ديسمبر 23. 2024

تقرير حقوقي يوثّق الانتهاكات والتمييز العنصريّ في عمليات الإنقاذ وتوزيع الإعانات بعد زلزال 6 فبراير بجنديرس

Photo Credit To تنزيل

عفرن بوست ــ متابعة

أصدرت أربع مؤسسات حقوقية تقريراً مشتركاً بتاريخ 12 يونيو الجاري، وثقت فيه مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقت وتلت عملية الاستجابة لزلزال 6 فبراير 2023 المدّمر في سوريا. وتنوعت تلك الخروقات والتجاوزات ما بين: منع أو عرقلة دخول المساعدات المُنقذة للحياة أحياناً، وتوجيه تمييزيّ في عمليات الإنقاذ من الميليشيات المسلحة والتمييز بتوزيع المساعدات والاستيلاء عليها والاقتطاع منها والاتجار بها وتحويل وجهتها. كم وثّقت انتهاكات متعلقة بحقوق السكن والأرض والملكيّة. والمؤسسات التي اشتركت في إعداد التقرير هي: سوريون من الحقيقة والعدالة، وليلون، وأمواج وتآزر. 

أكد التقرير تورط أطراف النزاع المختلفة في سوريا، في ارتكاب الانتهاكات، خلال وعقب كارثة الزلزال، واستغرقت الحكومة السوريّة أسبوعاً كاملاً للسماح بوصول المساعدات المنقذة للحياة عبر الحدود، وأغلقت تركيا حدودها مع سوريا خلال الـ48 ساعة الأولى بعد وقوع الزلزال؛ وأعاقت الحكومة السورية والميليشيات المسلحة التابعة للاحتلال وصول المساعدات عبر خطوط النزاع إلى المجتمعات المتضررة، كما منعت “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” وصول المساعدات الآتية عبر خطوط التماس والتي حاولت الأمم المتحدة تسهيل وصولها إلى شمال غرب سوريا.

وكشفت الاستجابة البطيئة للزلزال عن عيوب آلية إيصال المساعدات عبر الحدود التي فوضها “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” في سوريا، وأبرزت الحاجة الماسة إلى بدائل، واعترفت الأمم المتحدة بعد نحو أسبوع من الزلزال بـ”الفشل” في إيصال المساعدات الكافية إلى سوريا.

وبحسب أحدث إحصاءات “البنك الدولي”، في تقرير نشر في 15/3/2023، “يعيش 6.6 مليون سوريّ، أي نحو 31% من سكان البلاد، في مواقع وصلت شدة الزلزال إلى المستوى السادس (اهتزاز قوي) أو أعلى والمحافظتان الأكثر تضرراً، من حيث الكثافة السكانية والشدة، هما إدلب وحلب. ووثق البنك المركزي الخسائر الماديّة، ونسب الدمار بالقطاع السكنيّ في المناطق المتضررة؛ مسجلاً الدمار الجزئيّ أو الكليّ 49,778 وحدة سكنيّة في مناطق سيطرة الحكومة السوريّة، و23,579 وحدة في مناطق سيطرة الميليشيات المسلحة وفي إدلب 17,302 وحدة، وحلب 64,724 وحدة، وأشار إلى أنّ مدن جنديرس وإعزاز وحارم كانت الأكثر تضرراً.

أحصى “الدفاع المدني السوري” 2247 وفاة، و”فريق منسقو استجابة سوريا” 3467 وفاة، ووزارة الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة” 4525 وفاة. فيما أعلنت الحكومة السوريّة في 14/2/2023، أنّ عدد ضحايا الزلزال وصل إلى 1414 وفاة و2357 إصابة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، في حصيلة غير نهائية.

ركز التقرير بشكلٍ خاص على شمال غربي سوريا، لخصوصية سياق المنطقة الديمغرافيّ والعسكريّ والإداريّ. للمنطقة تركيبة سكانية مختلطة، لاسيما في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية (سابقاً)، ومن ضمنها مدينة جنديرس، التي لا تزال تحاول الحفاظ على مجتمعاتها المحلية على الرغم من موجات التشريد القسري الهائلة التي شهدتها عقب عملية “غصن الزيتون” التركية عام 2018، فيما شكّلت ملجأً لعددٍ كبير من النازحين داخلياً الذين نزحوا من مناطق سورية مختلفة بفعل العمليات العسكرية أيضاً، وبالأخص من مناطق ريف دمشق.

ذكر التقرير إنّ سيطرة تركيا العسكريّة في المنطقة أثرت على ديناميكيات الاستجابة للزلزال وأعاقتها بشكلٍ بالغ، وأنها سلمت إدارة ملف الاستجابة للميليشيات المسلحة المنخرطة بانتهاكات موثقة لا تحصى خلال السنوات الماضية، وأفادت عدة مصادر أنّ المجالس المحلية في المنطقة كانت معطلة وغير قادرة على الاستجابة لعدم استقلاليتها وتبعيتها لمؤسسات حكوميّة تركيّة، منها إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد).

وثق تحقيق لموقع “سوريا على طول”، نشر في 18/3/2023، أنّ المجالس المحلية في هذه المنطقة ترتبط إداريّاً وفعلياً، بولايات غازي عينتاب، هاتاي، وكلّس التركية، وليس “الحكومة السورية المؤقتة”. وأنّ إدارة “آفاد” تفرض على الراغبين بتقديم المساعدات لمخيمات ريف حلب الشمالي التنسيق معها. ونقل عن مصادر، “وجود إدارة من آفاد، تضم شخصين أو ثلاثة أتراك، ولا يستطيع أيّ شخص السكن في المخيم أو الخروج منه دون موافقتهم ولا يمكن العمل في مناطق النفوذ التركي شمال سوريا دون موافقتها، وكانت غائبة عن المشهد في أول 20 يوماً من الزلزال“، وتسبب الغياب بضعف التنسيق بين المنظمات المحلية العاملة على الأرض بالمنطقة، باعتبار “آفاد” هي من توجه الفرق للعمل“.

إطلاق النار

وطغت مشاهد الفوضى على السطح بداية، مع انتشار تسجيل مصور يظهر عناصر من ميليشيات “الجيش الوطني” وهم يطلقون النار في الهواء لتفريق حشد من الناس يحاول بعضهم سحب صناديق المساعدات من شاحنة تعود لمؤسسة “بارزاني” الخيريّة في جنديرس.

وبحسب شهادات أطلق الجنود الأتراك الرصاص الحي في الهواء لتفريق وطرد مدنيين توجهوا إلى قاعدة “تل سلور”، التركية في بناحية جنديرس طلباً لتقديم الآليات الموجودة فيها للمساعدة في عمليات الإنقاذ.

عوامل إضافية للمعاناة

كشف الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، فجر يوم 6/2/2023، عن طبقات متعددة من المعاناة التي يتكبدها السكان في سوريا بشكل عام، وشمال غربها بشكل خاص، سواءً سكان المنطقة الأصليين أو المستوطنين. ففي الساعات الأولى بعد الزلزال بدأت آثار سنوات من النزاع وعدم الامتثال للقانون الإنسانيّ الدولي والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان وخرق مبادئ العمل الإنساني، تتجسد بشكل أوضح في أفعال أطراف النزاع وسلطات الأمر الواقع وحتى عدد من الجهات الإنسانيّة والمنظمات التي استجابت للكارثة انتقائيّاً، وأحياناً تمييزي، بحسب إفادات مباشرة جمعها الشركاء الأربعة في التقرير.

يضاف إلى ذلك قضية فتح المعابر الحدوديّة وإغلاق بعضها الآخر، والعقوبات الأحادية المفروضة على سوريا، وملف تسييس المساعدات الإنسانية وتقييد وصولها أو الاستيلاء على أجزاء منها أو تحويل وجهتها، أو التدخلات الخارجيّة في الملف السوري واختلاف مناطق النفوذ والسيطرة أو الاحتلال الأجنبيّ أو المناكفات والعداوات ما بين القوى العسكريّة المسيطرة على الأرض، حتى التجاذبات السياسيّة داخل أروقة الأمم المتحدة وما بين الحكومات والوكالات.

جميع تلك العوامل أدت لحرمان المتضررين في سوريا، وخاصة في شمال غربها، من استجابة سريّعة وفعالة، كانت لتُسهم بإنقاذ عشرات الأرواح، وما حدث كان العكس، فقد شهدت المنطقة ضعف استجابة فادح، وعرقلة علنيّة لوصول المساعدات وتمييزاً غير مسبوقٍ ضد بعض المجتمعات المحلّية.

استجابة بطيئة

كشفت الاستجابة البطيئة للزلزال عيوب آلية إيصال المساعدات عبر الحدود التي فوضها “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” في سوريا، وأبرزت الحاجة الماسة إلى بدائل، وذلك في ظل الاعتماد على معبر وحيد، وهو معبر باب الهوى، وإغلاق معابر أساسية أخرى، مثل معبر اليعربية/تل كوجر في شمال شرقي سوريا، وباب السلامة في شمالها. فلقد استغرقت الحكومة السورية أسبوعًا كاملاً للموافقة على فتح معبريّن إضافييّن بشكل مؤقت للسماح بوصول المساعدات المنقذة للحياة عبر الحدود، وأغلقت تركيا معبر “باب الهوى” خلال الـ48 ساعة الأولى بعد وقوع الزلزال، كما أعاقت الحكومة وكذلك ميليشيات “الجيش الوطني” وصول المساعدات عبر خطوط النزاع إلى المجتمعات المتضررة، ورفضت “هيئة تحرير الشام/ النصرة سابقاً” في شمال غرب سوريا وصول المساعدات الآتية عبر خطوط التماس والتي حاولت الأمم المتحدة تسهيل وصولها.

يشير تأخر وصول المساعدات من خارج سوريا، وتأخُر أو إعاقة وصولها من مناطق الحكومة السوريّة أو مناطق الإدارة الذاتيّة، إلى أن التركيز كان انصبّ على تسجيل نقاط سياسيّة بدل ضمان الإغاثة السريعة للناجين فضلاً عن الاستجابة البطيئة للأمم المتحدة في كلّ أنحاء شمال غرب سوريا.

منع دخول المساعدات المنقذة للحياة

حصرت الميليشيات المسلحة التي تدعمها تركيا في المناطق المحتلة توزيع المساعدات الإنسانيّة في المناطق ومراكز الإيواء الخاضعة لسيطرتها، بتوجيه الشحنات التي تمر عبر نقاط التفتيش التابعة لها والاقتطاع منها وتحويل وجهتها.

تفيد شهادات الناحين والنشطاء المدنيين بأنّ منع وصول المساعدات الإنسانيّة بالوقت المناسب تسبب بخسائر بشريّة إضافيّة فمثلاً أدى نقص الوقود لتشغيل الآليات اللازمة لعمليات الإنقاذ والتي كانت قليلة أساساً إلى ارتفاع عدد الضحايا نتيجة لمحدوديّة عمليات الإنقاذ وكبلت عمليات المنع جهود الاستجابة في مختلف المناطق السوية المنكوبة ومنها مناطق الحكومة السوريّة، وتجلى ذلك أكثر في مدينة جنديرس وغيرها من مناطق شمال غربي سوريا.

وأفاد ناجٍ من مدينة جنديرس: بأنّ مدنيين جاؤوا بآلياتهم من إدلب وإعزاز لإنقاذ أقاربهم لكن العديد من الآليات توقفت بعد نفاذ وقودها، وتوفيت زوجة قريبه الصيدلاني بعدما كانت تصرخ ويُسمع صوتها من تحت الأنقاض، لبطء عمليات الإنقاذ وتأخرها، وبُترت ساق حفيد خاله نتيجة بقائه لفترة طويلة تحت الأنقاض، وقال “كنا نسمع أنين العالقين تحت الأنقاض لكن بدون قوة أو قدرة على الاستجابة”.

 عرقلة عمليات الإنقاذ وتمييز ضد المجتمعات المحليّة

تدخل الميليشيات المسلحة المسيطرة على مناطق شمال غرب سوريا بعمليات البحث والإنقاذ رافقه حدوث تمييز بين المتضررين والعالقين تحت الأنقاض، سواء بحق السكان الأصليين في المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة كمدينة جنديرس أو المستوطنين ممن ليس لهم صلات مع الميليشيات المسلحة.

