ديسمبر 24. 2024

متغيرات ميدانية.. أحد ملامحها استئصال تركيا الجبهة الشامية وحلفائها من إقليم عفرين

عفرين بوست ــ متابعة

تدرك دمشق جيداً حساسية التوقيت الانتخابيّ، وأنّ حكومة العدالة والتنمية مستعدة لكثير من التنازلات من أجل كسب الاختبار الانتخابي القادم في حزيران 2023، ولذلك رفعت سقف شروطها مستندة إلى دعم حليفيها الروسي والإيرانيّ، والتي تضمنت وقف الدعم للمعارضة السوريّة ما كان السبب في المظاهرات والانقسام الفصائليّ.

متغيرات ميدانيّة موازية للمسار التصالحيّ

بعد عودة الرئيس التركيّ من قمة طهران 18/7/2022 خالي الوفاض بسبب رفض موسكو وطهران أي عملية عسكريّة تركيّة جديدة في الشمال السوريّ، تم تأكيد الرفض في قمة سوتشي، والدفع باتجاه المسار التصالحيّ وفتح باب الحوار مع دمشق، وأشارت تصريحات المسؤولين الأتراك إلى أنّه ليس أمام المعارضة السورية إلا التصالح مع دمشق، وأعلن الرئيس التركيّ أنّه لا يتطلع إلى تحقيق نصرٍ على النظام السوريّ، وبذلك بدا جلياً أنّ أنقرة ومع حساسيّة التوقيت الانتخابيّ بصدد سلسلة من الإجراءاتِ تتعلق بملف اللاجئين السوريين على الأراضي التركيّة وإعادتهم لانتزاع هذا الملف من يد المعارضة التركيّة، التي تتعهد بإعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق وعودة السفراء والانسحاب من الاراضي السورية المحتلة. كما أنّها لا يمكنها المضي قدماً في دعم الفصائل المسلحة، وبعبارة أخرى ما تسعى إليه أنقرة هو تحقيق أهداف العملية العسكريّة عبر المسار السياسيّ.

وفق هذا المعطى يجب فهم كلّ المتغيرات العسكريّة التي تحدث في المناطق التي تخضع للاحتلال التركيّ شمال سوريا، وبخاصة الأحداث التي بدأت في 11/10/2022، والتي أسفرت عن إدخال عناصر “هيئة تحرير الشام” المصنفة على قوائم الإرهاب إلى عفرين مقابل طرد مسلحي ميليشيات “الفيلق الثالث” والتي تنضوي في صفوفها ميليشيات “الجبهة الشاميّة” و”جيش الإسلام”، وهي نفسها الميليشيات التي رفضت المسار التصالحي، واعتبرت أن أنقرة خذلتهم.

الحديث عن استقدام سلطات الاحتلال التركيّة لمسلحي “الهيئة” لفرض الأمن والاستقرار، هو جزءٌ يسيرٌ من الحقيقة، ذلك لأنّه بوسعها إصدار أوامر بذلك إلى كلّ الميليشيات، ولديها إمكانيّة محاسبتها، ولذلك فإنّ فرضيّة إلصاق تهمة الفوضى بالميليشيات المطرودة وحدها ليس صحيحاً، لأنّ كلّ الميليشيات متورطة في أعمال الفوضى والاقتتال الفصائليّ والتجاوزات والانتهاكات المروّعة.   

الوقائع على الأرض أظهرت بوضوح أنّ إدخال “الهيئة” جاء في سياق تحالف مع الميليشيات التركمانية أو التي يقودها التركمان في عفرين لتقوى شوكتها، وهي التي تبدي تماهياً أكثر مع السياسة التركيّة في إرسال المرتزقة إلى ليبيا وأذربيجان وكذلك مع التوجه الداعي إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دمشق لأهداف انتخابيّة.

من المتيسر جداً معرفة شروط الجانبين الرئيسيّة وفقاً لعناوينها الرئيسيّة، فيما القطبة المخفية بآليات تنفيذ الخطط التي يتم الاتفاق عليها، وتستند دمشق بقوةٍ إلى موقفِ حليفيها الروسيّ والإيرانيّ، ولذلك فإنّ سقف مطالبها عالٍ، وتتضمن إنهاء الاحتلال ووقف دعم الميليشيات المسلحة والائتلاف وإعادة اللاجئين السوريين، وبالمقابل تطالب أنقرة بتعاون دمشق ضد الإدارة الذاتيّة.

