عفرين بوست ــ متابعة
أصدرت منظمتا “حقوق الإنسان في عفرين-سوريا” و “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الخميس 1/2/2023، تقريراً مشتركاً وصفت فيه عمليات الاحتجاز التعسفيّ والتعذيب التي ترتكب من قبل سلطات الاحتلال التركيّ والميليشيات التابعة لها، واستندت إلى 40 مقابلة مركّزة تمّ إجراؤها مع ناجين وناجيات.
استهدافُ الكرد بشكلٍ خاص
كشف التقرير استناداً إلى الشهاداتِ المفصّلة التي تمّ جمعها عام 2021 وبداية عام 2022، عمليات اعتقال تعسفية، وممارسات تعذيب وحشيّة إضافة لأعمالٍ ترقى للعنفِ الجنسيّ ضد نساء وفتيات في منطقة عفرين، وبخاصةٍ بالفترةِ الزمنيّة التي تلت الاحتلال. وتركّز توزّع معظم الضحايا جغرافيّاً، في منطقة عفرين، عدا حالتين تمّ توثيقها وكانوا ينحدرون من بلدة إعزاز.
وأشار التقرير أنّ عمليات الاعتقال والتعذيب والإخفاء لعبت دوراً أساسيّاً بدفع الناجين/ات وعائلاتهم للنزوح قسريّاً من مناطق سكنهم الأصليّة، إذ قررت الغالبية العظمى من الضحايا المفرج عنهم، الانتقال والنزوح إلى مناطق أخرى (حلب ومخيمات النازحين)، خشية إعادة اعتقالهم. فيما تكرر اعتقال الناجين/ات الذين بقوا في عفرين.
وبحسب التقرير فإنّ كثيراً من عمليات الاعتقال والتعذيب حدثت بشكلٍ واسع النطاق إبان السيطرة العسكرية التركيّة على المنطقة في آذار/مارس 2018، وأمضى العديد من هؤلاء المحتجزين/ات أياماً وأسابيع وأشهر عديدة، وأطلق سراحهم بعد دفع مبالغ ماليّة طائلة. ولم تقتصر عمليات الاعتقال والتعذيب، على الذكور البالغين، فإلى جانب 25 ذكراً بالغاً، تم جمع شهادات 15 امرأة وفتاة بينهم طفلة. كما طال الاعتقال مواطنين مسنين، تعرضوا للضرب والتعذيب خلال احتجازهم. وتمّ تسجيل حالتين على الأقل لسيداتٍ طاعنات في السنّ.
كان واضحاً من خلال الشهادات والمقابلات التي تمّ توثيقها في منطقة عفرين تحديداً، استهدافُ الكرد بشكلٍ خاص، بينهم أتباع الديانة الإيزيدية. ولم تقتصر عمليات الاعتقال والتعذيب على الكرد فقط، بل طالت مواطنين عرب، تم توثيق شهادات ستة أفراد منهم.
وبحسب الشهادات الأربعين فالجهات التي وقفت خلف عمليات الاعتقال والتعذيب في عفرين، هي “الجبهة الشامية” في 12 حالة، و”الشرطة العسكرية” بـ10 حالات، و”تجمّع أحرار الشرقية” بـ7 حالات، والاستخبارات التركيّة بـ7 حالات، و”فيلق الشام” بـ6 حالات، و”لواء السلطان مراد” بـ5 حالات، و”لواء السلطان سليمان شاه” بحالتين و”أحرار الشام الإسلاميّة” بحالتين، و”جيش النخبة” بحالتين”، و”لواء الفتح” بحالة واحدة. وتعرض بعض الشهود لعمليات اعتقال وتعذيب لأكثر من مرة، على يد نفس المجموعة أحياناً.
سبق أن وثقت لجان أمميّة ومنظمات دوليّة ومحلّية أنماطاً ممنهجة من الانتهاكات التي وقعت بحق السكان في عفرين ومناطق كرديّة أخرى، تنوعت ما بين سلب الحرية التعسفيّ الذي ارتكبته على نطاق واسع ميليشيات “الجيش الوطنيّ” وأجبروا السكان، وأغلبهم من أصل كرديّ، على ترك منازلهم من خلال التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز. إضافة لتوثيق تعرّض النساء والفتيات للاغتصاب والعنف الجنسيّ.
شملت المقابلات فئات متنوعة من الضحايا وعائلاتهم، وإلى جانب جمع إفادات متعلقة بـ 25 ضحّية من الذكور البالغين، تمّ جمع إفادات مشابهة حول انتهاكات تعرّض لها 15 ضحّية أنثى، بينهم طفلة. وقد توزع الضحايا إثنياً إلى مجموعتين رئيسيتين، فإلى جانب وجود 34 ضحية كردية من الرجال والنساء، بينهم شخصين (امرأة ورجل من الديانة الإيزيديّة). تمّ توثيق إفادات 6 ضحايا من العرب السوريين، بينهم امرأة.
التوزع الجغرافي لمراكز الاحتجاز
توزعت مراكز الاحتجاز التي اعتقل فيها الضحايا المذكورين بالتقرير حسب الجهة التي وقفت وراء الانتهاك والمنطقة التي تسيطر عليها أثناء فترة الاحتجاز تلك.
ــ سجن المعصرة في قرية سجو بمنطقة أعزاز والخاضع لسيطرة ميليشيا “الجبهة الشاميّة”: اُحتجز فيه خمسة من الضحايا.
ــ مدرسة “أمير الغباري” في شارع “السياسية” في مدينة عفرين الجديدة تم تحويلها لمركز احتجاز من قبل الاستخبارات العسكريّة التركيّة، واعتقل فيه أحد الضحايا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وأمضى 23 يوماً.
ــ مبنى الإدارة المحلية سابقاً: اُحتجز فيه ضحيتان (رجل وامرأه) وكان يخضع لسيطرة ميليشيا “الجبهة الشامية” و”السلطان مراد”.
اللافت في شهادة إحدى النساء حول مركزي الاحتجاز مبنى الإدارة المحليّة سابقاً أنّها اُختطفت من قبل ثلاثة مسلحين، ثم نُقلت إلى مبنى الوالي التركيّ في عفرين لمده ساعة لتجدَ نفسها لاحقاً في السجون التركيّة وتحديداً في “كلس” بنهاية شهر نيسان/ أبريل 2018 مع امرأتين أخريين و37 رجلاً، ولتُعاد ـــــ بحسب الشاهدة ــــ إلى منطقه عفرين وتحديداً إلى مقر عسكريّ يتبع لميليشيا “السلطان مراد” وأكّدت الشاهدة أنّ المكان كان يحوي عشرات النساء الأخريات.
ــ سجن إسكان/ إيسكا: أكد شاهد أنّ عملية احتجازهم وتعذيبهم تمت في سجن “إيسكا” الذي تديره ميليشيا “فيلق الشام”، فيما تمت عملية احتجاز أحد الشاهدين عدة مرات بذات المكان، الأولى في شهر آذار/ مارس 2018 والثانية في كانون الأول/ ديسمبر 2020 والثالثة مطلع 2021. وقال الشاهد الثاني إنّه اُحتجز في ذات المكان خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2018.
تورط جهاز الشرطة العسكريّة بانتهاكات واسعة لحقوق الانسان في عفرين، وأكّدت خمس شهادات على الأقل وقوف الجهاز وراء عملية اعتقالهم التعسفيّ وتعذيبهم في مقر الشرطة العسكريّة في حي شارع الفيلات بمدينة عفرين، وأمضى أحد الشهود فتره 85 يوماً في ذلك المكان ابتداء من نهاية تموز/ يوليو 2019، وأكّدت شاهدة أنّ اعتقالها مع ابنتها وحفيدتها تمت في ذلك المكان خلال حزيران/ يونيو 2019 واستمرت لغايه 27 نيسان/ أبريل 2020 وأضافت أنَّ المقر كان بالأساس ثانوية التجارة قرب مشفى آفرين، قبل تحويله لمقر عسكريّ ومركز احتجاز وإخفاء قسريّ لمئات السكان المحليين.
وبحسب شاهدٍ اُعتقل في مقر الشرطة العسكريّة في عفرين ثانوية التجارة فقد نُقل إلى سجن ماراته العسكريّ لمده 22 يوماً وبعدها إلى سجن ماراته المدنيّ مؤكداً أنَّ الشرطة العسكريّة كانت تدير السجنين الآخرين اللذين يشهدان عمليات تعذيب وسوء معاملة بحق سجناء.
تقاطعت المعلومات التي أدلى بها الشهود مع استنتاجات أخرى نشرتها منظمة العفو الدوليّة في تقريرها في شهر أغسطس 2018 مؤكدةً استخدام تركيا والجماعات المسلحة المعارضة المدارس لأغراض عسكريّة وأشارت بشكلٍ خاص إلى مدرسة “أمير الغباري” كمكانٍ تعليميّ تم تحويله إلى مقر عسكريّ وقالت المنظمة إنَّ القانون الإنسانيّ الدوليّ يقضي بأن تحظى المدارس بحمايةٍ خاصةٍ وبضمان إتاحة التعليم للأطفال ولا سيما في حالات الاحتلال.
حوّلت ميليشيا “أحرار الشرقيّة” الذي وضعت لاحقاً على قائمة العقوبات الأمريكيّة، مدرسة “الأشرفية” المحدثة بجانب كازية “عيشة” لمركز اعتقال، وأفادت شهادة أحد الضحايا اُحتجز فيها بتاريخ 27 مارس 2018، أنّ “تجمع أحرار الشرقية” يستخدم مبنى السرايا بحي عفرين القديمة، وقال شاهدان آخران إنَّ الميليشيا لديها مركز احتجاز آخر في شارع الفيلات ــ بناية معبطلي.
عقارات ومنازل تحولت لمراكز احتجاز
حوّلت الميليشيات المدعومة من تركيا العديد من منازل وعقارات السكان المحليين المُستولى عليها بشكل غير قانونيّ إلى مراكز احتجاز غير رسميّة. وأحد الأماكن التي أفصح عنها الشهود، مزرعة في مدينة إعزاز تم احتجاز ضحية اختطفته ميليشيا “الجبهة الشامية” خلال شهر يوليو 2018 ولمده 20 يوماً ولم يستطع الشاهد تحديد المكان بدقة، إذ بقي معصوب العينين أثناء الدخول والخروج.
حوّلت ميليشيا “جيش النخبة” منزل المواطن الكردي محمد حنان في قرية أنبار لمركز احتجاز وتعذيب وأكّد الشهود عملية اعتقاله في المنزل خلال أكتوبر 2019.
حوّلت ميليشيا “لواء الفاتح” إسطبل للبقر في قرية سجو التابعة لمنطقه إعزاز لمركز احتجاز سريّ، بحسب شهادة أحد الضحايا اُعتقل فيه بنهاية شهر أبريل 2018 ولمده 45 يوماً رغم كبر سنه وكان عمره آنذاك 87 عاماً.
وحوّلت ميليشيا “السلطان المراد” مقصف زاغروس على طريق راجو قرب مفرق قرية جويق إلى مركز احتجاز وتعذيب، وأفاد أحد الضحايا أنَّ عملية احتجازه وقعت في هذا المكان بتاريخ 15 أبريل 2018. وذكر الشاهد أنَّ أصوات الضحايا المعذبين لما تنقطع من المكان بسبب الإساءة الوحشيّة المتبعة.
أفاد أحد الضحايا من الديانة الإيزيدية بأنّ عملية احتجازه تمّ في منزل يعود للمواطن “محمد عرابو” حوّلته ميليشيا “فيلق الشام” لمركز أمنيّ واحتجاز. وذكر أنّ عناصر الميليشيا وصفوهم “بالكفار” وأهانوا بشكلٍ متكرر الديانة الإيزيدية.
ذكر ضحية آخر أن احتجازه الأول من قبل ميليشيا “المعتصم بالله” بتاريخ 1 يوليو 2018 كان في منزل يعود لمواطن في حي الأشرفية بمدينه عفرين وتحديداً فوق فرن الكعك، وأضاف الشاهد أنّ ميليشيا الجبهة الشامية اعتقلته بالمرة الثانية في 5 أغسطس 2018 واُحتجز في منزل المواطن الكرديّ المهجّر قسراً “علي شربو” في حي الأشرفية بمدينه عفرين.
كما توجد مراكز احتجاز لم يتعرف عليها العديد من الضحايا، فقد ذكر شاهد اعتقلته ميليشيا “الجبهة الشامية” بتاريخ 25 مارس 2018 أنّه اُحتجز في قبو بناءٍ في مدينه عفرين، ولم يستطع تحديد المكان بدقة بسبب تعصيب عينيه، وكان سبب الاعتقال وجود صور له في مظاهرةٍ مناهضة للعدوان التركيّ على عفرين عام 2018.