أفادت الشهادات بالعديد من حوادث التمييز ضد الكرد، منها منعُ مسلحين من ميليشيا “جيش الشرقية” سائق جرافة من إكمال عملية إخراج مدني عالق تحت الأنقاض (لا يعلم إن كان عربياً أو كردياً) وسُمع صوته وتم التأكد من أنّه حي، وطلب المسلحون من السائق ترك المكان والتوجه معهم لإخراج أقاربهم من تحت الأنقاض، ومع إصرار السائق أنّ الرجل حي وعليه الاستمرار بالعمل لإخراجه، هاجمه المسلحون فاضطر لترك جرافته والهرب.

أفادت شهادة أخرى بأنّ مسلحين أجبروا منقذين من الدفاع المدنيّ على التوجه إلى منازل انهارت فوق عائلات أفراد من الميليشيات دون الاكتراث بحياة باقي الإنسان.

تفيد شهادة بمنع مالكي الآليات الخاصة من التصرف بحرية في أعمال الإنقاذ، وأن المسلحين صادروا جرافة لمدني، وقالوا له مباشرةً: سنحرج عائلاتنا أولا.” وأنّ مواطناً عائلة “كيبار” كسرت قدماه وفقد ستة أفراد من عائلته، بينهم زوجته وابنته ووالدته، في الزلزال، ولكن الأبنية التي تسكنها عائلات كرديّة لم يقتربوا منها، وهذا ما حدث مع محمد وعائلته. فلم يخرجهم أحد بل أُخرجوا بمجهود شخصي”.

أفاد شاهد من قرية كوكان بناحية موباتا/ معبطلي، بأنّ لجان طوعيّة تشكلت بمبادرة من سكان القرى كوكان فوقاني وتحتاني وميركان وداركير وأومو، وأخرى من ناحية موباتا/معبطلي. وأنّ 11 متطوعاً من قريته وحدها شاركوا في لجان نجدة متضرري الزلزال، ووصلت اللجان التطوعيّة إلى جنديرس صباح 9/2/2023، وبحوزة المتطوعين من قريتنا فقط سيارتا، كومبريسة هواء كبيرة عدد 2، كومبريسة كهرباء عدد 3، عدة وأدوات أخرى مختلفة لرفع الأنقاض. لكن حاجز ميليشيا “الحمزات” على مدخل جنديرس منع دخولهم إلى البلدة، وسمح له فقط بالدخول سيراً على الأقدام دون السيارات والعدة والأدوات التي معهم… بعد إصرار اللجان التطوعيّة على الدخول والمساهمة في عمليات الإنقاذ، طردهم مسلحو ميليشيا “الحمزات” واحتجزوا سيارتهم والعدة والكومبريسات، واضطر مالكو السيارات والمعدات لدفع فدية قدرها 400 ليرة تركية، عن كل واحد منهم، لاسترجاع سياراتهم والعدة، دون القدرة على المرور وتقديم المساعدة”.

أفاد متطوع من قرية قرزيحل/ كرزيليه أنّه مع 25 متطوعاً آخر من قريتي باسوطة وعين دارة إلى جنديرس قال: “وصلنا  في 9 شباط ما بين الساعة 9ــ10 صباحاً، وكانت المساعدات محمّلة بعشرات السيارات، أردنا توزيع المساعدات على الأهالي بأنفسنا إلا أنَّ مجلس جنديرس المحليّ طلب تسليم المساعدات لهم، لكننا فضلنا تسلميها إلى مختار قرية كفر صفرة التي لجأ جزء كبير من منكوبي الزلزال إليها ليشرف المختار على توزيعها، ولم يكن هناك خيار آخر أفضل، وبعد تسليم المساعدات وإفراغ السيارات توجهنا إلى البلدة للمساهمة في عمليات الإنقاذ يدوياً، هناك رفض مسلحو الميليشيات مساعدتنا، ولا نعلم إن كانوا من الحمزات أو العمشات، بحجّة أننا لا نمتلك الخبرة والأدوات اللازمة لرفع الأنقاض وطلبوا منا إما لمغادرة أو التوجه إلى باني تم فيها البحث عن ناجين ونبش ركامها سابقاً” وأضاف: “ما لاحظناه أنّ حياة الناس لم تكن أولوية بالنسبة للميليشيات”.

تؤكد إفادات متقاطعة، سواء لنشطاء مدنيين أو لمتضررين من الزلزال، عن ممارسات تمييزيّة في عمليات توزيع المساعدات وعلى وجه الخصوص بين المتضررين من الكرد، وأقرانهم من نازحين أو من عوائل مسلحي الميليشيات المسيطرة على مدينة جنديرس وريفها.

ــ شاهدٌ ناجٍ من حي صلاح الدين بمدينة جنديرس، قال: “كنت نائماً مع عائلتي المؤلفة من 7 أشخاص بمنزلي في الطابق الثالث، ولم يسعفنا الوقت للنزول إلى الأسفل، أُصبت بكسر في يدي وبعض الجروح الخفيفة، وزوجتي تعرضت لإصابة بالغة، وكُسر حوضها ويدها وقدميها، وتعرض أطفالي البقية لإصابات متوسطة وخفيفة، ومنزلنا تدمر بشكل كامل. الوضع سيء للغاية، زوجتي الآن تتلقى العلاج في عفرين في منزل أحد أقاربنا، وأنا في جنديرس أبحث عن خيم لأسكن فيها أنا وعائلتي. ولم توزع المساعدات بشكل عادل، والمنظمات التي أتت هناك أكثر من مرة لتوزيع المساعدات، منعتها الميليشيات، وتسيطر على حينا ميليشيا “جيش الشرقية” وكانوا يقوموا يقومون بتوجيهها إلى المخيمات حيث تقطن عوائل تلك الميليشيات وأقاربهم.”

ــ متضرر من حي الصناعة بجنديرس أفاد بأنّ حيهم يقع تحت سيطرة ميليشيا “جيش الشرقية” وتعرضنا للتمييز لكوننا كرد من قبل ميليشيات المسلحة، ومُنع توزيع المساعدات في حينا من قبل عدة منظمات وجمعيات، وكان بعضها يوزع ” الخبز والمياه” أو وجبات غذاء جاهزة، وبعدما وزعت لنا لمدة يومين، مُنعت في اليوم الثالث، من قبل متزعم في ميليشيا “جيش الشرقية”، وقال “هؤلاء أكراد ولا يستحقون تلقي الدعم” وطلبوا إرسال المساعدات إلى المخيمات العشوائيّة التي أنشئت بعد الزلزال مباشرةً”.

ــ متضررة كانت تقيم في خيمة مع جيرانها أمام منزلها المتضرر، قالت حول التمييز الذي تعرضت له: “ليس لدي معيل من أكثر من عام، بعد اعتقال زوجي بتهمة الانتماء لحزب العمال. تضرر بيتي خلال الزلزال، فزرت عدة منظمات لكنها رفضت مساعدتي بحجّة أن البيت فقط متضرر ولم يسقط، ولا يوجد أحد متوفى تحت الأنقاض، وحتى الآن لم استلم أيّ سلة غذائية أو معونة ماليّة، بينما أشاهد بعيني السلل الغذائية والمنح المالية تتوزع على خيم أهالي الشرقية، ووزعت عليهم منظمة (غ) مبلغ 150 دولار أمريكي، ومن يرشدهم للمنازل / الخيم هو المجلس المحلي لجنديرس.

ــ أرملة قتل زوجها على يد الميليشيات قبل أعوام، وتقيم مع أرامل مثلها فقدن عائلاتهن جراء الزلزال في بيت مشترك بقرية غرب جنديرس، قالت حول عدم حصول بعض السكان المحليين على المساعدات: “أنا من سكان حي الصناعة بجنديرس، وقد زار حينا عدة منظمات لا أتذكر اسمائها، لكن كثيرين من مناطق أخرى، من غير المتضررين، كانوا يأتون للحي ويسجلون أسمائهم لدى المنظمات من أجل الحصول على المساعدات، بينما لم يتمكن أحد من سكان الحي الكرد من الاستفادة من إغاثتهم”. وأضافت: “الجهة الوحيدة التي أفادتنا هي فريق تطوعيّ يعتمد على مساعدات أهالي عفرين من خارج سوريا، ورغم أنَّ منظمة أخرى سجلت اسمي واسماء جيراني من المتضررين، إلا أننا لم نتلقَ أية مساعدة، منهم حتى الآن”.

ــ متضرر من حي التلل بمدينة جنديرس، خسر محله، مصدر رزقه، جراء الزلزال. قال: قدم العشرات من غير المتضررين من خارج جنديرس أخذوا مساعدات ليسوا بحاجة إليها مقارنة مع السكان المتضررين، واقتصر الدعم الذي قدم للكرد المتضررين على المبادرات المحليّة القادمة من الأهالي في الخارج، لأهاليهم وأصدقائهم في جنديرس، ولا زلت حتى الآن بلا خيمة وأتشارك مع 3 عائلات من جيراني نفس الخيمة”.

الاستيلاء على المساعدات وتحويلها

لم يتوقف تدخل ميليشيات “الجيش الوطنيّ” في عمليات توزيع المساعدات فحسب، بل تعداه إلى الاستيلاء على جزء منها، وتحويل أجزاء أخرى إلى عوائل مسلحيها بعد إنشاء مخيمات لهذا الغرض.

شاهدة من قرية أنقلة بناحية شيخ الحديد أفادت في شهادتها حول إجبار مجموعة مسلحة المنظمات على نقل المساعدات إلى مخيمات معينة: “بتاريخ 10 شباط 2023 أخبرت ميليشيا “العمشات” أهالي ناحية شيخ الحديد عبر المخاتير للمجيء إلى قرية هيكجه لاستلام المعونات، لكن قبل أن تدخل السيارات المحملة بالمواد إلى القرية، أوقفها حاجز ميليشيا “العمشات”، وأجبروها على توزيع المعونات عند مخيمات “قطر” القريبة من القرية، وتم ذلك في الساعة الثامنة مساء، وتم التوزيع على المستوطنين العرب فقط”.

تحقق خبير التحقق الرقميّ لدى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع المعلومات الواردة في الشهادة السابقة. وكان من بين تلك المواد فيديو نشرته القوة المشتركة ما بين ميليشيات السلطان “سليمان شاه والحمزة”، وأظهر آليات الميليشيات ومسلحين تابعين لهم خلال عمليات بناء المخيم المذكور في قرية هيكجه/Hêkiçê.

استعادوا “الفروج” الذي وزعوه بعد التقاط الصور

ــ متضررة من جنديرس تقيم في قرية “هيكجه”، قالت حول محاولة مجموعة مسلحة استثمار الكارثة للترويج لاسمها إعلاميّا: “في 20/2/2023 سمعت من مكبرات الصوت لجامع القرية مسلحاً من “العمشات”، يطلب عدة مرات التوجه إلى أحد المخيمات (نقطة إيواء) خارج القرية لاستلام المعونات، وتوجهت مع أهالي القرية وأطفالنا إلى تلك النقطة التي تبعد عن القرية مسافة بعيدة، وهناك قامت ميليشيا العمشات بتوزيع (دجاجة) لكل عائلة، إلا أنّهم بعد أن قاموا بتسليمنا الإغاثة (فروج)، وقاموا بتصوير الأولاد وفي أيديهم الفروج ليؤكدوا أنّهم سلموها لمستحقيها، وبعد الانتهاء من التصوير، واسترجعوها ثانية، وعاد الأهالي إلى منازلهم وأيديهم خالية”. وختمت “زينب” شهادتها: “قال مسلحو ميليشيا “العمشات” لنا أنّ عليكم الإقامة في المخيمات حتى تحصلوا على المساعدات الإغاثيّة”.

