نوفمبر 15. 2024

أخبار

أنقرة… ملفات المساومة لتحصيل موافقة لشن العملية العسكريّة التركية في شمالي سوريا

عفرين بوست ــ خاص

اصطدمت العملية العسكريّة في شمالي سوريا، التي أعلن عنها الرئيس التركيّ أردوغان، بالعديد من العوائق لتحصيل الموافقة عليها، إلا أنّ أنقرة حضّرت بالمقابل ملفات للضغطِ على مراكز القرار الدوليّ ابتداءً من استغلال الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى تأخير انطلاقها.

بدايةُ، الهدفُ الميدانيّ من العملية هو استكمال ربط الجغرافيا بين ثلاث مناطق سبق أن احتلتها أنقرة في ثلاث عمليات عسكرية سابقة (عفرين، الباب وجرابلس، تل أبيض وسري كانيه/رأس العين)، وجاء الإعلان عن العملية متزامناً مع خطة إعادة مليون لاجئ سوريّ تزعم أنقرة أنّهم سيعودون بشكلٍ طوعيّ.

أما الهدف السياسيّ من العملية فهو ترميم الرصيد الشعبيّ للحزب الحاكم، لاجتياز الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانية المزمعة إجراؤها في يونيو 2024، وبالتالي فالمسألة تتعلق بمستقبل أردوغان السياسيّ وحزبه. وهذا ما أشار إليه زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، بأنّ أردوغان، يريد توظيف العملية العسكريّة “خدمةً لمصالحه الشخصيّة”.

حاولت أنقرة اللعب في هوة التناقض الدوليّ، واستغلت طلب فنلندا والسويد إلى حلف الناتو فبادرت إلى الرفضِ، مستغلة النظام الداخليّ للناتو الذي يشترط التصويت بالإجماع، وبذلك أرضت موسكو التي تعارضُ توسّع الناتو، وتركت الباب موارباً أمام واشنطن التي تدعم انضمام الدولتين الاسكندنافيتين إلى الحلف للدخول في مساومة معها، وكسب المزيد من الوقت.

بعد إطلاق أردوغان تهديداته طرأت متغيرات مباشرة على الانتشار العسكريّ بالنسبة للقوات السورية والروسيّة، بتعزيز الوجود العسكريّ، وتحليق شبه يومي للحوامات الروسيّة فوق خطوط التماس بريف حلب الشمالي والشرقيّ.

واشنطن تحركت في مساراتٍ سياسيّةٍ من شأنها التضييقِ على أنقرة، فطلبت من أثينا في 15/2/202، إذناً بنشر مقاتلات أمريكيّة في جزيرة كريت، وفعلاً بدأت الولايات المتحدة بنقل معدات عسكريّة كبيرة من الدبابات والطائرات إلى جزر بحر إيجة وتحديداً إلى قاعدة في منطقة أليكسندروبوليس (دادا آغاتش) اليونانيّة، ما دفع بالرئيس التركيّ أردوغان للقول إنه “يتعين على اليونان التوقف عن تسليح الجزر التي ليس لها وضع عسكريّ وأن تلتزم بالاتفاقات الدوليّة” وذلك يوم الخميس 9/6/2022، أثناء عرض عسكريّ في إزمير.

التسليح الأمريكيّ لليونان والعسكرة في بحر إيجة يثيران حفيظة أردوغان وحكومته إلى الحد الأقصى، إذ ينطوي ذلك على دعم الجارة والعدو التاريخيّ رغم الشراكة في إطار الناتو، ولطالما طالبت أنقرة ببقاء جزر بحر إيجة مناطق منزوعة السلاح.

القضية الثانية تتعلق بملف الغاز فقد تمّ الأربعاء 15/6/2022، التوقيع على مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل، لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا لتعويض نقص واردات الغاز، بعد شن روسيا الحرب على أوكرانيا، وهذه مسألة تفهمها أنقرة جيداً إذ لا يمكن أن تتمَّ لولا موافقة واشنطن.

فقد اعتبرت أنقرة إعلانَ الرئيس الأمريكيّ جون بايدن في 19/1/2022، وقف دعم مشروع الغاز “إيست ميد” الذي يربط بين حقول الغاز الطبيعيّ شرقي البحر المتوسط وأوروبا انتصاراً لها، وسبق أن حاولت التصدّي للمشروع الذي يتجنب المرور بأراضيها. ووصف مراقبون قرار بايدن بأنّه “كارثي” و”خطأ استراتيجي” و”استرضاء” لأردوغان، وسيكون انتصاراً جيوسياسيّاً له، ويمنحه الفرصة لمواصلة تصعيد التوترات في بحر إيجه وشرق المتوسط في إطار سعيه لتوسيعِ نطاقِ السيطرة التركيّة على طرق إمدادات الطاقة إلى أوروبا.

ومشروع “إيست ميد” تم التوقيع عليه من قبل قبرص واليونان وإسرائيل في يناير 2020، ويهدف لتصدير الغاز المُكتشف في حوض شرق المتوسط إلى أوروبا.

وكانت قضية نقل الغاز الإسرائيليّ أحد أهم المواضيع التي تم بحثها خلال زيارة الرئيس الإسرائيليّ إسحق هرتسوغ إلى أنقرة في 9/3/2022، ولذلك فإنّ توقيع مذكرة التفاهم الأوروبية ــ المصريّة ــ الإسرائيليّة تمثل تحوّلاً نوعيّاً، لا يمكن أن تتم بخلاف الإرادة الأمريكيّة، التي لا يمكنها تعويض نقص واردات الغاز عبر شحنات الغاز المسيّل.

في 17/5/2022 استقبل الرئيس الأمريكي بايدن رئيس الوزراء اليونانيّ كيرياكوس ميتسوتاكيس، وفي خطوة لافتة دعت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي ميتسوتاكيس لإلقاء أول خطاب لرئيس وزراء يونانيّ أمام جلسة مشتركة للكونغرس، وهو تكريمٌ مخصص للقادة الدوليين البارزين، “تأكيداً على أهميّة هذه الزيارة التاريخيّة”. وخلال الخطاب صفق الكونغرس الأمريكيّ 37 مرّة، وفيما تحدث المسؤول اليونانيّ ضدّ تركيا تحديداً قابله الكونغرس بحفاوة بالغة.

سقف الاحتقان ارتفع لدى الرئيس التركيّ أردوغان ليعلن في 23 مايو أنّ رئيسَ الوزراء اليونانيّ كيرياكوس ميتسوتاكيس “لم يعد موجوداً بالنسبة له” رغم أنّه التقى برئيس الوزراء “ميتسوتاكيس” في إسطنبول في 13 مارس 2022، في اجتماع كتم الهدف منه إرجاع عقارب الساعة إلى عام 2020، إلا أنّ العلاقة سرعان ما تدهورت إلى حضيض التوتر.

وإذا كانت أنقرة قد حاولت التلاعب في هوة التناقض الأمريكيّ ــ الروسيّ، فقد جاءت تصريحات المسؤولين الروس مخالفة لسقف توقعاتها، فقد أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسيّة (الكرملين) ديمتري بيسكوف الأربعاء، أنّ “العملية العسكريّة التركية الجديدة في سوريا، لن تساعدَ في تحقيقِ الاستقرار”.

وصرّح الممثل الخاص للرئيس الرّوسي لسوريا، ألكسندر لافرتنتييف، بأنّه لا يوجد أي صفقة بين روسيا وتركيا، حول أوكرانيا وسوريا، “الصراع السوري والتسوية ما زالت من أولويات السّياسية الخارجية الروسية” وتأكيده بعدم تخلي عن حلفائها بالمنطقة، رغم الإشاعات عن ضعف اهتمام روسيا بسوريا، جراء ما يحدث في أوكرانيا.

من العوامل غير المنظورة هو الموقف الإيرانيّ الذي يرفض توسع الجغرافيا الخاضعة للسيطرة التركيّة وبخاصة بريف حلب الشمالي وهي إن لم يكن لديها الرغبة بالدخول في مواجهة مباشرة مع الجيش التركي إلا أنها تملك من الأدوات الميدانية في ريف حلب ما يمكنها استخدامه بفعاليّة كافية.

وبادرت طهران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في 28/5/2022، لإعلان معارضتها أيَّ نوع من الإجراءات العسكرية واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى بهدف فض النزاعات.

بالمجمل أدى الموقف الدولي إلى إرباك الحكومة التركيّة، التي تسعى في هذا التوقيت إلى تغيير في المزاج التركي العام استعداداً للانتخابات القادمة، وبدون موافقة دولية ستكون العملية العسكرية المزمعة مغامرة محفوفة بالمخاطر.    

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons