عفرين بوست ــ متابعة
نشرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة وجمعية ليلون للضحايا تقريراً مفصلاً عن عمليات التحطيب الجائر التي طالت 114 موقعاً للغابات (الحراجية والبرية) في عفرين المحتلة، وأُرفق التقريرُ بعدد كبيرٍ من الصور للتوثيق. وقالت المنظمة إنّ ممارسات القطع الجائر في إزالة الأحراش أخذت أشكالاً ممنهجة منذ 2018 وتمّ توثيق تورط ميليشيات من “الجيش الوطنيّ” بتلك الأفعال كأحد طرق التمويل.
إبادة 57 موقع
وجاء في التقرير: كان من بين تلك المواقع (57) موقعاً تضرر بشكل كبيرٍ، وقطعت فيه الأشجار بشكل شبه تام، بينما بلغ عدد المواقع التي تضررت بشكل متوسط من عمليات القطع التعسفيّة (42) موقعاً، وعدد المواقع التي تضررت بشكل جزئيّ (15) موقعاً.
تقدّر سوريون عدد الأشجار الحراجيّة التي تمّ قطعها منذ العام 2018 بعشرات الآلاف، على أنّ العديد من المصادر المحلّية التي تحدثت معها سوريون قدّرت الأرقام بمئات الآلاف.
بدأت سوريون من أجل الحقيقية والعدالة بمراقبة ورصد عمليات قطع الأشجار في عموم منطقة عفرين منذ أواخر عام 2019 عبر باحثيها الميدانيين بداية، والذين حددوا العديد من المواقع الجغرافيّة التي شهدت عمليات قطع واسعة آنذاك، ومن ثم عملت على جمع الأدلة من المصادر المفتوحة وتحليلها وربطها بصور الأقمار الاصطناعيّة.
استند التقرير إلى شهادات من الميدان (مباشرةً أو عبر الانترنت)، إضافة إلى الأدلة والمعلومات البصريّة المتوفرة في مصادر مفتوحة، وقارنت المنظمة تلك الأدلّة مع صور أقمار اصطناعيّة، وأثبتت بشكلٍ دامغ عمليات القطع التي حدثت في منطقة عفرين بشكل واسع بعد سيطرة الجيش التركيّ والميليشيات المسلّحة على المنطقة فيما سمّي آنذاك بعملية “غصن الزيتون العسكريّة”، ووصفتها منظمات دوليّة مستقلة ولجان أمميّة بأنّها عملية “احتلال عسكريّ”.
بلغ عدد الشهادات 36 مقابلة وشهادة مباشرة مع شهود ومصادر، من سكان محليين (سكان المنطقة الأصليين)، ومستوطنين ومصادر من داخل ميليشيات الجيش الوطني إضافة إلى عمّال إغاثة، أكّد أحدهم قيام المنظمة التي يعمل فيها بشراء أخشاب مقطوعة من عفرين في أسواق ريف حلب الشمالي. كما تحدثت سوريون إلى تاجرين اثنين، يمتهنان بيع الأخشاب وتجارتها في الشمال السوريّ، لمعرفة خطوط الاتجار بتلك الأشجار الحراجيّة المقطوعة.
بعد تحليل الشهادات والمواد البصريّة من صور وفيديوهات، والتي حصلت عليها سوريون من خلال شبكة باحثيها على الأرض، قام خبير التحقق الرقميّ في المنظمة بتحديد الأماكن الأكثر تضرراً وقام بمقارنة صور الأقمار الاصطناعيّة (72 صورة) لتحديد نسبة القطع في كلّ مكان، ثم تم ربط العديد من صور الأقمار تلك بصور حيّة (صور عادية وصور مأخوذة من مقاطع فيديو)، لتأكيد الأماكن التي أخذت فيها المواد البصريّة والتحقق قطعيّاً من عمليات اقتلاع وقطع الأشجار.
جمع خبير التحقق الرقميّ أدلة إضافيّة حول عمليات قطع لآلاف الأشجار الحراجية في أكثر من 15 موقعاً آخر، بالاعتماد على صور ومصادر مفتوحة فقط، ومقارنة صور الأقمار الاصطناعيّة في تواريخ مختلفة.
وأكد التقرير أنّ خارطة الأماكن التي شهدت عمليات غير قانونيّة لقطع وإزالة الأشجار في عفرين، والتي تحققت منها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة والبالغ عددها 114 موقعاً، لا تمثل جميع الأماكن التي شهدت عمليات قطع جائرة، والأرقام الفعليّة أكبر ما تم التوصل إليه.
مخاطر التحطيب الجائر في عفرين ذات البيئة النباتية والأحيائية الغنية
وأشار التقرير إلى أنّ إزالة الغابات وقطع الأشجار الجائر يتسبب بآثار مأساويّة على البيئة، التنوع الأحيائيّ، والمجتمعات المقيمة في المناطق المستهدفة. بيئيّاً، ويؤدي قطع الأشجار إلى إزالة منطقة حماية تؤمنها الغابات طبيعيّاً، فالأشجار تمنع تآكل التربة والفيضانات، وتحد من مخاطر التغيّر المناخي، بالأخص ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون. كذلك، للقطع الجائر نتائج مدمرة على التنوع الأحيائي، حيث تهدد إزالة الغابات الكثير من الحيوانات والحشرات بالانقراض؛ فالأشجار المقطوعة موائل لعدد كبير ومتنوع من الحيوانات، التي تدخل بمنافسة شرسة على الغذاء بعد أن تهجر مواطنها الأصلية المدمرة، فيما تصبح غير قادرة على التكاثر.
وأضاف التقرير أنّ قطع الأشجار يسبب ضررا بالغاً للسكان مهددةً حيواتهم في نواحٍ عدة. وصحيّاً، تبحث الحيوانات والحشرات المهجرة من مساكنها عن مأوى في القرى المأهولة المحيطة بالغابات، ما يفتح مجالاً لتماسٍ غير مألوف بين السكان والحياة البريّة؛ واعتبر ذلك على قدر عالٍ من الخطورة، لاسيما وأنّه يخلق بيئة حاضنة للأمراض.
ويقوض قطع الأشجار الأمن الغذائيّ للسكان، حيث تَعُد المجتمعات المحيطة الغابات مصدراً مباشراً أو غير مباشر للغذاء، فتحصد ثمار الأشجار وغيرها من الأعشاب والأصناف النباتية القابلة للأكل، أو تزرع المحاصيل في تربتها الخصبة.
كما يهدد قطع الغابات كذلك بتهجير السكان، إما لخسارتهم مصادرهم الغذائيّة أو سبل عيشهم؛ فالتربة تمنح المزارعين مغذيات عضوية للمحاصيل، فيما تمدُّ الرعاة من السكان بنباتات رعويّة لمواشيهم.
اختفاء غابات كاملة
وجاء في التقرير أنه جاء مكملاً لجهود منظمات محلية ودوليّة أحدثها تقرير مطوّل لمنظمة باكس PAX، التي وثقت عمليات إزالة الغابات في عموم سوريا، وركّزت المنظمة كذلك على منطقة عفرين، حيث كشف التقرير عن اختفاء الأشجار في مساحات واسعة بعد توغل القوات التركية وميليشيات تدعمها في المنطقة عام 2019، ما أدى لتهجير المدنيين الكرد ثانية من المنطقة ودخول موجة جديدة من المهجرين داخلياً إليها، قادمين من مناطق مختلفة في البلاد. بالأرقام، وثق التقرير اختفاء القسم الأكبر من حديقة مطلة على مدينة عفرين، حيث بنى المستوطنون مستوطنات عشوائية وقطعوا الأشجار لاستخدامها في السكن وحطباً.
أزيلت رقعة غابات مساحتها 27 هكتاراً بين عامي 2015 و2018، فخسرت حوالي 43% من أشجارها بين عامي 2018 و2021. واضمحلت الغابة على قمة التل بنسبة حادة، ففقدت 45% من كثافتها ولم تعد غابة، ما تكرر في الرقعة الموجودة في الجنوب، والتي تمثل الـ12% المتبقية، توصلت المنظمة إلى أرقام تفصيليّة أخرى عن قطع الأشجار في مناطق ضمن عفرين أو قربها، ومنها جبل الكرد وجبل برصايا. وأشارت المنظمة أن إزالة الغابات في جبل الكرد بدأت خلال العامين التاليين لاحتلال عفرين. وأشار الاستشعار عن بعد إلى خسارة قدرها 56% من الغطاء الشجريّ على مدار ما يقرب من ست سنوات، من الغطاء الحرجيّ الأوليّ الذي بلغت مساحته 4,750 هكتاراً في ديسمبر عام 2015.
الغابات/الأحراش الأكثر تضرراً
ذكر التقارير عدداً من مواقع الغابات التي طالتها عمليات التحطيب وقطع الأشجار، ووثقت معلوماتها بشهادات مباشرة من مسلحين ومتزعمين في الميليشيات، ومعلومات تم الحصول عن طريق الباحث الميدانيّ، وكذلك صور الأقمار الصناعية ومنها:
منطقة الواقعة ما بين كفرجنة وبافليون وقطمة – حرش بافليون – حرش بلدة كفر جنة – حرش جبل برصايا – حرش قطيرة.
تصريف الأحراش المقطوعة
تطابقت المعلومات في العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون حول آلية تصريف الأخشاب المقطوعة، فقد أكّدت عدة مصادر أنّ إحدى كميات الأشجار المقطوعة يتمّ بيعها لتجار الخشب في مدينة إعزاز شمال حلب، حيث تضم المدينة عدة تجار ومندوبين عن ميليشيات تقوم بتصريف البضائع إما عن طريق بيعها لمنظمات إغاثية لتوزيعها على المستوطنين أو عن طريق تهريبها إلى مناطق الحكومة السورية.
نقل التقرير شهادة مسؤول في منظمة إغاثيّة: “كنا نشتري الحطب والأخشاب لتوزيعهم على المخيمات من سوق أعزاز، كنا نقوم بشراء الأخشاب القادمة من جبل برصايا وكنا نشتريها خضراء لأن سعرها يكون أرخص مما لو كانت جافة، ولهذا السبب كانت الجبهة الشامية تمنع السكان من الوصول إلى الجبل فقد كانت تقطع الأشجار وتبيعهم للمنظمات من أجل توزيعهم على المستوطنين”.
وقال إداري في ميليشيا “السلطان مراد”: تُفرز الأشجار المقطوعة قبل بيعها، وتصدّر الأخشاب الجيدة إلى تركيا للاستخدام الصناعي وتباع الأخشاب الأقل جودة إلى تجّار الحطب بعد نقلها إلى مدينة اعزاز، وجزءٌ من الحطب يتم تهريبه إلى مناطق سيطرة الحكومة السوريّة بعد نقله إلى مدينة الباب ومنها إلى مدينة تادف، ويهرّب عبر تجار يعملون مع الفرقة الرابعة في الحكومة السوريّة.
وأفاد تاجر أخشاب في مدينة إعزاز: يبلغ سعر كيلو الحطب في مدينة اعزاز ما بين 2.5 ــ 3 ليرات تركية، ويصل سعر الكيلو في مناطق الحكومة السوريّة ضعف هذا المبلغ، لذلك يتم تهريب كميات كبيرة من الحطب من المنطقة إلى مناطق سيطرة الحكومة السوريّة من أجل الربح المضاعف، وهناك معبران رئيسيان لتهريب الخشب هما: معبر تادف الذي تسيطر عليه ميليشيا “السلطان مراد”، ومعبر باسوطة وتسيطر عليه ميليشيات فيلق الشام والحمزة.
مواقع إضافية تم قطع الأشجار فيها
وأرفق التقرير بصور عديدة لمواقع غابية وحراجية تمت فيها عمليات قطع الأشجار منها:
منطقة حراجية قرب كفروم.
منطقة حراجية قرب قورت قولاق (الديب الكبير).
المنطقة قريبة من قره تبه/قسطل كشك.
المنطقة الحراجية القريبة من جمان.
المنطقة الحراجية فوق تل الزيادية (مركز عفرين).
المنطقة الحراجية القريبة من الباسوطة/كفير (مركز عفرين).
المنطقة الحراجية القريبة من كفر صفرة.
منطقة حراجية على سفح تلة قريبة من كفر صفرة (شيخ محمد).
المنطقة الحراجية القريبة من هيكيجة/جنديرس.
المنطقة الحراجية القريبة من إشكان غربي (جنديرس).
المنطقة الحراجية القريبة من قرية تاتارا جنديرس/قمة قزقليه.
حرش بريما/حرش بطال في جنديرس.
الحرش القريب من كوردان (جنديرس).
الحرش القريب من رمضانا/جنديرس.
حرش قريب من حج حسن (شيخ الحديد).