ــ ناشطة مدنية، شاركت بجهود توزيع المساعدات المرسلة من متبرعين من أهالي عفرين من الخارج، قالت: “في 16 شباط 2023 تلقيت أموالاً من أصدقائي في أوروبا لتوزيعها على المتضررين وضحايا الزلزال في قرية كاخور التابعة لناحية معبطلي/موباتا المتضررة، وعند مدخل القرية تفاجأت بعناصر ميليشيا “سليمان شاه” يمنعوننا من دخول القرية وحاولوا اعتقالي وسلب الأموال التي بحوزتي، لكن زملاء من المكون العربيّ تدخلوا وتجنبوا المشكلة، لكننا لم نتمكن من توزيع تلك الأموال على أهالي القرية”.

وذكرت الناشطة أنهّا شاهدت من بعيد، مقر ميليشيا “لواء الشمال”، الكائن في شارع البريد بمدينة عفرين، يحتوي على كميات كبيرة من الخيام والمعونات التي كان من المفترض أن تُوزّع على المحتاجين.

تقاطعت الشهادة السابقة مع مواد من مصادر مفتوحة، تؤكد وجود مقر لميليشيا “لواء الشمال” في مدينة عفرين، قرب ملعب عفرين. وقام خبير التحقق الرقمي بربط صور مأخوذة من مقطع فيديو مع صور الأقمار الاصطناعيّة.

مخيمات شكليّة للحصول على المعونات

ــ عاملة في منظمة إغاثية بعفرين، قالت حول إقدام مجموعة مسلحة إقامة مخيمات لعوائل مسلحيها لتحويل المساعدات إليها: “من أكثر الميليشيات التي تدخلت في عمل المنظمات ميليشيا “العمشات”، فأنشأ مخيماً وجمع فيه عوائل مسلحيه ومن مناطق أخرى في مدرسة السواقة على طريق عفرين جنديرس، ويضم حاليا نحو 200 خيمة، وتضطر المنظمات إلى زيارة المخيم وتوزيع المساعدات، ويبدو أن بعض هذه العوائل لا تقيم إلا خلال النهار وتعود إلى منازلها ليلاً”.

تقاطعت الشهادة السابقة مع صور وفيديوهات من المصادر المفتوحة، تظهر تحويل باحة مدرسة السواقة المذكورة إلى مركز إيواء/مخيم.

ولا يبدو المشهد مختلفاً في ريف جنديرس، وحدوث انتهاكات مشابهة من قبل ميليشيات تتقاسم السيطرة على القرى، كما في قرية “كفر صفرة” التي ينحدر منها ناشط مدنيّ، أفاد بأنّ أي منظمة تدخل قريته يرافقها مسلحان من ميليشيا “سمرقند”، المسيطرة عليها، وهما: (قدور وح. علي)، ويقدمان الأسماء للمنظمة لتوزع المساعدات عليهم، ويشرفان على توزيع المساعدات على نحو عشرة قرى محيطة بجنديرس، وكثيراً ما تنقل المساعدات مباشرة إلى مخيم خارج قريتنا، وهو مخيم كبير أقيم منذ سنوات وغالبية المقيمين فيه من مناطق أخرى، من غير المتضررين”.

تمييز بتوزيع المساعدات من قبل منظمات إنسانية

تشير شهادات متضررين وناجين من الزلزال، أيضاً إلى تورط أفراد من المنظمات الإنسانية في عمليات تمييز خلال توزيع المساعدات، خاصة وأن العديد من عمليات التوزيع تمت بتدخل مباشر من جانب الميليشيات العسكرية المسيطرة.

ــ قالت ناشطة مدنية حول تمييز محتمل مارسته منظمات إنسانيّة بتوزيع المساعدات: “وزعت منظمة (ت / ش) بعد نحو ستة أيام من الزلزال 12/2/2023، مبالغ ماليّة على المتضررين في جنديرس، ولكنها لم توزع على السكان الأصليين وبخاصة الكرد، سوى على خمسة عوائل كردية فقط، لتغطي على تحيّزها”.

ــ متضررة من مدينة عفرين: “بتاريخ 21/2/2023 وزعت منظمة (هـ / أ)، لم نعرف لمن تابعة، المساعدات على مخيم عند مطعم جين، وطردت المتضررين من الكرد، وكانت عائلتي بينهم، وقالوا لهم: “هذه المساعدات مخصصة للعرب فقط”. وأضافت: “وزعت المنظمة التي كان أعضاؤها يتكلمون العربيّة، في مخيم عند مطعم جين الخميس 2/3/2023 المساعدات على المتضررين، ودخلوا خيمة جدي وسألوهم: “هل أنتم كرد؟” وعندما أجاب جدي: أننا كرد، لم يعطوهم شيئاً”.

وكانت مدينة عفرين قد شهدت أضراراً أقل جراء الزلزال الذي خلف 15 قتيلاً ونحو 60 مصاباً بعد تهدم 4 مباني بالكامل، وبات 120 مبنى غير صالح للسكن، مع تضرر 1950 مبنى آخر، بحسب إحصاءات مجلس عفرين المحلي الذي تحدث عن تجهيز 45 مركز إيواء ومخيم.

ــ ناشط مدنيّ أفاد أنّه شهد حادثة، وقعت بعد نحو أسبوع أو عشرة أيام من الزلزال؛ دخلت منظمة (غ) ووزعت مبالغ ماليّة في بلدة كفر صفرة، فكانوا يوزعون مساعدات بسيطة على بعض العائلات ومبالغ ماليّة على عائلات أخرى، وتلقت العائلات الكرديّة المحسوبة على الميليشيا الأموال، أما السكان الكرد المتضررون ففي الغالب تلقوا المساعدات عن طريق مبادرات فرديّة من الخارج، وهناك عدة عائلات متضررة تهدمت منازلها، ومنهم رجل وابنه يقيمان مع عائلتيهما في خيمة أمام منزلهما، ولم تصلهم أيّة مساعدات رغم أنّ المساعدات تمر من أمام منزلهما”.

ــ عاملة في منظمة إغاثيّة بعفرين قالت: “لاحظت تفرقةً وتمييزاً في توزيع المساعدات، بحكم عملي داخل المنظمات، وهناك العديد من المنظمات التي تعمل في المنطقة لكن الميليشيات تعمل على تضييق عملها”.

 سرقة ركام المباني المهدمة

استولت ميليشيات “الجيش الوطنيّ” على ركام المباني، ورحّلت الأنقاض إلى مواقع مخصصة ليجري البحث والنبش فيها وسرقة كلّ ما له قيمة، بما فيه قضبان الحديد لبيعها لاحقاً. وتجني الميليشيات مكاسب من تجارة الحديد بشكل غير قانوني بتفكيك هياكل منشآت عامة وخاصة استولت عليها.”

ونقل التقرير عن شاهد بوجود 3 أو 4 مواقع على أطراف جنديرس تقوم ميليشيات مثل العمشات والسلطان مراد وجيش الشرقية، بنقل الركام إليها ونبشها واستخراج الحديد منها تمهيداً لبيعه، وأحد المواقع يعود لميليشيا “العمشات” عند مدخل جنديرس حيث تقوم الجرافات والآليات بهدم المنازل المهددة بالسقوط ونقل الركام، وكلّ المباني التي تسقط يتم الاستفادة من حديدها، بعد نبش الركام. ولا يسمحون لأحد باستخراج الحديد من مبناه المهدم”.

وذكر التقرير أيضاً عن شاهدة بأنّ الميليشيات المسلحة تقاسمتِ الركام في مدينة جنديرس، ومنعت المدنيين الاقتراب من ركام الكثير من المباني المهدمة، لتقوم بنبشها لاحقاً، بحثاً عن الأموال والمتعلقات الشخصية لسكان تلك المباني. ويُنقل ركام المباني إلى مواقع تقع شمال غربي جنديرس قريب من مدخلها الشمالي، وهناك يتم النبش واستخراج الحديد من الركام”.

وأفاد ناجٍ بأنّه شهد منع مسلحين أصحاب المباني المتضررة من الاقتراب من منازلهم: “بتاريخ 13/2/2023، جاءت امرأة مسنة لجمعِ أغراض من شقة ابنها المدمرة جزئيّاً، بعدما مات ابنها وعائلته تحت الأنقاض. ويقع المبنى قرب مطعم “جود الشام” في شارع يتفرع عن شارع “يلانقوز”، لكن مسلحين تابعون لميليشيا “العمشات”، طردوا المسنة وتهجموا عليها ومنعوها بعنف من أخذ أغراض ابنها، ما جعلها تبكي وعادت دون أن تتمكن من أخذ شيء، لكن حالما ابتعدت المرأة المسنة عن المكان استولوا على المنزل بدؤوا البحث عن الأغراض التي تهمهم”.

تجارة الخيم والمساعدات الإغاثية

من الظواهر التي جرى توثيقها في منطقة جنديرس وريفها بشكلٍ كبير خلال الكارثة، انتشار تجارة الخيم والمواد الإغاثيّة، بالتزامن مع اضطرار شريحة من متضرري الزلزال، إلى شراء خيم على نفقتهم الخاصة، بعد تعرضهم للتمييز في توزيع المساعدات وعجزهم عن الحصول على المساعدات المطلوبة. و

ــ نقل التقرير عن شاهد أنه يعرف مندوباً يوزع المساعدات، وهو نازح من عائلة معروفة من ريف حماه، وشهده بتاريخ 16/2/2023، يأخذ سيارة محملة بالمساعدات الإغاثيّة (مواد غذائيّة) إلى مقر “فيلق الشام” في مدينة جنديرس، وقام بتوزيع المعونات، وكان أول من استلم هو وأهله وأصحابه، بينما أنا وغيري لم نستلم حتى حبة رز. هو محمي من قبل مسلحي “فيلق الشام”، لذلك لا أحد يستطيع مجادلته، وإن عرف بأنك مدعوم فإنّه يسلمك حصتك من المعونات فوراً. ولديه أخ يتاجر بالمعونات، ويتعاونان معاً في تجارتها”.

ــ شاهد عيان آخر من سكان قرية ميركان بناحية معبطلي/موباتا أفاد بأنه الاثنين 27 شباط، جاءت منظمة “ش” إلى قريته ووزعت لنحو 120 عائلة كاملة من سكانها علبة بسكويت صغيرة فقط، وذهبت ولم تقدم أيّة مساعدة لمتضرري الزلزال الباقين، وعددهم حوالي 250 عائلة، وفي 1/3/2023، ذهبت بنفسي إلى دكان بالقرية وشاهدت المعونات التي توزعها المنظمات، يتم بيعها لتجار الجملة”.

وقال تاجر عربيّ من ريف عفرين: “كانت الخيم تباع في البداية بمبلغ يتراوح ما بين 200 ــ 250 دولار، وقد اشتريت أنا وبعض أقاربي بهذه المبالغ، وهناك نحو ستة محلات لبيع الخيام في مدينة إعزاز قرب حمام السوق، وفي عفرين هناك محلات تبيع المواد الإغاثيّة قرب صالة جين وطريق جنديرس”.

بحسب استنتاجات المنظمات الشريكة في هذا التقرير، واستناداً إلى إفادات المصادر المحليّة، يبدو أن مئات الخيم التي كانت من المفترض أن توزع على المتضررين مجاناً من قبل عدد من المنظمات، تم بيعها للسكان المحليين بمبالغ طائلة مقارنة مع دخل السكان المحدود في تلك المناطق.

ــ أفات مواطنة من عفرين، لاجئة في ألمانيا: “نجا أخي وعائلته من الزلزال وأُخرجوا من تحت الأنقاض بمدينة جنديرس، وباليوم الخامس من الزلزال اشترى أخي خيمة من مدينة عفرين بمبلغ 250 دولاراً امريكيّاً، كنت قد أرسلت له ثمنها من ألمانيا، ورفض أخي الانتقال إلى المخيمات، خشية استيلاء الميليشيات على بقايا منزله”.

نقلت وكالة “نورث برس في 6/2/2023، عن مصدر لم تسمه، ضلوع المدعو “إبراهيم القاضي”، متزعم في ميليشيا “السلطان محمد الفاتح” في قرية ترميشا بناحية الشيخ حديد، بسرقة 29 خيمة، وجميع مستلزمات الإغاثة والطوارئ الملحقة بها والتي كان من المقرر تسليمها إلى للمتضررين من الزلزال في جنديرس.

الفوضى والعشوائية

اتّسمت عملية الاستجابة الطارئة للزلزال في جنديرس بالفوضى والعشوائيّة فيما غابت فعالية المؤسسات التابعة للحكومة السوريّة المؤقتة، رغم إعلان تشكيل غرفة عمليات لإدارة الكارثة مكونة من “المجلس المحلي وإدارة الكوارث والطوارئ التركية أفاد، والشرطة العسكرية، الشرطة المدينة والجيش الوطني والدفاع المدني” بعد انتهاء عمليات الإنقاذ.

هذه الحادثة جرت، بعد توافد مجموعات كبيرة من الناس من مناطق أخرى للإقامة في مخيمات ومراكز إيواء، في أطراف مدينة جنديرس، فالإقامة في هذه النقاط شرط للحصول على المساعدات. أشارت مصادر معارضة إلى وجود 52 مخيماً ومركزاً، ونوّهت أنّ غالبية مقيمي هذه المخيمات “إما من سكان مخيمات سابقة أو من أصحاب الأضرار الطفيفة، والنسبة الأقل هي من المتضررين المباشرين”. وقال الناشط المدني “زنار سليمان”، في إفادته حول إنشاء الميليشيات مخيمات لعوائل مسلحيها لتوجيه المساعدات إليها: “توافدت الكثير من العائلات من مناطق عديدة وقامت بنصب خيام في مخيمات أنشأتها الميليشيات، وبدأت بتلقي المساعدات، وهي عائلات غير متضررة، فمثلاً يوجد مخيم خارج جنديرس يقع شمالاً على طريق عفرين، يتم توزيع المساعدات عليهم، وهناك مخيم آخر يقع غرب جنديرس على طريق إدلب ويقدر عدد الخيم فيه بنحو 200 خيمة وغالبية قاطنيه ليسوا من المتضررين. العديد من العائلات الكرديّة المتضررة قصدت القرى المحيطة وتقيم لدى أقارب”.

لم يستطع الشركاء في هذا التقرير التحقق من مزاعم المصدر، وفيما إذا كان غالبية المقيمين في المخيم المذكور من غير المتضررين من الزلزال أم لا. وأقر المجلس المحلي في عفرين التابع لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، على لسان أحد أعضاءه في تصريحات صحفيّة بـ”وجود عشوائيّة في توزيع المساعدات، يعود سببها إلى أن الجهات التي تنشئ المخيمات تعتمد على المناطقية في مصدرها ومآلها ولا تمر عبر المجلس المحلي للمنطقة”. ووقع مجلس عفرين المحلي على مذكرات لثلاثة مخيمات في (البازار القديم والكراج ومدرسة السواقة)، فيما لم تكن بقية المخيمات عن طريقهم.

أفاد ناجٍ من جنديرس، حول انتشار الفوضى والعشوائيّة خلال عمليات الاستجابة، بأنّه يعتقد أنّها أثّرت على مصير أحد أقاربه وهو أبٌ لشابين، صعد السطح خلال الزلزال أملاً في الخلاص لأنّه كان يسكن الطابق الرابع، وقد نجا بإصابات خفيفة، بحسب ما نقل عنه أبنه الذي أخبر أن والده حينها، طلب منه تفقد أخيه سيبان وأمه. وما حدث، أنّه أسعف ابن عمي إلى أحد المشافي دون أن يرافقه أحد، ولم نعلم عنه شيئاً ولا في أيّة مشفى يعالج، خاصة وأنَّ الجميع كان منشغلاً بعائلته، ورغم أننا بحثنا عنه وتواصلنا مع مشافي أعزاز والباب وجرابلس وإدلب، ولم نعلم عنه شيئا، إلا حينما تعرف أحد جيراننا على جثته بالصدفة بعد نحو أسبوع، أثناء محاولة دفنه في مقبرة جماعيّة بجنديرس، حينها قمنا باستلام جثته ودفنها في مقابر العائلة”. وأضاف: “في الأيام الأولى كانت هناك فوضى، ويشكّ ابنه أنّ والده توفي في مشفى عام نتيجة الإهمال. ذلك أنّه كان قد نقل إلى المشفى بصحة جيدة”.

مستغلين الزلزال انتشار السرقة في جنديرس

من مظاهر الفوضى التي رافقت عمليات الاستجابة للزلزال، انتشار السرقة في مدينة جنديرس، الأمر الذي استغله تنظيم “هيئة تحرير الشام” المدرج على قوائم الإرهاب، للتدخل ومحاولة تلميع صورته.

وأوردت عدد من مصادر التقرير، تفاصيل عن انتشار السرقة، وكيف أن بعض المتضررين تعرضوا لها، كحال “منال طاهر” التي قالت في جزء آخر من إفادتها: في ثاني يوم من الزلزال، سرقت مجموعة مسلحة منزلي أمامي، سألتهم لماذا تسرقون المنزل، أجابوا لأنني لا أقيم في المنزل، فأخبرتهم أن لي ثلاث أطفال وخائفة عليهم، وأجلس بخيمة مع جيرانا بالقرب، من المنزل، فقالو لي اخرسي أو منكومك بأرضك، وسرقوا جرة غاز وتنكة زيت”.

“تحرير الشام” تستغل كارثة الزلزال

نقل التقرير بأن بعض حوادث السرقة وقعت، وشاع أنّ مسلحين من أحد الميليشيات استخرجوا قطعة ذهب من يد سيدة توفيت تحت الأنقاض، إضافة لوقوع حوادث نبش وسرقة، وفي الأيام الأولى توافد الكثير من مسلحي الميليشيات للمساعدة في جهود الإنقاذ إلا أنّهم كانوا يهتمون بالسرقة والنبش والبحث عن الأموال والذهب، وعلى إثر هذه الأخبار تدخلت “جبهة النصرة” وسيطرت على البلدة وأخرجت جميع الميليشيات”.

دخلت (هيئة تحرير الشام) إلى جنديرس بتسهيل من ميليشيات “العمشات والحمزات” وفرضت الأمن بالقوة. وتحقق الهيئة مع أي مجموعة تعمل بالإنقاذ، ومن تشك بأمره تطرده من جنديرس، وأطلقت “هيئة تحرير الشام” النار بكثافة على مجموعة السارقين، ما أدى لإصابتهم واعتقالهم”.

