عفرين بوست – خاص
يقول سينغ ساغنيك المحلل المعنى بشؤون الأكراد المقيم في واشنطن: “يمكن وصف حالة عفرين بأنّها أحدث مثال على التطهير العرقيّ شهده عصرنا الحديث”.
لم يقتصر هدف الاحتلال التركي لإقليم عفرين الكردي على السيطرة على الأرض، بل كان ذلك بوابة الإجراءات الأكثر خطورة، وفي مقدمها التغيير الديمغرافي وتشجيع استيطان مسلحي الميليشيات وعوائلهم من المكونين العربي والتركماني، وبذلك تم استهداف خصوصية عفرين الفريدة بكونها مركزاً الثقافة الكردية وليست مجرد جغرافيا الزيتون، وكانت على الدوام رصيداً مهماً للثقافة الكردية والوعي القوميّ. وهو نتيجة طبيعيّة لكون المنطقة ذات النسبة الأعلى للوجود الكرديّ في سوريا وتصل إلى 97% من إجمالي سكانها الأصلاء.
ما شهدته عفرين عبر الغزو والاحتلال كان استهدافاً وجوديّاً ممنهجاً. للكرد، فكان العدوان والتهجير القسريّ أول الخطوة، فيما الخطوة التالية كانت غبر التلاعب بالتركيبة الديمغرافيّة للإقليم الكردي، واستقدام المستوطنين وإقامة مجمعات الاستيطان، باعتباره أحد روافع استمرار الاحتلال التركيّ.
أولى مشاريع الاستيطان
في 15/11/2018 تداول ناشطون، إعلاناً عن تشكيل جمعيةٍ تعاونيّة من مستوطني الغوطة، لإنشاء مجمعاً استيطانيّاً باسم “القرية الشاميّة” وتبرير المشروع بأنه محاولة لحل مشكلة السكن، وجاء في الإعلان: أنّهم يبنون تجمعاً سكنيا يأوون إليه، وينطلقون منه لإكمال مسيرة الثورة في ميدان التربية والعلم والجهاد”، وتضم الجمعية: 1- محمد أحمد الخطيب (رئيساً) 2- بكري قاسم أبو مالك 3- عبد الناصر الشيخ أبو عماد 4- محمد البشش أبو خالد 5- جميل عبد الباسط أبو البشر 6- محمد اللحام أبو الأمين.
وحول موقع إقامة المجمع “بعد البحث والتقصي واستعراض معظم الخيارات المتاحة في المنطقة المحررة، وقع الاختيار على منطقة جبليّة تقع غرب بلدة مريمين العربيّة وشرق مدينة عفرين”. واستخدام توصيف “العربيّة” في الإعلان كانت محاولة لتجنب ردود فعل سلبيّة، وأنّ المجمع سيقام في منطقة هي بالأصل عربيّة، وهو يعني إدراك خطورة إقامة المشروع، في منطقة تُعرف على نحو الإجمال بهويتها الكرديّة. وكان تمويل المشروع من جمعيات إخوانيّة خليجيّة.
مجمع آفرازه الاستيطانيّ
استكملت سلطات الاحتلال التركي بناء مجمع “آفرازه” الاستيطاني، الذي تكفلت جمعية البيان القطرية – التركيّة الإخوانية بتمويل بنائه، على مساحة 1 كم2، في ساحة الاحتفالات الخاصة بعيد النوروز، الكائنة قرب قرية “آفرازيه/أبرز”.وتتألف كلّ وحدة سكنية من غرفة مبنية بالطوب، إضافة لمبطخ وحمام مسبق الصنع، وجرى تزويد كل وحدة سكنيّة بألواح الطاقة الشمسية … أما بالنسبة للقاطنين فتم تحويل سكان المخيمات العشوائية في منطقة سهل كتخ إلى المجمع الاستيطاني الكبير
مجمع قرب قرية حج حسنة
وأعلن “المنتدى السوري” الذي يرأسه غسان هيتو الرئيس الأسبق لحكومة الائتلاف المؤقتة في موقعه الإلكتروني في ٢/٤/٢٠٢١ أنّ مؤسسة تسمى “الإحسان للإغاثة والتنمية” التي يرأسها براء الصمودي. قد بدأت تنفيذ مشروع بناء /247/ وحدة سكنية بمساحة /40/ م2، تتضمن حديقة منزليّة 60 م2 مربع لكلِّ بيت، وقد اختير موقع جبلي يعرف باسم “جايي شاوتي” قريب من جبل قازقلي بمحيط قرية كفرصفرة في ناحية جنديرس لإقامة المشروع.
