عفرين بوست-خاص
منذ بدء الصراع المسلح في سوريا العام 2011، وتحوله من حراك شعبي طالب بمطالب مُحقة، إلى حرب أهلية عقب امتطائها من قبل جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها تنظيم الاخوان المسلمين المصنف ارهابياً، بدعم وتمويل تركي، سعى خلاله لاستغلال أحلام السوريين وتطلعاتهم ببناء وطن يحترم مواطنيه، إلى تأجيج الصراع على أساس طائفي ومن ثم عرقي، يمكنه قضم الأراضي السورية واحتلالها، حيث جند الاحتلال التركي العشرات من المليشيات المسلحة التي تركت مطالب السوريين خلف ظهورهم وتوجهت لتحقيق مطالبه.
فليس غريباً أن كل محاولات التوفيق التي عقدتها القوى الكُردية في شمال سوريا وعفرين واحياء حلب كالشيخ مقصود والاشرفية، كان يجري فسخها من قبل مسلحين موالين لتركيا، مع تبرير ذلك إعلامياً بأن وحدات حماية الشعب لا تلتزم بها، ومن ثم الترويج لتبعية القوة للنظام السوري، واخيراً الصاق تهمة الانفصالية بها، وهي تهمة جاهزة لكل القوى الكُردية المُطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الكردي ضمن الأطر الوطنية التي يتواجد فيها الكُرد.
تسليح وتمويل..
ما أن بدأ الصراع المسلح في المناطق السورية الداخلية كدرعا وحمص، حتى بدا الاحتلال التركي بتزويد المليشيات والمسلحين الموالين لها بالمال والسلاح والعتاد، بغية مواجهة النظام السوري واسقاطه، فليس سراً أن انقرة كانت تسعى لإسقاط النظام الحاكم في دمشق، بغية تولية تنظيم الاخوان المسلمين سدة الحكم، والتي تعني تبعية مطلقة للنظام التركي.
لكن ومع استمرار الصراع وتدخل الروس في العام 2015، عادت الكفة للرجحان إلى ضفة النظام، وتوالت معها الهزائم التي منيت بها المليشيات الإسلامية لتخسر غالبية ما كانت تملكه وينحصر تواجدها في مجموعة مناطق حدودية مع تركيا من جرابلس إلى ادلب مروراً بإقليم عفرين الكردي.
اول هجوم..
يوم التاسع والعشرين من أكتوبر العام 2012، شنت مليشيات مسلحة عاملة تحت مسمى “الجيش الحر” انطلاقاً من مدينة اعزاز المجاورة لـ عفرين من الجهة الشرقية، اول هجوم مسلح، من خلال الهجوم على حاجز لـ وحدات حماية الشعب التي كانت في بدايات تشكيلها، في قرية قسطل جندو التابعة لناحية شرا\شران، من قبل مليشيا “عاصفة الشمال” بقيادة المدعو عمار داديخي حينها.
بُرر الهجوم من قبل المليشيات التي شكلها أهالي اعزاز بان الكُرد لا يوالون (الثورة السورية) تارة، وبأن وحدات حماية الشعب عملية للنظام السوري تارة أخرة، وهما حجتان واهيتان، فلا المُشاركة في الثورة التي تدعي الدعوة إلى الحرية مفروضةً إجبارية على الناس (حيث من المفترض أن يترك من يدعي المطالبة بالحرية، الحرية للمواطنين في المشاركة بها من عدمها)، ولا وحدات حماية الشعب كانت قد شاركت في أي عملية ضد المليشيات في أي من مناطق حلب.
رفضت المليشيات المسلحة العاملة تحت مسمى “الجيش الحر” الاعتراف بخصوصية الكُرد، وكانت تجاهر بأنه على الكُرد الاختيار ما بين الوقوف مع الثورة المُدعاة أو الوقوف مع النظام، فيما كان حياد الكُرد عن خوض تلك الحرب الآثمة، دليلاً من وجهة نظر المليشيات على أن الكُرد موالون للنظام، ليتخذ هؤلاء القرار بمحاربتهم بناءاً على حيادهم، مدفوعين بتجييش تركي!
فشنت هجمات على احياء الاشرفية والشيخ مقصود وتم قتل 13 متظاهر في حي الاشرفية اعترضوا على دخول مسلحي الجيش الحر له في تشرين الثاني العام 2012، إضافة إلى عملية اختطاف طالت أكثر من 400 مواطن كُردي على طريق حلب عفرين بالفترة ذاتها.
بدورها ذكرت مواقع كُردية حينها أن “عمار داديخي” التركماني الأصل، متورط في جرائم عديدة، ونقلت عن ناشطين بانه كان قد قام بخطف 11 لبنانياً بالإضافة الى الصحفي اللبناني “فداء عيتاني”.
اما الوسائل الإعلامية الموالية لمليشيات “الجيش الحر” فما فتأت وهي تبرر للهجوم على الشعب الكُردي في عفرين بحجة أن حزب العمال الكردستاني قد شن الهجمات على مسلحيهم، وكان تقمص الرواية التركية بوجود حزب العمال الكردستاني في عفرين دليلاً صريحاً على الدور التركي الداعم لتلك المليشيات، حيث لم يكن للأحزاب الكردية أي إشكالية مع المناطق المجاورة لعفرين، لكن الصاق تهمة الانتماء لحزب العمال الكردستاني منذ العام الأولى للصراع المسلح، كشف النوايا التركية الساعية لجعل مسلحي مليشيات “الجيش الحر” العصا التي يتم بها ضرب الشعب الكردي، وهو ما تم فعلاً من خلال غزوة “غصن الزيتون” يناير العام 2018، أي بعد ستة سنوات من محاولات المسلحين بمفردهم.
حصار وجوع..
لم تكتفي المليشيات الإسلامية العاملة تحت مسمى “الجيش الحر” التابع لتنظيم الاخوان المسلمين في اعزاز بشن الهجمات الغادرة على أبناء عفرين فحسب، بل عمدت الى حصارهم، في إطار محاولاتها لتركيع الأهالي واجبارهم على الاستسلام.
لكن الغريب أن هذا الأسلوب هو نفسه ما كانت تشتكي منه المليشيات الإسلامية المحاصرة في حمص وارياف دمشق، كون أن النظام كان يحاصر البلدات ويطبق سياسة (الجوع او الركوع) وفقاً لروايتها، لتستنسخ تلك المليشيات التجربة وتطبقها على عفرين وأهلها، التي عانت على مدار سنوات من سلسلة عمليات حصار طويلة، قبل أن يتم تحرير مدينة تل رفعت، وبالتالي قطع دابر المسلحين وإمكانية تحكمهم بطرق امداد الإقليم الكرُدي بالمؤن ومتطلبات المعيشة اليومية.
وخضع أهالي عفرين لفترات حصار متفاوتة شاركت فيها مليشيات اعزاز بشكل خاص، ففي يونيو\حزيران العام 2013، تحججت المليشيات الإسلامية في إعزاز بأن وحدات حماية الشعب تزود بلدتي نبل والزهراء بالمؤن والمساعدات الغذائية، مقابل الحصار الذي كنات تحاول أن تفرضه عليهم تلك المليشيات، في إطار محاربتها باقي الطوائف، فيما قال أحد قياديي وحدات حماية بأنه قد “عانى سكان عفرين وغيرهم من الأكراد لعقود من الاضطهاد والتمييز العنصري، لاسيما في ظل حكم حزب البعث، والآن قد تحول العديد من البعثيين السابقين إلى قادة في الكتائب التي تحارب النظام، ولا زالوا يمارسون العنصرية القديمة ذاتها ضد الكرد”.
وفي ديسمبر\كانون الأول العام 2013، فرضت مجدداً المليشيات الإسلامية والتي كان يقودها تنظيم داعش حينها حصاراً على عفرين، بالتنسيق مع باقي المليشيات الإسلامية في اعزاز.
وهو ما تكرر في أغسطس\اب العام 2015، عندما قطعت ما سميت حينها بـ “الضابطة الشرعية” طريق عفرين إعزاز الرئيسي والذي يعرف بأوتوستراد حلب عفرين، إلى جانب اختطاف مجموعة من المدنيين الكُرد.
وفي نوفمبر العام 2015، تعرضت عفرين مجدداً لحصار كامل من جهتها الشرقية من قبل مدينة “إعزاز، الأمر الذي سبّب آثاراً سلبية على تامين المتطلبات الأساسية لحياة المواطنين، وبشكل خاص قطاع المحروقات والمواد الغذائية، فقد أدى الحصار إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وقطع المحروقات، حيث كانت الأسواق تفتقد اسطوانات الغاز والديزل والبنزين، متسببة بتوقف مولدات الكهرباء.
وكذلك في يناير العام 2016، قبل أن تبدأ قوات سوريا الديمقراطية بتحرير مجموعة قرى في ريف اعزاز من المسلحين كان من بينها تنب وكشتعار ومطار منغ وصولاً لتل رفعت وباقي قرى الشهباء، خلال ذات العام.
قصف..
من جانب آخر، عمدت المليشيات الإسلامية في اعزاز إلى قصف القرى الكُردية في الريف الشرقي من الإقليم بين الفينة و الأخرى تنفيذاً لمخططات تركية ساعية لإراقة الدماء وصنع العداء بين المكونات السورية، ورغم عدم انجرار الكُرد نحوها واقتصارهم فيها على الدفاع عن النفس، حاول مسلحو اعزاز احتضان مليشيات جلبتها تركيا من مناطق طردت منها كمليشيا “جيش السنة” الذي تحول لأداة بيد الاحتلال التركي، لاستهداف عفرين وابنائها المقاتلين، فشنت المليشيا هجوماً على قرية عين دقنة في نهاية ابريل العام 2016، حيث سجل المسلحون انفسهم كيف كانوا يتحضرون للهجوم على وحدات حماية الشعب المرابطة هناك.
وعقب الخسارة الكبيرة التي وقعت، ومقتل عشرات المسلحين الذين وصل تعدادهم لأكثر من 70 جثة، بدء نواح الغزاة بحجة ان وحدات حماية الشعب تمثل بجثث مسلحيهم، عندما قامت بعرض جثثهم عبر تمريرها على ظهر لودر حربية في مدينة عفرين، مُوجهة رسالة للغزاة بأن ارض عفرين حرامٌ عليهم مداسها، وهو ما اكدت الوحدات لاحقاً أنه تصرف فردي واعتذرت عنه.
لكن المليشيات التي يشكلها أهالي اعزاز بدأت منذ ذلك الحين بقصف ريف عفرين عشرات المرات، خاصة في ابريل العام 2016، حيث شنت المليشيات الإسلامية هجمات صاروخية ومدفعية عنيفة تستهدف القرى الآمنة والآهلة بالسكان، في قرى (ديكمادش، قسطل جندو، بوفالون، قطمة، كفر جنة، مشعلة، معرسكيه) وهي قرى مجاورة لإعزاز ومدنية بالكامل.
وتجدد القصف في فبراير، ومايو العام 2016، عندما قصفت قرى مثل “قطمة” بصواريخ غراد انطلاقا من إعزاز، مما أدى لإصابة العشرات من المواطنين بينهم أطفال، وفي الرابع من مايو ايضاً، قصفت مليشيا “جيش السنة” المطرودة من حمص قرية “بوفالون” الكردية المحاذية لمدينة “إعزاز” بحوالي 4 قذائف، أسفرت عن استشهاد المواطن “غريب حمدو سيدو” البالغ من العمر 65 عاماً، كما أصيبت زوجته “زينب عبد الحميد عمر” بشظايا في الظهر وأصيب ابنه “جهاد سيدو” بشظايا في كعب القدم، إضافة للعشرات غيرها من الهجمات.
حجة عين دقنة..
وعقب هزيمة عين دقنة، حاول المسلحون والموالون لهم من نشطاء واعلاميين التحجج بتمرير وحدات حماية الشعب لجثث مسلحي جيش السنة، للإشارة إلى ان وحدات حماية الشعب توالي النظام وقتلت مسلحي “جيش السنة”، متجاهلين أن بلدة عين دقنة كانت خاضعة لوحدات حماية الشعب، وأن مسلحيهم من بادر بالهجوم عليها، بناءاً على تعليمات تركية كان هدفها الأساس تكبيد وحدات حماية الشعب خسائر في الأرواح، ومحاولة استنفاذ قدراتها العسكرية عبر جرها الى معارك جانبية.
وقد بينت صور بثها المسلحون انفسهم عند محاولة اقتحام “عين دقنة”، العدة العسكرية الكبيرة التي كانوا يتمتعون بها، من مدافع وصواريخ الكاتيوشا ورشاشات الشيلكا.
خلال الغزو وبعده..
ومع بدء الغزو التركي على إقليم عفرين الكردي يناير العام 2018، لعبت مليشيات اعزاز دوراً كبيراً في تزويد جيش الاحتلال بالمسلحين، الذين قتل منهم العشرات خلال الشهر الأول للمقاومة، فيما استخدم جيش الاحتلال الأراضي المجاورة بين عفرين واعزاز لاقتحام عفرين، وشُنت هجمات غادرة على قاعدة “بارساخاتون\برصايا” العسكرية، التي كانت وحدات حماية الشعب قد شيدتها بغية الدفاع عن الإقليم من الجهة الشرقية، وهي قاعدة يعلم المسلحون قبل الاحتلال بأنه كان يستحيل عليهم اختراقها لولا طيران الناتو!
وعقب اطباق احتلال عفرين، ومنذ الثامن عشر من آذار\مارس العام 2018، الذي عرف بـ “يوم الجراد”، لعبت مليشيات اعزاز دوراً حاسماً في عمليات السرقة من عفرين، حيث بينت مشاهد مصورة آلاف السيارات والجرارات الزراعية التي تم سرقتها من عفرين بحجة انها “غنائم الاكراد”، وكيف كان يتم إخراجها من عفرين من طريق دوار كاوا، الذي يصل بالضرورة مع اوستراد عفرين الواصل مع اعزاز، أي أن الغالبية العظمى من مسروقات عفرين تم تصريفها في اعزاز!
ليس ذلك فحسب، فنظراً للعلاقات التجارية التي كانت تربط أهالي عفرين بإعزاز، يعلم مسلحو المليشيات هناك أصحاب رؤوس الأموال في عفرين وريفها بشكل شبه تام، وهو ما باتت تستغله في عمليات الاستيلاء والسطو المسلح لقاء الافراج عن أملاك المواطنين ومنشآتهم الصناعية والزراعية والعقارية مقابل مبالغ مالية طائلة.
كما يعمل هؤلاء المسلحون مؤخراً على اختطاف العفرينيين الذين لديهم علم بأنهم ميسورو الحال، وليست قضية اختطاف شرف الدين سيدو ورشيد حميد خليل وطفله، إلا استكمالاً للصفحات السوداء التي دونها مسلحو اعزاز وميلشياتهم مع أهالي إقليم عفرين الكُردي، والتي افضت إلى استشهاد أحد المخطوفين وهو رشيد تحت تعذيب المسلحين.