سوريا يخضع لمعادلات سياسيّة دوليّة معقدة، ولم يكن لها أن تقوم بالعدوان وتحتل تلك المناطق لولا الموقف الدوليّ، ولم تسمح موسكو وواشنطن وحتى طهران أن تكون حصة تركيا أو دورها الأكبر. ولذلك فالخطة التركيّة تتمحور حول إيجاد متغيرات مجتمعيّة دائمة، وإنشاء جيب على الحدود ناطق باللغة التركيّة.
أولى الخطوات كانت عبر العدوان والاحتلال وتهجير العوامل غير المتوافقة مع الخطة وفي مقدمهم الكرد، بتهجيرهم القسريّ من المنطقة والتضييق على من بقي وانتزاع الملكيات منهم قسراً.
يشكّلُ ترحيل التركمان من حمص وغير من المناطق السوريّة إلى مناطق شمال سوريا خطوة أوليّة للمشروع، ورغم محدودية عدد التركمان المرحّلين إلا أنّ سلطات الاحتلال حرصت على توطينهم في القرى الحدوديّة، في سياق إنشاء سور ديمغرافيّ على الحدود والفصل بين الكرد على طرفي الحدود.
الخطوة الثالثة شملت جملة إجراءات التغيير الديمغرافيّ، والعمل على تثبيت وجود المستوطنين عبر إنشاء البؤر الاستيطانيّة، تحت شعارات إنسانية لاستدراج التمويلات الخارجيّة وبخاصة من الجمعيات الإخوانيّة، وكان لافتاً أنّ تزامن خروج أهالي عفرين مع دخول أفواج المستوطنين، فقد عمل كلّ من الجانبين الروسيّ والتركيّ بشكلٍ متزامن، فأنهى الجانب الروسيّ السيطرة على الغوطة مع الاحتلال التركيّ لعفرين، بل إنّ موسكو عطلت مشروع قرار دوليّ لتمنح أنقرة مزيداً من الوقت خلال العدوان لإتمام الاحتلال.
كان رفع العلم التركيّ وتغيير أسماء البلدات والساحات إلى رموز تركية يهدف إلى تحقيق غايتين: الأولى تغييب مفردات الثقافة الأصيلة والثاني إدراج بدائل تركية، ليكون حضورها طبيعيّاً مع مرور الوقت.
العامل الأكثر حسميّة يتعلق بتعليم اللغة التركيّة، فتم فرضها في المدارس مادة إلزاميّة وتمت زيادة عدد خصصها، بمقابل تم التقليل من شأن اللغة الكرديّة في عفرين المحتلة. ويتضمن المناهج المدرسيّة تمجيد الرموز التركيّة والتاريخ التركيّ وعدم اعتبار الحقبة العثمانية احتلالاً، والأمر نفسه للاحتلال الحالي إذ يوصف بأنّه تحرير.
إلا أنّ تعليم اللغة لا يقتصر على المدارس فقد خلقت سلطات الاحتلال التركيّ ظروفاً جعلت تعلم اللغة التركيّة ضرورة، للتواصل مع سلطات أمر الواقع ومعظم المؤسسات والإدارات وبخاصة الأمنيّة يديرها الأتراك، والسبب الأكثر أهمية أنّ تعلم التركية شرطٌ أساسيّ للتعيين في الوظائف وفق تعليمات ما يسمى “الحكومة المؤقتة” التابعة للاحتلال. وقبل الطلاب على تعلم اللغة التركيّة لإكمال دراستهم الجامعية في الجامعات التركيّة.
جملة هذه العوامل سيكون لها تأثيرات مباشرة وأعمق بمرور الوقت، ولذلك تستغل أنقرة كامل الوقت المتاح، وسيلعب اللاجئين السوريون دوراً لصالح خطتها، حتى لم يقصدوا ذلك أو يعلموا.
عمليات الترحيل القسري تشمل غير السوريين
في سياق عمليات الترحيل القسريّ رحلت السلطات التركية، الأحد 24/9/2023 نحو 500 لاجئ سوري، فتم ترحيل مجموعة من 48 شخصاً بينهم نحو 15 امرأة من اللاجئين السوريين من معبر سري كانيه الحدوديّ و450 سوريّ بينهم نساء وأطفال عبر معبري تل أبيض وباب الهوى. وتجاوز عدد السوريين المرحّلين قسراً 15500 شخص خلال سبتمبر/ أيلول الحالي. وبلغ عدد المرحّلين منذ بداية العام الحالي نحو 33 ألف شخص.
ولا تكتفِ السلطات التركية بترحيل السوريين، بل تم ترحيل أشخاص من الجنسية العراقية والأفغانية إلى الأراضي السورية
ذكرت وكالة نورث برس الاثنين 26/9/20223 أنّ مواطناً مغربيّاً تم ترحيله إلى مدينة جرابلس السوريّة، بعد شهرين من الاحتجاز في مركز احتجاز اللاجئين بولاية كلس، وسبق أن تم ترحيل مغربيين إلى الأراضي السوريّة. وخلال حزيران الماضي تم ترحيل نحو خمسة آلاف شخص بينهم 74 عراقيّ. ويوم الأحد 17/9/2023 رحّلت السلطات التركيّة، 480 لاجئ ترحيلاً قسريّاً بينهم 16 عراقيّاً.
وفي 21/7/2023 رحّلت السلطات التركيّة، 115 شخص إلى شمال سوريا، من معبر تل أبيض الحدودي مع تركيا شمال الرقة، بينهم ثلاثة أشخاص يحملون الجنسية الأفغانيّة.