ويهدف المشروع لبناء نموذج قرية استيطانية في موقع جبليّ بقرب قرية “حج حسنا”، بعد قطع الأشجار فيه، ويذكر أنّ “المنتدى، مؤسسة الإحسان” منظمتان متعاونتان وعلى علاقة وثيقة بالسلطات التركية ولهما مكاتب في تركيا.
3 مجمعات استيطانية في ناحية شيه
ذكرت عفرين بوست في 27/1/2021 أنّ سلطات الاحتلال التركيّ بدأت قبل نحو شهر مع بداية العام الحالي 2021 مشروع بناء ثلاث مجمّعات سكنيّة على الشريط الحدوديّ في ناحية شيخ الحديد في المنطقة الواقعة بين قرية جقلا حتى سهل شاديا/راجو، والجهة المنفذة هي ميليشيا “العمشات”، لإسكان عوائل قتلى معارك ليبيا ومستوطنين من المزمع جلبهم من محافظة إدلب.
وقد بدأ العمل بإقامة معمل بلوك في سهل قرية أرندة بمنطقة تُدعى “ليجي دوبريه دينك- lêçê Dûbirê Dînik” الممتدة على مسافة 3 كلم مربع بين قرية قرميلق وجقلا، وأحضرت آليات ثقيلة من جرافات وغيرها إلى الموقع وبدأت تجريف التربة وتسوية الأرض، وشُقَّت طريقاً ترابيّاً من الموقع إلى الطريق الرابط بين قرية جقلا وشيه، ومن المزمع إسكان 300 عائلة من عوائل مرتزقة ميليشيا “العمشات” الذين قتلوا في معارك ليبيا.
المجمع الاستيطاني الثاني سيتم بناؤه في منطقة ”ليجي توفي= lêçê Tofê” في سهل قرية سناريه المحاذية للحدود التركية، والثالث في منطقة ” ليجي شاديا- Lêçê Şediya” في سهل قرية شاديا. وقد توقف العمل بالمشروع جاء بناء على أوامر تركيّة ولأسباب غير معروفة.
وفي وقت لاحق استأنفت سلطات الاحتلال التركيّ تجهيز مخيم ليجه أرنده في ناحية شيه، وتتواصل أعمال التسوية بواسطة الآليات الثقيلة.
مجمع بافلون الاستيطانيّ
في 12/11/2020 بدأ العمل في إنشاء مجمع استيطانيّ بقرية بافلون ووُصف بأنه “موطنٌ جديد”، ويعمل على تنفيذه مستوطن ينحدر كم ريف حلب يدعى فادي.
وفيما روّج الإعلام الإخوانيّ، على أنَّ المشروع المُسمّى “مخيم التعاون” عملٌ تطوعيٌّ محليٌّ، فالحقيقة أنّه مجمّع مخططٌ استيطانيّ، تشرفُ على بنائه سلطات الاحتلال وتموّله منظمات إخوانية قطرية وكويتية، قدّمت مبلغ مئتي دولار أمريكيّ لكلِّ عائلة مستوطنة، لتبني منزلاً لها على الأرض التي منحتها لها سُلطة الاحتلال. وقد خُطط أن تستوعبَ القرية استيطانيةْ، سبعين عائلة اُستقدمت في وقتٍ سابقٍ من ريف حلب وإدلب والغوطة.
وللمفارقة، أن هذه القرية الجديدة، تُبنى على سفح جبل بافلون الاستراتيجي وبجانب قرية “بافلون” الكُردية الايزيدية، والتي هُجّر كلّ أهلها، لإسكان الغرباء في منازلهم وعددها ستون منزلاً.
ومع بناء المجمّعات السكنية الاستيطانية، في بافلون وآفرازي وجبل ليلون وغيرها، تدخل “حرب الديمغرافيا” ضد الوجود التاريخي للكُرد، مرحلة جديدة، تهدف للتوسع أكثر وخلق واقع سكاني جديد، بعدما ضمِن الاحتلال صمت العالم عن توطين عشرات آلاف المستوطنين في منازل المهجّرين الكُرد بعد الغزو التركي- الإخواني لعفرين.
الخوذ البيضاء تنشئ مخيماً استيطانياً بحي الأشرفية
في 24/9/2020 ذكرت عفرين بوست أنَّ منظمة “الخوذ البيضاء” استولت على عدة محاضر عقاريّة في محيط خزان المياه بحي الأشرفية لإقامة مُخيم عليها. وبدأت الآليات العائدة للمنظمة بتسوية الأرضية لإنشاء مخيم عليها وإيواء مستوطنين جدد فيها، وتعود ملكّية المحاضر المستولى عليها للمواطنين الكُرد: ناصر وحنان ناصر ومحمود كلش من أهالي قرية قيبار والمواطن محمد علي
تمويل مشاريع الإكساء والتخديم
ذكرت عفرين بوست في 4/1/2021 أنَّ منظمات إغاثيّة قدمت دعماً لمستوطن غوطاني لتجهيز بناء سكنيّ كان قيد الإنشاء (على الهيكل) يقع على ضفة نهر عفرين ويضم 15 شقة سكنيّة، وقام المستوطن ببناء القواطع وتركيب الأبواب والنوافذ وتمديد الخدمات الصحيّة من مياه وأقنية صرف، وتم بيع كل شقة بمبلغ 700 دولار أمريكيّ. وتعود ملكية البناء لمتعهد كردي من عائلة هوروــ قرية شيخورزه.
كما قدمت منظمة إغاثية إخوانيّة كويتية منحة ماليّة لقاطني مخيم بناحية شرّا/شران، وتبلغ قيمة المنحة الماليّة 150 دولار أمريكيّ، ستوزع على 400 عائلة تسكن المخيم بهدف دعمه وتثبيته وتخديمه.
في 10/11/2020 ذكرت عفرين بوست أن منظمة “سوريا للإغاثة والتنمية” الإخوانية التي تتخذ من مبنى وكالة “هاوار” للأنباء سابقاً بحي عفرين القديمة مقراً لها، أطلقت قبل نحو 3 أسابيع مشروع إكساء الأبنية غير الجاهزة (على الهيكل) في مدينة عفرين الكرديّة والقرى القريبة منها. وبتضمن المشروع تجهيز وإكساء الشقق السكنية والمنازل (تركيب الأبواب والنوافذ والتمديدات الصحية وخزانات المياه وتطيين وغيرها).
ورفضت المنظمة مساعدة أهالي عفرين الأصليين الكُرد الذين تقدموا بطلب المساعدة، بحجّة أنهم ليسوا بحاجة للمساعدة، وأنهم “مقيمون” وأنها تساعد ما سمتهم “النازحين” (مستوطنين)”. وتدير المنظمة فرعاً للمساعدات الطبية وتتلقى تمويلاً من جمعية “منظمة قطر الخيرية” الإخوانية. كما افتتحت مركزاً لتحفيظ القرآن في منزل مستولى عليه وتعود ملكيته للمواطن العربي محمد رستم، وادّعت استئجاره من ميليشيا “السلطان مراد”.
الاستيطان الفلسطينيّ في عفرين
يعد الاستيطان الفلسطينيّ في عفرين المحتلة أغرب حالات الاستيطان، باعتبارهم ضحايا الاستيطان، وكانت قضيتهم دائماً محل تعاطف الكرد، وقال مركز التوثيق المدنيّ للاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري في 15/2/2020، بأنَّ أعداد المستوطنين الفلسطينيين في شمال سوريا يبلغ نحو 7500 مستوطن، تم جلبه من مخيمات درعا وحمص وحلب واليرموك.
وأنشأ الاحتلال التركيّ عدة مخيمات استيطانية مناطق حدوديّة بين عفرين وتركيا، كما في قرية سوركي بناحية راجو، وقرب قريتي دير بلوط والمحمدية، ومخيماً قرب بلدة جنديرس، في إطار خطة إقامة حزام تركمانيّ-إخوانيّ على طول حدود عفرين مع تركيا.
ونقل ناشطون في 7/4/2018، أخباراً عن استقدام المزيد من المستوطنين، القادمين من مناطق (ببيلا وبيت سحم ويلدا) بريف دمشق إلى مدينة عفرين ومخيم المحمدية بريف جنديرس، وروّج الإعلام أنهم نُقلوا إلى منطقة الباب، فيما استوطن في مخيم دير بلوط بريف عفرين نحو 600 عائلة من مستوطني جنوب دمشق، بينهم 325 عائلة فلسطينيّة.
ذكرت عفرين بوست في 18/10/2020 أنه في إطار تشجيع الاستيطان وخطة التغيير الديمغرافيّ، وإيجاد مقومات استقرار المستوطنين استولت جمعية العيش بكرامة الخاصة بفلسطينيي، على الأراضي المحيطة بالعقار الذي استولت عليه بقرية تل طويل، في أيار 2020، لبناء جامع عليه بتمويل جمعيات إخوانيّة قطريّة، والجمعية بصدد منح الأرض المستولى عليها للمستوطنين للزراعة وإقامة مشاريع عليها.
الاستيطان التركماني في عفرين
نشطت الجمعيات والتنظيمات التركمانية برعاية تركية في عفرين، في إطار مساعيها لجعل التركمان رأس حربة في عمليات الاستيطان في عفرين، وأعلن ما يسمّى “المجلس التركماني السوري” المدعوم من أنقرة، أنه التقى في 23/8/2018 بالتركمان المستقدمين من حماه وحمص والشام والجولان، إلى عفرين. وكشف المجلس التركمانيّ عن زيارة أعضائه إلى مقر مليشيا “الظاهر بيبرس”، التي تتكون من تركمان الجولان، كما زار مجلس التركمان مقر مليشيا “الفرقان” التي تضم مقاتلين تركمان، ينحدرون من المنطقة الوسطى.
وأكّد المدعو “محمد وجيه جمعة” رئيس ما يسمى “المجلس التركماني السوري”، في كلمته أمام جموع المستوطنين ومسلحي المليشيات التركمانية، على ما أسمّاها “وحدة الصف التركمانيّ”، وضرورة العمل سوياً لإحياء روح الوحدة والتعاضد لدى التركمان السوريين”!
في منتصف أيلول 2019 زار وفد مما يسمّى “حزب النهضة السوريّ التركمانيّ مسلحي مليشيا “السلطان محمد الفاتح” وقرى في عفرين هُجّر منها أهلها الكرد ومُنعوا من العودة، واستوطن فيها التركمان.
استثمرت أنقرة من فبركة “قضية تركمان سوريا” خلال السنوات الأخيرة، وعملت على تشكيل “هوية قومية” في مواجهة تصاعد القضية الكرديّة. وبعد احتلال إقليم عفرين، تم توطين تركمان اللاذقية وحمص المرحّلين في القرى الكردية بعفرين، وسعت أنقرة لإقامة مستوطنات لهم على شكل مجمعات سكنيّة بريف عفرين.
وورد في تقرير نشره موقع بلادي المعارض في 29/7/2018، أنّ متزعمي الميليشيات التركمانيّة طلبوا منهم التوجّه إلى قرى عفرين، وقطعوا وعوداً على لسان شخصيات في المجلس الأعلى للتركمان بالتوطين في قرى الكُرد المُهجرين.
وقد نشط التركمان في عفرين وافتتحوا مقراً لما يسمى “المجلس الأعلى لتركمان سوريا” في مدينة عفرين، إضافة لعملِ منظمات تحت مسمّى “الإغاثة”، لتشجيعِ التركمان ومساعدتهم على الاستيطان في الإقليم الكُرديّ.
في 3/3/2020 اتهمت وزارة الدفاع الروسيّة، للمرة الأولى، على لسان رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، اللواء بحري أوليغ جورافلوف، سلطات الاحتلال التركي بأنها تقوم بتوطّين التركمان في مناطق طردت منها الأكراد، ما أدى إلى تغيير جذري في التركيبة الديمغرافي في لتلك المناطق.
منظمة ألمانية توقف مشروع ترميم المنازل المدمّرة في عفرين
في 22/10/2020 أعلن المجلس المحليّ في عفرين طرح مناقصة للتعاقد مع منظمة “مساعدة الجوع في العالم” الألمانيّة (WHH) Welthungerhilfe، وجاء في الإعلان أنّ المطلوبَ لتأمين مزودين لصالح مشروع ترميم 400 منزل غير مكتمل أو متضرر والتي تسكنها العائلات النازحة في إعزاز وعفرين.
وفي 5/11/2020 بعثت 28 منظمة مدنيّة وجمعيّة وشبكة إعلاميّة، رسالة احتجاج إلى “الجمعية الألمانيّة لمكافحة الجوع في العالم”، WHH التي أعلن فرعها في مدينة غازي عينتاب التركية عن إجراء مناقصة لإكساء وترميم منازل مدمرة في منطقتي إعزاز وعفرين لإيواء وإسكان المهجّرين فيها. وأشارت الرسالة إلى أنَّ جهود الجمعية تسهم مباشرةً بتكريس واقع الاحتلال والاستيطان والتغيير الديمغرافيّ وسلب وانتزاع ملكية الملكيّة الخاصة للكرد للمهجرين قسراً، وأنّ من شأن هكذا مشاريع مشبوهة مناصرة الظالم على المظلومين
ولفتت الجهات الموقعة نظر الجمعية الألمانية إلى أن الذين هم أولى بمساعدتها، مَن يعيشون في مخيمات الشهباء المحيطة بعفرين، والتي تفتقر إلى أدنى وابسط الخدمات الإنسانية، في ظل غياب تام للمنظمات الإنسانية الدولية.
وفي 10/11/2020 استجابت منظمة “ويلت هنكر هيلف” الألمانية لرسالة الاحتجاج وأعلنت رسميّاً، إيقاف مشروع ترميم المنازل المدمّرة في عفرين المحتل، وقالت متحدثة باسم المنظمة لوكالة “الصحافة الإنجيلية” الألمانية “بعد التحقق من جميع المعلومات، توصلنا إلى نتيجة مفادها أن المنازل المدمرة لن يتم إصلاحها” مضيفة:” “كانت لدينا شكوك مشروعة حول ما إذا كان ينبغي الالتزام بمبادئنا الأساسية للمساعدات الإنسانية، مثل الحياد، في ظل الظروف المحددة”.
تدفق المستوطنين من إدلب
تلقى إقليم عفرين الكرديّ موجات متتالية من تدفق المستوطنين القادمين من محافظة إدلب، جراء التصعيد الميدانيّ، سواء الاقتتال الفصائليّ، أو العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الروسيّة، الذي أثبت بوضوحٍ التنسيق بين الجانبين الروسي والتركيّ، إذ تعتمد موسكو سياسة القضم التدريجيّ، بالتصعيد تارةً، والهدنة طوراً.
في كانون الثاني 2019 ادخل الاحتلال التركي بحجة القتال بين النصرة والزنكي أعداد كبيرة من مسلحي المليشيات الإسلامية برفقة عائلاتهم للاستيطان في قرى عفرين الكردية، قادمين من ريف حلب الغربي ومن إدلب وريفها، وبحسب مصادر محليّة فإنّ نحو ثلاثة آلاف مسلحٍ من ميليشيا حركة نور الدين الزنكي مع عائلاتهم وصلوا إلى ناحية جنديرس، فيما وصل أعداد أخرى منهم إلى قرى ناحيتي راجو وبلبلة.
في 10/1/2019 أكدت وسائل إعلام موالية للمليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي أنّ 1700 مسلح من مليشيات ما يسمى “الجبهة الوطنية للتحرير” يستعدون كدفعة أُولى، لمغادرة منطقة “سهل الغاب” و”جبل شحشبو” بريف حماة باتجاه إقليم عفرين الكرديّ. وجاء هذا القرار بعد 11 يوماً من الاقتتال الذي خلّف عشرات القتلى، بينهم مدنيون واتفاقهم حول وقف إطلاق النار في 9/1/2019 مع “هيئة تحرير الشام (فرع القاعدة السوري)، في إدلب وحماة. وعرضت قناة موالية للمليشيات الإسلامية تقريراً مصوّراً عن استجلاب أكثر من 4000 مستوطن جديد من منطقة ريف حلب الغربي إلى إقليم عفرين الكُردي، بحجّة الاقتتال الدائر بين النصرة وباقي المليشيات الإسلاميّة.
في 13/1/2019 نقلت عفرين بوست عن وسائل إعلام موالية للمليشيات الإسلاميّة، أنّ ألف مسلحٍ من ميلشيات “أحرار الشام الإسلامية”، و”جيش النصر” وصلوا من ريف حماة إلى عفرين، بموجب الاتفاق مع “هيئة تحرير الشام” التي سيطرت على مناطق بريف حلب الغربي وريف إدلب. وقالت تلك الوسائل إن هؤلاء المسلحين هم من مجموع 2700 مسلح، يتجهزون للخروج إلى ريف حلب الشمالي، وبررت تدفق المستوطنين إلى عفرين بعدم الثقة بـ “تحرير الشام”.
في 4/2/2020 تم رصد تدفق مستوطنين من إدلب جراء تصاعد العمليات العسكريّة الروسيّة وقوات النظام في المحافظة، وقد وصلت أكثر من 850 عائلة مستوطنة إلى ناحية بلبل، ونحو 1850 عائلة إلى ناحية شرا/شرّان و750 عائلة إلى ناحية راجو، و652 عائلة إلى ناحية جنديرس، و357 عائلة إلى ناحية شيه\شيخ الحديد، ونحو 470 عائلة إلى ناحية ماباتا/معبطلي و400 عائلة إلى ناحية شيراوا، فيما وصلت أعدادٌ كبيرةٌ إلى مدينةِ عفرين.
في 28/7/2020 ذكرت عفرين بوست أنّ عشرات العائلات المستوطنة قدمت إلى إقليم عفرين من بلدات جبل الزاوية بريف إدلب، بالتزامن مع أنباء عن تحضير روسيا وقوات النظام لحملة عسكريّة ضد المليشيات الإخوانية، ممن يسمون أنفسهم “الجيش الوطني السوري”. وأشارت عفرين بوست إلى أن عملية الاستقدام الجديدة بدأت في 27/7/2020 بعد قدوم عائلات للبحث عن منازل، وأضاف أنَّ مسلحي المليشيات التي كان من المفترض إخراجها من المدينة، يتجولون على المنازل ويطلبون عقود المنازل ويلتمسون أدنى الذرائع لإخراج العائلات الكرديّة من منازلها، وإسكان عائلات مستوطنة من جبل الزاوية. وقد افتتحت سلطات الاحتلال التركيّ مخيماً في قرية “آفرازيه” بناحية موباتا/معبطلي، لاستقبال المستوطنين.
الدور القطريّ في دعم الاستيطان
اتخذت قطر موقفاً داعماً لأنقرة خلال العدوان على عفرين، وانفردت بذلك بموقفها بين الدول العربية، واستمرت في دعم خطط الاستيطان عبر نشاط الجمعيات الإخوانيّة وتمويلها لمشاريع الاستيطان وتغيير هوية إقليم عفرين الكردي المحتل. وقد موّلت قطر ودعمت منذ بداية الحرب الأهليّة السورية جماعات الإخوان المسلمين، التي ترعاها تركيا، عسكرياً وسياسيّاً، وتقود الجماعة المُصنّفة “تنظيماً إرهابيّاً” في عدة دول عربية، دفة المُعارضة السورية عبر ما يسمى “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”.
في 7/2/2019 حصلت عفرين بوست في ناحية جنديرس على معلومات أكيدة، حول الجهود القطريّة لتشجيع الاستيطان والاستقرار في عفرين، بتقديم مغريات ومساعدات ماليّة للراغبين بالاستقرار في الإقليم الكُردي المُحتل، وتعمل “منظومة قطر لإعادة الأمل للأرامل”، على برنامج تشجيع الزواج من الأرامل، بالتوجه إلى لمخيمات وتوزيع منشورات، وإعداد قوائم للراغبين بالزواج من الأرامل. ووفقاً لعرض المنظومة القطرية، فإنها تتكفل بكامل مصاريف الزواج، وعلى المُتقدم فقط تأمين منزل أو ما يسمّى “بيت شرعي”، ليحصل بموجبها المتقدم للزواج بأرملة على مبلغ 3000 دولار أمريكي (وهو مبلغ متيسر لدى المستوطنين بعد استيلائهم على بيوت الكرد وأرزاقهم). وعلى أن يخصص راتب شهريّ للمتزوج بأرملة، مقداره نحو 200 دولار أمريكي، وبموجب العرض القطريّ، ستعمل مجالس الاحتلال المحليّة على تنظيم قوائم زوّدتهم بها المنظومة القطرية، لتسجيل أسماء الراغبين بالزواج من الأرامل.
وتمنح جمعية “عطاء بلا حدود القطرية” مساعدات حصريّة للمستوطنين القادمين من الغوطة وحمص ودير الزور، ومبلغ خمسين دولار، لكلِّ عائلة مستوطنة لتشجيعهم على الاستيطان، كما تقدم للمستوطنين دوريّاً سلات غذائية، مقابل منع أيّ نوع من المساعدات عن المواطنين الكُرد بحجّة أنهم “مقيمون” وأن المستوطنين “مهجرون”.
من الجمعيات القطرية الإخوانيّة التي تنشط في عفرين: منظمة قطر الخيرية، جمعية عطاء بلا حدود، جمعية البيان القطريّة، منظومة قطر لإعادة الأمل للأرامل.
دور المجالس المحليّة في ترسيخ الاستيطان
في 5/2/2020 أشارت عفرين بوست إلى دور المجلس المحليّ التابع للاحتلال التركيّ في بيع الشقق السكنيّة على الهيكل، للمستوطنين القادمين من إدلب وريف حلب الغربيّ.
في 2/12/2020 ذكرت عفرين بوست أن المكتب الإغاثي في مجلس الاحتلال المحلي بمدينة عفرين، وزّع البذار والأسمدة على المستوطنين ليزرعوها في الأراضي التي استولوا عليها في منطقة سهل جومكه/ دشتي جومكي وقرية تل طويل وكوندي استير وقسطل كشك.
يواصل مسلحو ميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين وذويهم من المستوطنون عمليات الاتجار بأملاك أهالي عفرين الكرد، بيعاً وشراءً وتأجيراً، واللافت أن عمليات المتاجرة لا تنحصر بالشقق السكنية بل تتعداها إلى المحلات التجارية والأراضي الزراعية لتوفير فرص عمل ومصادر كسب تكون رافعة تثبيت الاستيطان والتغيير الديمغرافيّ في الإقليم الكردي المحتل شمال سوريا.
في 7/3/2019 ذكرت عفرين بوست أنّ سلطات الاحتلال التركي في سياق جهودها لترسيخ الاستيطان، عمدت قبل نحو أسبوعين إلى إجبار كل سكان عفرين من الأهالي الكرد والمستوطنين المستقدمين من مناطق سوريّة مختلفة على الحصول على “بطاقات تعريفيّة” من المجالس المحليّة، وبموجب هذه البطاقات يتساوى كل سكان عفرين، إذ تم تجاهل محل القيد الأصلي للمستوطنين عمداً، وحذرت من المساءلة فيما لو لا يتم الحصول عليها. وتشمل البطاقات كل الفئات العمريّة اعتباراً من سنة واحدة حتى المسنين. وكان الأهالي الكرد مجبرون فيما سبق على استصدار ورقة من المجالس المحلية بصلاحية شهرية للتنقل بين أرجاء الإقليم المحتل، وبذلك يفترض تجديد تلك الوثيقة دورياً تتضمن المرور على مكتب أمنيّ.
وعدّ مراقبون اعتماد هذا النموذج من بطاقات التعريف إجراءً تمهيدياً لتثبيت الاستيطان، إذ يساوي أهالي عفرين الكرد بالمستوطنين، وبخاصة أنه جاء بالتوازي مع إصدار “التنظيم الإخوانيّ السوريّ في 28/2/2019 بياناً دعت فيه دون مواربة أو حياء، الاحتلال التركي لاقتطاع الأراضي السوريّة تحت مسمى “المنطقة الآمنة”!
ومن مظاهر عجز المجالس المحليّة وتابعيتها للاحتلال ودورها الشكليّ أنها أصدرت في 11/2/2019، أقرت فيه بطابع التمييز العنصري في توزيع المنظمات التي تعمل باسم الإنسانية والإغاثة، واقتصار مساعداتها على المستوطنين. ولكن دون أي إجراءات فاعلة.
شهادة المرصد السوريّ لحقوق الإنسان
في 26/3/2021 ذكر المرصد السوريّ لحقوقِ الإنسانِ أن الائتلاف السوريّ – الإخوانيّ يسعى بطلبِ من حكومة أنقرة لتأمين دعم أوربيّ لبناء مشاريع سكنيّة وتجاريّة استيطانيّة في إقليم عفرين المحتل، لجلب المزيد من المستوطنين وتكريس عملية التغيير الديمغرافيّ. وأشار المرصد إلى أنّ الائتلاف يهدف لإعادة لاجئين سوريين في تركيا إلى عفرين، منوهاً أنّ محاولات الائتلاف باستقطاب داعمين أوربيين باءت بالفشل حتى اللحظة.
وتأتي هذه المحاولات في تجاهل كامل لتهجير قسريّ طال أكثر من 300 ألف من أهالي عفرين الأصليين الكرد بسبب القصف الجوي والمدفعي التركي على القرى وبلدات عفرين وهم يعيشون ظروفاً صعبة في مخيمات الشهباء، وليتم بعدها جلب نحو 500 ألف من المسلحين الإسلاميين وذويهم من مناطق الصراع السورية المختلفة وتوطينهم في منازل وديار المهجرين الكرد.
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقريرٍ حول التغيير الديمغرافي في عفرين نشره في 1/11/2020 تقريراً: إن تركيا تعمل جاهدة بعد احتلالها عفرين على تغيير التركيبة السكانيّة للمنطقة بحيث تتواكب مع الأطماع التركية”.
ووثق المرصد عدد المستجلين وقال إنهم بحدود 120 ألف من الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وريف دمشق الجنوبي والقلمون الشرقي وريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي ضمن عملية شاملة للتغيير الديموغرافي. وجرى توطين عشرات الآلاف من هؤلاء المستجلبين برعاية تركيّة-إخوانيّة في منازل المدنيين والمزارع المملوكة للمواطنين الكُرد الذين فرّوا من الانتهاكات التركية وانتهاكات المليشيات الإخوانية التابعة لها.
شرعنة الاستيلاء على المنازل بالقوة لتثبيت الاستيطان
وصف تقرير نشر في موقع أوبن ديمكراسي opendemocracy البريطاني في 19/7/2020، حالة الاستيطان في إقليم عفرين، فقال: “إن ما يجري للكرد في سوريا والعراق بسبب العمليات العسكريّة التركية في كلا البلدين، هو “إبادة جماعية”. ويذكر التقرير مجمل العمليات العسكرية التركية لاستهداف الكرد. ما تم تداوله من بيانات تدعو لإخلاء المدن من الوجود الميليشاوي والعسكريّ، وضبط الحياة بالمدن، محاولات تجميل فاشلة يراد منها للإيحاء بأن ميليشيات الجيش الوطني “الإخوانية” تخضع لضوابط وقواعد ناظمة، ولكن الدعوات تكذبها السلوكيات اليومية، من انتهاكات ومسعى لإخراج الأهالي الكرد الأصليين وتثبيت حالة الاستيطان وحواضن الفكر المتطرف لصالح المشروع الإخواني. فالكردي الأصيل يُطالب بسند التمليك في مسقط رأسه وبلده فيما يُشرعن الاستيلاء بالقوة على المنازل لتثبيت الاستيطان، لتكون النتيجة تغيير نسب التركيبة الديمغرافية، وتصبح أقل مما أشار إليه أردوغان في بداية العدوان.
تقرير مجلس حقوق الإنسان
أصدر مجلس حقوق الإنسان 14/9/2020، تقريرَ لجنة التحقيق الدوليّة المستقلة المعنية بسوريا، وشمل رصد مجريات الميدان خلال النصف الأول لعام 2020، وقال التقرير إنّ اللجنة تثبتت من الأنماط المتكررة والمنهجية لأعمال النهب والاستيلاء على الممتلكات فضلاً عن سلب الحرية التعسفيّ الذي ارتكبته المليشيات الإخوانيّة في عفرين وسري كانيه/رأس العين، حيث قاموا في نهاية الأمر بإجبار السكان وأغلبهم من أصل كردي، على ترك منازلهم”.
وقال التقرير: “في جميع أنحاء عفرين تشير عدة روايات إلى أن عناصر الجيش السوري الوطني عمدوا بطريقة منسقة إلى نهب أملاك الكرد ويورد ما فعله مسلحو ميليشيا سليمان شاه، فقد مروا على المنازل وأمروا الأسر الكردية التي تضم أقل من ثلاثة أفراد بإخلاء منازلهم لإيواء قادمين من خارج عفرين، وكذلك دفع “ضريبة” عن المحاصيل الزراعيّة أو مبلغ إيجار معين كشرط مسبق للبقاء بالمنازل التي يملكونها.
في تقرير لجنة تحقيق الأمم المتحدة بشأن سوريا ورد في الفقرة (48) ما نصه: وفي عفرين أيضاً، في كانون /الأول ديسمبر مر عضو بارزٌ من ألوية الجيش الوطني بشقق عمارة سكنية كبيرة باباً باباً، وطلب سندات إثبات الملكية من السكان الأكراد فقط، وأجبر أحد السكان، الذين لم يتمكن من إبراز السند على الحضور إلى المكتب الأمني للواء، حيث تعرض للإساءة اللفظية وقيل له: “لو كان الأمر بيدي، لقتلت كل كُرديّ عمره من سنة إلى 80 سنة”. وهُدد بالاحتجاز. وخوفاً على سلامة أسرته فرّ الرجل بعد وقت قصير وذهبت إحدى النساء إلى مسؤولين أتراك في ناحية شيخ الحديد وشكت لهم من الاستيلاء على منزلها فقيل لها إن عليها أن تتحدث إلى لواء سليمان شاه الذي فوّضته تركيا فيما يبدو صلاحية التعامل مع مثل هذه الحالات”.
مع تواصل النشاط الاستيطانيّ، حوّل الاحتلال التركيّ إقليم عفرين المحتل، إلى بؤرة للتطرف حيث يتنشر النشاط الدعويّ، بعدما أصبح الاستيطان حاضنة اجتماعيّة للتشدد والتطرف والفكر الجهادي والارتزاق المسلح، ومن عفرين يتم إرسال المرتزقة للقتال في ليبيا وأذربيجان وإلى اليمن وفقاً لتعليمات سلطات الاحتلال.