ظروف وبيئة مراكز الاحتجاز
ــ استناداً إلى 40 إفادة موثقة لم تلتزم الجهات بمختلف تسمياتها التي قامت بعمليات الاحتجاز بأدنى المعايير التي يجب توافرها في مراكز الاحتجاز على الاقل المعلنة، وتعرض المحتجزون والمحتجزات لمختلف صنوف التعذيب النفسيّ والجسديّ والإهانات المتكرر والتعذيب الوحشيّ ما أدى لوفاة عدد من المحتجزين في أقبية التعذيب.
ــ تم تجويعهم بتقديم وجبة غذائيّة واحدة لهم وبكميةٍ قليلة جداً إضافة لإهمال تام للنظافة الجسديّة، وأفاد شاهد أنّه لم يستحم طوال فترة اعتقاله لمدة 40 يوماً. وأشارت شهادات عدة إلى وضع مجموعات من المحتجزين في أماكن ضيقة جداً، وقال شاهد إنَّه اُحتجز مع أكثر من 60 شخصاً آخر في مكانٍ لا تتجاوز مساحته 40 م2.
ــ اُجبر المعتقلون على النوم على أرضيّة مكان الاحتجاز، ولم تتوفر بيئة صحيّة مناسبة، وأكد شهود وبخاصة من النساء أنَّ أماكن الاحتجاز لم تراعِ الحساسيّة الجندريّة وكونهم نساء، واُحتجزن بشكل مشترك مع رجال آخرين بمساحةٍ ضيقةٍ.
ــ ذكرت نساء معتقلات أنّ محققين ذكور حققوا ووُجهت لهن إهانات وكلمات نابية شديدة لهن.
وسائل التعذيب المتبعة
ذكر الشهود (الرجال والنساء) معلومات عن عمليات تعذيب وحشيّة في مراكز الاحتجاز، سواء ما تعرضوا له بأنفسهم أو شاهدوه وعاينوه خلال فترة احتجازهم والتي تمتد أحياناً لأشهر وسنوات.
ورغم تعدد الوسائل المتبعة في تعذيب السجناء والسجينات إلا أنّها بدت متشابهة إلى حد بعيد فقد أفاد معظم الشهود أنهم تعرضوا للضرب بخراطيم (بواري التمديدات الصحيّة) المعروفة باسم “الأخضر الإبراهيميّ) إضافة لاستخدام الكابلات الرباعيّة وتعليق الاشخاص إلى الاعلى بواسطة سلاسل حديديّة وجهاز يعرف باسم “البلانكو” وأفادت شهادات عن عمليات ضرب بأخمص البندقية واستخدام الصعق الكهربائيّ يترافق مع سيل من الألفاظ النابية وشتائم متتالية.
أحد الضحايا من كبار السن اعتقلته ميليشيا “الفاتح” في قرية سجو بمنطقة إعزاز خلال أبريل 2018 قال: “بدأوا بضربي بشكلٍ وحشيّ بأخمص السلاح، واقتادوني معصّب العينين وربطوا قدميّ ويديّ، وأخذوني إلى قرية سجو حيث قاموا بتعذيب بشتى الوسائل، ووضعوا آلة حادةً بين أصابعي وبدأوا بالضغط عليها وقلعوا بعض أظافري وضربوني في المناطق الحساسة وأجبروني على خلعِ ملابسي وإبقائي باللباس الداخليّ وكانوا يقدمون القليل من الطعام لإبقائي على قيد الحياة”.
ضحية ثانٍ اعتقلتها ميليشيا “السلطان مراد” خلال أبريل 2018، ونُقلوا إلى سجن في مدينة كلس التركيّة، قالت بأنّها تعرضت مع نساء أخريات للضرب بالأيدي والأرجل من قبل عناصر تركيّ’ دون أيّ اعتبار لجنسهم أو عمرهم وترافق ذلك مع شتم بعبارات باللغة التركيّة، وأفادت الشاهدة نفسها بأنّه وبعد تسليمها لميليشيا سوريّة اُحتجزت في مكانٍ ضيقٍ وتعرضت للضرب المبرح أثناء التحقيق، تزامنا مع سماعها لأشخاص آخرين تعرضوا بتعذيبٍ مشابه وخاصة ليلاً.
ضحية ثالث تعرضت للتعذيب خلال شهر سبتمبر 2018 على يد ميليشيا “سليمان شاه/ العمشات” قال بأنّه تعرض للضرب والتعذيب في منزله الكائن في الشيخ حديد وتم ربط قدميه ويديه بحبل وضربه بواسطة خرطوم وإنزاله في بئر ماء لفترةٍ زمنيّة.
شاهد رابع اُعتقله من قبل ثلاث ميليشيات مسلحة مختلفة (المعتصم بالله، الجبهة الشامية، أحرار الشرقية) أكد تعرضه للتعذيبِ باستخدام سيخ حديد تم تسخينه بالنار قبل أن يُوضع على جسده (الكي) إضافة لتعليقه للأعلى بواسطة البلانكو.
وثمة حالات قام فيها المنتهكون إضافة للتعذيب الجسديّ بالإساءة الضحية كما هو حال سيدة إيزيديّة اعتقلتها ميليشيا “الجبهة الشامية” بداية، قبل تحويلها إلى سجن مارع الذي تديره ميليشيا “السلطان مراد” خلال مايو 2019 ولمدة 3 أشهر وقالت في إفادتها:
“وضعوني في غرفةٍ جماعيّة وحققوا معي بشكلٍ متواصل لمدة خمسة أيام بوجود ثلاثة عناصر أحدهم تركيّ والثاني كرديّ والثالث عربيّ، وتمَّ تعذيبي بشكلٍ وحشيّ لقد ضربوني بواسطة الكبل الرباعيّ، إضافة للصعقِ الكهربائيّ لقد كان هنالك أكثر من 20 امرأة أخرى في ذلك المكان، بعضهن تم احتجازهن رفقة أطفالهن الصغار، وقاموا بسبي وشتمي لأنني من الديانة الإيزيديّة وصفوني بأنّي كافرة وقاموا بإجباري على اعتناق الديانة الإسلاميّة”.
تقاطعت أقوال الضحية مع ضحية آخر من الديانة الإيزيديّة اعتقلته ميليشيا “فيلق الشام” ولعدة مرات مارس 2018 وديسمبر 2020، ووُصف أتباع هذه الديانة “بالكفار”.
أكدت شهادات أخرى تعرض عدد من المحتجزات النساء والفتيات للعنف الجنسيّ، وذكرت إحدى الضحايا اعتقلتها ميليشيا “الجبهة الشامية” بتاريخ 13 أبريل 2018 في سجن المعصرة بقرية سجو وقالت:
“تم التحقيق معنا من قبل عناصر ذكور، وتم تعصيب عينيه وضربي بواسطة الخراطيم وسبي وشتمي بكلماتٍ نابية والتحرش بي والقيام بأفعال منافية للحشمة والأخلاق من قبل عدة اشخاص”.
ذكرت ضحية أخرى اعتقلتها ميليشيا “الحمزات” خلال شهر أغسطس 2018 في مقر للميليشيا في مدينة عفرين حي المحمودية قرب الفرن الآلي بأنّها تعرضت للاغتصاب والعنف الجنسيّ مراراً وتكراراً إضافة لتعرضها للإساءةِ النفسيّةِ والبدنيّة، وإجبارها على التوقيع على ورقةٍ بيضاء وإجبارها التصوير والاعتراف بانتمائها للإدارة الذاتيّة والمسؤوليّة عن التفجيرات في عفرين، وقالت الشاهدة أيضاً بأنّه تمَّ أخذ صور فوتوغرافيّة لها والنساء أخريات وهن شبه عاريات.
رغم أنّ التعذيب الجسديّ يترافق دوماً مع التعذيب النفسيّ إلا أنّه ثمّة حالات تقصّد المنتهكون أن يتعرضَ فيها الضحية للتعذيب النفسيّ بشكلٍ أساسيّ، وتمثل ذلك بضرب وتعذيب وإهانة أقارب المحتجز أمامه. كحالة امرأة مسنة اعتقلتها “الشرطة العسكريّة” في مقرها الكائن في ثانوية التجارة خلال يونيو 2019 وتم ضرب وتعذيب ابنتها أمامها ووصفت تلك اللحظات:
“وضعونا في غرفه احتجاز انفراديّة وكانت ابنتي وحفيدتي الرضيعة معي، وكانوا يحققون معنا بشكل يوميّ ويوجهون لنا الإهانات والكلمات النابية وضربوا ابنتي أمامي وشاهدنا تعذيب الشباب أمامنا بواسطة الصاعق الكهربائيّ، لاحقاً حرموني وابنتي من حفيدتي الرضيعة”.
كان أسلوب التخويف المتعمد نمطاً شائعاً في مراكز الاحتجاز تلك، وورد ذلك على لسان غالبية الشهود، وأفاد أحد الضحايا اُعتقل مرتين من قبل “الجبهة الشامية” و”أحرار الشرقيّة”:
“لقد شهدتُ تعذيب شخص يدعى (وليد. ح) وكان عمره نحو سبعين عاماً وشخص آخر يدعى (محمد. ج) وعمره نحو 40 عاماً واُستخدمت بحقهما شتى وسائل التعذيب حيث تم تعليقهما بالبلانكو وتجريح وجوههم بواسطة آلات حادةٍ كالشفرة حتى تسيل الدماء منهم والدعس عليهم بالأرجل”.
شاهدٌ آخر اعتقلته “الشرطة العسكريّة خلال يوليو 2019 في شارع الفيلات ــ ثانوية التجارة، قال إنّه شهد اغتصاباً متكرراً لطفلة عمرها نحو 16 عاماً من قبل مجموعة عناصر موجودين في ذلك المكان.
أفضت بعض العمليات التعذيب إلى وفاة المحتجزين كما حدث مع الضحية محمد إبراهيم إبراهيم الذي اعتقلته ميليشيا “السلطان مراد” بتاريخ 14 يونيو 2018 في منزل أحد المواطنين الكرد، وتم تحويله لمقر عسكريّ في قرية خليلاك، وتم تعذيبه بشكلٍ وحشيّ ما أدّى إلى كسور بالعمود الفقريّ وأضلاع الصدر ودخل في غيبوبة لمدة شهرين ورقد عدة أشهر في الفراش قبل وفاته، بحسب شهادة أحد أفراد العائلة.
وفي حالة أخرى أدّى التعذيب لإصابة الضحية بعاهات دائمة كحالة ضحية من ذوي الاحتياجات الخاصة تعرض للضرب والتعذيب في منزله الكائن بحي الأشرفية أواخر أبريل 2018 من قبل ميليشيا “الجبهة الشامية” ما أدّى لفصل شبكية عينه اليمنى.
تسببت عملية التعذيب والضرب والإخفاء بترك آثار نفسيّة كبيرة على الضحايا وعائلاتهم فقد دفع أحد الضحايا اعتقلته الاستخبارات التركيّة إلى الانتحار بعد تهديدات تعرض لها وعمليات الابتزاز للعمل معهم والوشاية على باقي السكان الأصليين. وتبين أنّ المنتحر كان معتقلاً في مدرسه أمير الغباري.
خلفيات اعتقال الضحايا
كان السبب الظاهر والتهمة التي تم توجيهها للنسبة الكبيرة من الضحايا الذين تم الاستماع لأقوالهم هو التعامل مع الإدارة الذاتيّة سابقاً أو العمل معها، بغضِّ النظر عن كون الضحايا عرباً أم كرداً، واُستخدمت الحجّة نفسها مع جميع الضحايا.
أما السبب الحقيقيّ للاعتقال بحسب الكثير من الضحايا فهو لإجبارهم على دفع مبالغ ماليّة كبيرة للإفراج عنهم وأحياناً أخرى إجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم، ودفعهم لمغادرة مكان سكناهم الأصليّ.
لو كانت تهمة التعامل مع الإدارة الذاتية السابقة هي السبب الحقيقيّ للاعتقال لتمت محاكمتهم وفق منطقهم، ثم تحديد العقوبة التي يرتؤونها بحال ثبوت الاتهام بحقهم ذلك، رغم عدم وجود جريمة في القانون السوريّ تسمى “التعامل مع الإدارة الذاتية”، ويفترض تركهم بحال عدم ثبوت التهمة بحقهم، وهذا بغض النظر عن التعذيب والانتهاكات المرتكبة بحقِّ الضحايا.
والملاحظ من خلال أقوال الضحايا بأنّ جميعهم تم تركهم مقابل دفع مبالغ ماليّة معينة وكان أغلبها بالدولار وبعضها بالليرة التركيّة وعدد قليل منهم تم دفع الفدية عنهم بالليرة السوريّة، ما يؤكد أنَّ تلك التهمة كانت مجرد حجّة فقط لتنفيذ مآرب أخرى.