وتتواصل اللقاءات الأمنيّة على أعلى المستويات بين الجانبين التركيّ والسوريّ، وفيما كانت محل التكهنات سابقاً، فقد باتت علناً، وآخرها اجتماعٌ عُقد في موسكو الشهر الحالي بين رئيسي جهازي الاستخبارات، وتم فيه الاتفاق على إعادة اللاجئين السوريين من تركيا وتسليم عدد من قيادات الائتلاف والميليشيات وإنشاء 3 مراكز للتسوية في المناطق الحدودية ضمن الأراضي التركية.

البعد الاقتصادي للتصالح

الحديث في الأوساط الإعلاميّة يشملُ فقط الجانبين السياسيّ والعسكريّ، والحقيقة أنّ الملف الاقتصاديّ هو الأكثر حساسيّة وضرورةً، فدمشق كسبت المزيد من الزمن، ووجود الميليشيات وتجميعها في مناطق شمال وغرب سوريا لا يشكل أدنى تهديد للنظام السياسيّ القائم منذ أن تم ترحيل المسلحين من ريف دمشق وحمص عام 2018، ولكن محافظة مهمة جداً لجهة فتح الطرق الدوليّة (خط الترانزيت) اعتباراً من معبر باب الهوى وحتى معبر نصيب على الحدود مع الأردن، ويكتسب هذا الخط أهميّة استثنائيّة مع تحسين العلاقات التركية مع دول الخليج وبخاصة السعودية، إضافة إلى أهمية الطريق الدوليّ الذي يصل بين مناطق شمال سوريا والساحل السوريّ، فيما يشكّل معبر السلامة وطريق غازي عينتاب قيمة اقتصاديّة مضافة.

المعلومات المتداولة تفيد بأنّه تم الاتفاق على قيمة رسم عبور الأراضي السوريّة بالنسبة للشاحنات بنحو ألفي دولار، على أن يقل عدد الشاحنات العابرة عن 600 يومياً.

وباعتبار أن “هيئة تحرير الشام تسيطر على محافظة إدلب، فإنّ خروج لها من المحافظة ستكون له نتائج مباشرة على مسألة الطرق والمعابر، كما أنّ موسكو تبدي حساسيّة كبيرة إزاء ملف إدلب نظراً للوجود الجهاديّ متعدد الجنسيات فيها وبخاصة عدة آلاف من الجهاديين القوقاز.

إعادة صياغة للميليشيات

كشف موقع “ميدل إيست آي “البريطانيّ، في 26/10/2022، أنَّ السلطات التركيّة تخطط لدمج ميليشيات “الجيش الوطنيّ” ضمن جيش موحّد وتحت قيادة مركزيّة، بهدف إنهاء حالة “الفصائلية”، ووردت معلومات عن استدعاء أنقرة متزعمي الميليشيات لتصدر إليهم الأوامر في هذا الصدد.

هذه الخطوة تأني في إطار محاولة أنقرة تحسين شروطها التفاوضيّة رغم امتثالها لتوجيهات موسكو، والخطة التي بدأتها مؤخراً تحتاج قبضة أمنيّة وقوةً عسكريّة على الأرض، وهذا ما تفتقر إليه الميليشيات المسلحة المتناحرة، وتلك هي مهمة “الهيئة” متحالفة مع الميليشيات التركمانيّة، وهذا محل الخلاف “الظاهريّ” مع موسكو وقال المبعوث الخاص للرئيس الروسيّ إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف في 20/10/2022: إنَّ تركيا “لم تنفذ كامل التزاماتها في الاتفاقيات التي وقعت عليها في موسكو في آذار 2020″، معتبراً أن هناك محاولات تركية لتحويل “هيئة تحرير الشام” إلى “معارضة معتدلة”.

معلومٌ أنّ ميليشيات “الحمزات وسليمان شاه” موالية للسلطات التركيّة إلى أقصى حدٍّ، فيما سيتم تفكيك الميليشيات التي رفضت المسار التصالحيّ والتي خرجت مع حواضنها في مظاهرات احتجاج، والذرائع لذلك جاهزة ويتم العمل على حصر الفوضى بوجودها، وكان ذلك مضمون الاجتماع الذي عقدت تركيا اجتماعاً مع “تحرير الشام” ومتزعمي ميليشيات أخرى.

تسعى أنقرة إلى تعزيز الميليشيات التركمانيّة، وضمان بقائها مع حواضنها من المستوطنين في المناطق الحدوديّة، ولذلك فالحديث عن إعادة صياغة ما يسمّى “الجيش الوطنيّ”، فهو مجرد عنوان عام، فقد سبق أن تم رفع شعار توحيد الفصائل في مناسبتين الأولى قبل العدوان على عفرين بثلاث أسابيع، والثانية قبيل العدوان على تل أبيض ورأس العين، وبذلك فإنّ أي إعلان عن توحيد الفصائل هو إجراء تمهيديّ لعملٍ عسكريّ، وحالياً يجري على العمل على إيجاد صيغة تشمل الميليشيات التركمانيّة ومسلحي “فيلق الشام” و”أحرار الشام”، تحت ذريعة “الاندماج أو وحدة الصف”.

احتمالات التصعيد قائمة

فيما يتصل بخريطة التوزع العسكريّ فقد أسفرت الأحداث الأخيرة وكذلك الاشتباكات التي جرت في 18/6/2022 عن إقصاء مسلحي “الجبهة الشامية” من عفرين وكذلك انتشار عسكريّ لهيئة تحرير الشام في قرى ناحية شيراوا القريبة من خطوط التماس بالتنسيق مع ميليشيا “فيلق الشام”

وأسفرت الأحداث في مدينة جرابلس المحتلة والفوضى الأمنيّة فيها عن سيطرة مسلحي “حركة أحرار الشام” على المدينة، وكذلك على العديد من القرى في ريفها، لتكون أقرب إلى خطوط التماس مع قوات مجلس منبج العسكريّ، وبأخذ بعين أنّ “أحرار الشام” باتت أحد أذرع الهيئة العسكريّة، فإنّ مجمل الأحداث قد أفضت إلى نقل مسلحي الهيئة إلى خطوط المواجهة، في مواقع قريبة من مجلس منبج العسكريّ التي تنضوي في إطار قسد، وليس من المتوقع أن تعارض موسكو هذا التطور في سياق سياستها التي اعتمدتها في سوريا عبر ضرب الخصوم ببعضهم.

هذا السيناريو دفع واشنطن إلى رفع نبرتها، فبعد بيان السفارة الأمريكيّة بدمشق الذي عبر عن قلق واشنطن من دخول “الهيئة” إلى عفرين، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس في 25/10/2022: إنّ واشنطن “تركز مع شركاء في المنطقة على إخراج هيئة تحرير الشام من مدينة عفرين”، مؤكداً أنّ الولايات المتحدة “تراقب التطورات عن كثب”.

وبذلك فإنّ احتمالات التصعيد ما زالت قائمة، وبخاصة أنّ موسكو لا تبدي أيّ اعتراضٍ على القصف المدفعي واستهداف المسيرات التركيّة لنقاط مختلفة اعتباراً من منطقة الشهباء وحتى أقصى شمال وشرق سوريا.

التفويض التركيّ لتنظيم “تحرير الشام” بهذه المهمة كان محاولة للتملص من الجرائم والانتهاكات بحق الكرد، وتحاول تمكين “الهيئة” المصنفة على قوائم الإرهاب، يُريد به خداع المجتمع الدوليّ. وتحميلها لاحقاً المسؤوليّة عبر تظهيرها في المشهد الأخير. فيما التغيير الديمغرافيّ الذي أفضى إلى توطين التركمان في الشريط الحدوديّ سيكون له آثار مديدة ستعمل أنقرة على استثمارها.

ما جرى خلال الأيام الماضية كان تغييراً في خارطة السيطرة في الشمال السوريّ، لصالح الميليشيات الأكثر ولاءً لأنقرة تمهيداً للمفاوضات المزمعة بين حكومتي دمشق وأنقرة والتي يُتوقع أن تسفر عن تسليم إدلب لحكومة دمشق وروسيا، الأمر الذي تطلب نقل عناصر “هيئة تحرير الشام” إلى عفرين ومناطق أخرى، وقد قامت الهيئة منذ فترة بفتح الطرق باتجاه المعابر التجاريّة مع قوات الحكومة السوريّة.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons