عفرين بوست ــ خاص
الاحتلال باستخدام القوة العسكرية هو الشكل الظاهري والسطحي له، إلا تعميق الاحتلال وترسيخه لإدامته يتم عبر التغيير الديمغرافي والثقافيّ، وفي هذا الإطار تعمل أنقرة على افتتاح المزيد من المراكز الثقافية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
مزيد من معاهد يونس إمره
معهد “يونس إمره” تعرفه وسائل الإعلام التركي بأنه الذراع الثقافي لتركيا، وهو كمؤسسة عامة تهدف لترويج تركيا، إضافة لتعليم اللغة التركيّة والتاريخ والثقافة والفن التركيّ. والمعهد الذي بدأ نشاطه عام 2009، لديه نحو 63 مركزاً ثقافيّاً حول العالم يشرف عليه بشكل مباشر.
وبذلك فإنّ افتتاح مراكز تعليم اللغة التركيّة عبر معهد “يونس إمره” الثقافي، قناة أساسيّة لنشر اللغة التركيّة، وهي إحدى “سياسة التتريك الممنهجة”، بعد العمليات العسكريّة الثلاث شمالي سوريا.
تواصل أنقرة العمل على حملة نشر لغتها وثقافتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها بهدف إنشاء مجتمعات تركيّة وفي سياق هذه الخطة افتتحت العديد من المؤسسات الثقافية لنشر اللغة التركيّة لترويجها لتكون اللغة الأساسية فيها، وتستهدف بدرجة أساسيّة الفئات الشباب والأطفال بإضافة إلى فرض تعليم اللغة التركية ضمن المناهج المدرسيّة.
وبالتزامن مع يوم احتلال مدينة جرابلس وإطلاق أنقرة ما يسمى عملية درع الفرات في 24/8/2016، أطلقت سلطات الاحتلال التركيّ معهد “يونس إمره” الثقافي التركيّ حملة جديدة تستهدف تعليم 300 ألف طفل في المنطقة اللغة وإدماجهم في الثقافة التركيّة. وافتتح المعهد فرعه الثاني في مدينة الباب، وهو الفرع الثاني بعد فرع أعزاز الذي افتتح عام 2020، كما يفتتح الفرع الثالث في جرابلس، يوم الاثنين 28 أغسطس، والرابع في عفرين (منطقة غصن الزيتون) يوم الثلاثاء المقبل 29 أغسطس.
وحضر افتتاح فرع المعهد في مدينة الباب، الجمعة 25 أغسطس، رئيس المعهد شرف أتيش ومنسق «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا بالمعهد، فكرت تشيتاك، بالإضافة إلى مديري المؤسسات التعليمية في المنطقة وعدد من رؤساء الجامعات التركية والجامعات العاملة في المنطقة تحت إشراف «الحكومة السورية المؤقتة» (مقرها تركيا).
وقال رئيس المعهد شرف أتيش في افتتاح فرع المعهد في الباب، الجمعة: «هدفنا الرئيسي هو تعليم اللغة التركية لـ300 ألف طفل في المنطقة في المقام الأول”. وتابع: «استمراراً لنشر الثقافة وتعليم اللغة التركية سيتم افتتاح فرعين جديدين للمعهد في جرابلس وعفرين… بدأنا حملة تعبئة تركية في جميع أنحاء المنطقة». وتابع: «تركيا تزرع شتلات نقية في جغرافيا تهيمن عليها الحرب والدماء». وأشار إلى أنّه سيتم افتتاح فرعين جديدين للمعهد في جرابلس وعفرين… وأنهم بدأوا حملة تعبئة تركية في جميع أنحاء المنطقة، بتوجيهات من الرئيس التركيّ.
إجراءات تعميق الاحتلال
وافتتحت تركيا فروعاً لبعض الجامعات التركيّة، مثل جامعة «حران» في أورفا، وفُرضت اللغة التركية في مناطق سيطرة القوات التركية والميليشيات لخلق جيلٍ منتمٍ للثقافة التركية. واُتخذت كل إجراءات الربط الإداري بين المناطق المحتلة والولايات التركية المقابلة. (هاتاي، وعينتاب، وأورفا).
وتدار خدمات الصحة والتعليم والبريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف، وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية، بواسطة مسؤولين وموظفين أتراك، كما استبدلت الليرة التركية بالسورية، وتم إحلال مناهج تركية في المدارس في تلك المناطق. ولفت ناشطون إلى أن تركيا عمدت إلى تغيير السجل المدنيّ للسكان الأصليين في المناطق السوريّة، ونظمت بطاقات شخصية وعائليّة واستبدلت بها أخرى تركيّة. كما فُرض التعامل باللغة والليرة التركيتين.
وتم تغيير أسماء الكثير من أسماء الشوارع والأحياء والمدارس والساحات من العربية إلى التركية، ومؤخراً تمت تسمية حديقة باسم نائب والي كيليس عمر يلماز وأعيد الاسم مجدداً بعد الاحتجاجات وإزالته، كما أزيلت اسم آمنة بنت وهب اسم والدة النبي رغم قدسيته واُستبدل باسم جندي تركيّ قتيل. وتم تغيير أسماء العديد من القرى الكرديّة في منطقتي عفرين والباب.
يُذكر أنّه توجد 127 قرية كرديّة، في منطقة الباب، وحافظت أكثريّة سكانها على اللغة الأم حتى اليوم، وتفيد إحصاءات محلية، بأنّ عدد الكرد في قرى منطقتي الباب وإعزاز ومناطق أخرى في محافظة حلب، يبلغ نحو 400 ألف كرديّ، يتحدث أكثر من نصفهم باللغة الكرديّة.
التتريك أكثر عمقاً في عفرين
من المؤكد أنّ التتريك يأخذ منحى أكثر خطورة وأعمق في إقليم عفرين، فالمنطقة تعرضت لأسوأ عملية استبدال سكانيّ عبر التهجير القسريّ وتدفق أفواج المستوطنين إليها لتأخذ المسألة بعداً أكثر قسوة بكثيرة، مع عملية التتريك، إذ أُلغيت اللغة الكرديّة من التعليم، وأزيلت كلّ ملامح الهوية الثقافية الكردية في المنطقة، وتمَّ تغيير أسماء عدد من القرى إلى التركيّة، ومنها اسم قرية كوتانه إلى ظافر أوباسي، وقرية قسطل مقداد إلى سلجوق أوباسي.، وأُطلق اسم الرئيس التركيّ على إحدى الساحات، ورفع العلم التركي ونشرت صور أردوغان في كل مكانٍ. لتكون كلّ تفاصيل الحياة اليومية تركيّة ويعتادها الناس بمرور الوقت.
كان إحداث ما تسمى “مديرية التربية والتعليم في منطقة غصن الزيتون”، أولى إشارات التغيير الثقافي، فقد أُسقط الاسم التاريخ لمنطقة عفرين، وسُميت باسم العملية العسكرية والعدوان، وألغيت جميع المناهج المعمول بها، لدى الحكومة السوريّة والإدارة الذاتيّة، مع وعد باعتماد مادة اللغة الكرديّة في المناهج الدراسيّة، فيما تم إبعاد المعلمين الكرد وتعيين معلمين من المستوطنين وتلفيق تهمة تعامل المدرسين الكرد مع الإدارة الذاتيّة سابقاً.
كما افتتحت في عفرين المحتلة مراكز ثقافية تركيّة، ففي 22/9/2021 تم افتتاح فرع لمركز يونس إمره” الثقافي بحضور رئيس المركز البروفيسور “شرف آتيش” وشخصيات سياسيّة ومدنية. وخلال الافتتاح قال الأكاديميّ التركيّ في تصريح إعلاميّ: “إعزاز لنا، عفرين لنا، بكينا عندما بكى الشعب السوريّ،…”، وفي 28/1/2021 افتتح مجلس عفرين المحلي بالتعاون مع بين مديرية التربية والتعليم مركز الأناضول الثقافي في عفرين. علاوة على مدارس إمام وخطيب التي تدرس وفق المناهج التركيّة.
كما افتتحت في عفرين “كلية التربية” وهي تابعة لجامعة “غازي عنتاب” التركية بمرسوم رئاسي تركي وقّعه الرئيس أردوغان، وفقاً للمادة 30 الإضافية من قانون تنظيم مؤسسات التعليم العالي رقم 2809، والمادة 39 الإضافية من قانون التعليم العالي رقم 2547. ولم تفتتح كلية التربية قسماً للأدب الكرديّ لرفد المدارس بأساتذة أكاديميين تأكيداً على سياسة إهمال اللغة الكرديّة، وإمحائها في مستقبل المنطقة.
ونشرت صحيفة الشرق الأوسط في 26/8/2023، تقريراً بعنوان “حملة لترسيخ اللغة التركية في شمال سوريا”، جاء فيه: “تعدّ الكرديّة لغة ثانوية في المناهج التعليميّة بعد العربيّة والتركية والإنكليزية من جهة عدد الحصص، ومعاملتها مادةً غير مؤثرة في المعدل العام للدرجات، بسبب عدّها لغة اختيارية في امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية. والمفارقة المثيرة هي تفوق اللغة التركية (داخل أراضي الدولة السوريّة) وتقدمها من حيث الأهمية وعدد الحصص ونوعية المدرسين، فضلاً عن المكانة العلمية وأهميتها في التحصيل العلمي، على الكردية لغة السكان الأصليين.
وذكر التقرير أنّ أهالي المنطقة الكرد يواجهون في ظل الاحتلال التركيّ “إهمالاً متعمداً في مجال التعليم والتربية وخصوصاً من ناحية التدريس باللغة الأم لأبناء المنطقة من الكرد”. وبحسب وصف منظمة العفو الدوليّة، قامت المجالس المحلية التابعة لوزارة الإدارة المحلّية في “الحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوريّ” باستبدال المناهج التي كانت تدرس بالكرديّة، بمناهج أخرى، جعلت التركية لغة أساسية فيها إلى جانب العربية، وخصصت ساعات لتدريس الكردية للطلاب الكرد، رغم أنّ الكرد كانوا يشكّلون النسبة الساحقة (أكثر من 90%) من سكان منطقة عفرين قبل احتلالها.
كما يعاني الطلاب الكرد في عفرين وريفها صعوبةً في فهم المنهاج الدراسي المعتمَد حالياً من قبل “الحكومة المؤقتة”، خصوصاً من ليست لديهم أي معرفة مسبقة باللغة العربية نطقاً وكتابة، وبعد أن اعتادوا على الدراسة بالكردية كلغة وحيدة للمناهج.
وفي تقرير مطول لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة” صدر في 16/3/2023 تم تناول واقع المناهج التعليمية في إقليم عفرين المحتل، وسياسة فرض التتريك مقابل فرض التضييق على اللغة الكرديّة. وجاء في التقرير: “اُستبدلت المناهج الكرديّة بمناهج عربية وأضيفت اللغة الكردية وأصبحت التركية لغة أساسيّة في كلّ المدارس، وجرت مراراً محاولة إلغاء اللغة الكرديّة بحجة عدم معرفة المستوطنين بها، فتم تقليص حصصها وإعطاء الأولوية للمواد الشرعيّة والدينيّة”.
افتتحت سلطات الاحتلال التركية “كلية التربية” في مركز مدينة عفرين، وأُتبعت بـ”جامعة غازي عنتاب” التركية بمرسوم رئاسيّ تركيّ وقّعه الرئيس أردوغان، وفقاً للمادة 30 الإضافية من قانون تنظيم مؤسسات التعليم العالي رقم 2809، والمادة 39 الإضافية من قانون التعليم العالي رقم 2547. إلا أنّ كلية التربية لم تفتتح قسماً للأدب الكرديّ لرفد المدارس بأساتذة أكاديميين.
اُستبدلت المناهج الكرديّة بمناهج عربية وأضيفت اللغة الكردية وأصبحت التركية لغة أساسيّة في كلّ المدارس، وجرت مراراً محاولة إلغاء اللغة الكرديّة بحجة عدم معرفة المستوطنين بها، فتم تقليص حصصها وإعطاء الأولوية للمواد الشرعية والدينيّة. وانخفض عدد المدارس من 324 إلى 204 مدرسة، وتفيد تقارير بتحويل عدد من المدارس إلى مقرات عسكرية تتبع للجيش التركيّ. ويبلغ عدد الطلاب 45 ألفاً، أكثر من 70% منهم من المستوطنين العرب والتركمان، في حين كانت نسبة الطلاب الكرد 95% قبل الاحتلال واللغة الكردية معتمدة في جميع المدارس.
كل القرارات تأتي من مديريات التربية التركية سواء فيما يخص التوظيف أو العمل الإداري وحتى أيام العطل، مثل عيد الجمهورية التركية وعيد الطفل، بالمقابل تم إلغاء مناسبات عطل رسمية سوريّة، والجانب التركي يحدد الدوام والعطلة المدرسيّة.
من خلال فرض تعليم اللغة التركية أو عدم الإشارة السلبية إلى الدولة التركية والعثمانية. ففي مادة اللغة التركية يتم تغيير المفاهيم والسلوكيات. فيما لا تتوفر لإمكانات تعليم اللغة الكرديّة ولا الكادر التدريسيّ المؤهل علمياً.
وبذلك فإنّ التوسع في افتتاح مراكز تعليم اللغة التركية، يأتي لتثبيت الواقع الذي فرضه الاحتلال، عبر سياسة التتريك الممنهجة، وتضاف إلى إجراءات الربط الإداري وآخرها تعيين حاكم مشترك للمناطق المحتلة، فيما تضمنت الإجراءات السابقة إدارة خدمات الصحة والتعليم والبريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف بواسطة مسؤولين وموظفين أتراك.