حصلت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، على إفادة “أبو مجاهد السوري”، وهو قيادي في “هيئة التحرير الشام” تطرق إلى حيثيات تدخل الهيئة في جنديرس، قائلاً: “طلبت فرقة العمشات مساعدتنا بموضوع ضبط الأمن في جنديرس، بسبب انتشار السرقات، وتم ذلك بالفعل، وقد نقل من ألقي القبض عليهم بتهمة السرقة إلى إدلب لمحاكم حكومة الإنقاذ”.

وتحدث القيادي في إفادته عن الهدف من وراء تدخل الهيئة: “أرسلت هيئة تحرير الشام آليات ثقيلة ومحروقات ومساعدات إلى منطقة جنديرس، بحكم الاتفاقية الأمنية بين الهيئة وفرقتي “الحمزة والعمشات”، وكان الهدف من الإرسال هو تصدير حكومة الإنقاذ، كحكومة ناجحة في إدارة الأزمات، وتم تصوير عدد من الفيديوهات لنشاط الحكومة في جنديرس”.

وأشار القيادي في إفادته إلى أن تدخل الهيئة في جنديرس، خلق تحديات أمامها في إدلب: “على الجانب الآخر، خلق التقصير ونقص الآليات الثقيلة والمحروقات والمساعدات في إدلب، حالة من التذمر لدى عناصر الهيئة، وتسبب بانتقادات لأداء حكومة الإنقاذ، لأن إدلب أولى بهذه الآليات من جنديرس والمناطق الكردية، فرغم أن آليات الهيئة تحركت منذ الساعات الأولى نحو بيوت ومقرات عناصرها المتضررة، إلا أنها لم تكن كافية نظراً لتضرر عدد كبير من القيادات والعناصر في الزلزال.”

أما عن الحصة التي حصلت عليها الهيئة من المساعدات في جنديرس، فقال القيادي أبو مجاهد السوري”: تلقت هيئة تحرير الشام حصة من المنظمات العاملة في جنديرس حالها كحال باقي الميليشيات، وهذا من حقها فهي ساهمت أيضاً بعمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض، ولم يكن بالإمكان فرض نسبة محددة نظراً لوجود الحمزات والعمشات وحركة التحرير والبناء”. 

الاستيلاء على الممتلكات ومخاوف من تغيير ديمغرافي

اشترطت ميليشيات الجيش الوطني، على المتضررين الانتقال إلى المخيمات ومراكز الإيواء المقامة حديثاً، مقابل الحصول على المساعدات، الأمر الذي حرم غالبية العائلات الكردية المتضررة من تلقي المساعدات، ذلك أن قسماً منها لجأ إلى أقاربه في القرى المحيطة بجنديرس، فيما اختار قسم آخر الإقامة في خيم أمام منازلهم المتضررة، رافضين الانتقال إلى المخيمات، خشية أن يتم الاستيلاء على منازلهم أو أراضيهم من قبل الميليشيات، بعد إزالة ركامها.

إفادات عديدة في تقريرنا تقاطعت حول وجود هاجس ينتاب المتضررين/ات الكرد والنازحين منهم قسرياً إلى مناطق سورية أخرى، جراء خشيتهم من احتمالية إقدام مجموعات مسلحة من “الجيش الوطني” على الاستيلاء على الأراضي (المحاضر) التي بنيت عليها منازلهم وتضررت أو أزيلت بفعل الزلزال، وهو ما سوف يؤدي إذا ما تمت عملية الاستيلاء غير القانونية، إلى تعزيز عملية التغيير الديمغرافي وجعله أمراً واقعاً.

قال ناجٍ: “أقيم في خيمة نصبتها في الشارع بعد تضرر منزلي، وأخاف العودة إليه خشية وقوع الهزات الارتداديّة. منزلي، شقة في الطابق الأول، وقصدنا المجلس المحليّ الذي قدّر أنّها بحاجة للهدم، فقمت بتوثيق ملكيتي للشقة في المجلس، خشية أن تستولي الميليشيات على أرضي بعد هدم البناية، ونخاف الانتقال إلى المخيمات، خشية أن يضعنا مسلحو الميليشيات من وضع خيمهم مكان أيّ بناء تُزال أنقاضه، أو يدّعوا لاحقاً بملكيتهم تلك الأرض، وهو ما تخشاه عامة العائلات الكردية”. وتستند مخاوف السكان المتضررين إلى تجارب سابقة، حدثت منذ سيطرة ميليشيات “الجيش الوطني” على المنطقة في آذار/مارس 2018، إذ جرى الاستيلاء على المنازل والممتلكات من قبل هذه الميليشيات ومقاتليها، الأمر الذي وثقته

وأضاف الناجي عن معاناة شقيقه: ” في عام 2018 نزح أخي مع عائلته من جنديرس خلال الحرب، واستولى مسلح من الميليشيات على منزله، وحاولنا كثيراً إخراجه، لكنه لم يخرج إلا حينما تهدم المنزل بشكل كامل جراء الزلزال.

توصيات

ترى المنظمات الشريكة ضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف حول سبب تأخر أو منع وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال سوريا وشمال غربها. وتطالب بإيجاد مراقبة فعالة تضمن عدم التمييز والتحيز أثناء توزيع المساعدات الإنسانيّة في سوريا وتمنع السيطرة على أجزاء منها من قبل ما تسمى الحكومة المؤقتة والميليشيات المسلحة وهيئة تحرير الشام ووقف عمليات التسييس في توزيع المساعدات الإنسانيّة. واتخاذ تدابير وإجراءات فعالة لمساءلة المسؤولين، أفراداً وكيانات، وضمان حصول جميع السوريين/ات عليها بشكل متساوٍ. وضمان منع تكرار ما حدث.

وضرورة إيلاء اهتمام خاص بحقوق السكن والأرض والملكيات في المناطق التي شهدت الزلزال المدمّر، وضمان ألا تساهم المنح والمساعدات الإنسانية، التي سوف تتعهد بها الدول خلال مؤتمر بروكسل 2023، في إحداث أي تغييرات ديمغرافية إضافية أو تثبيت عمليات التغيير الديمغرافية القائمة.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons